المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار حول الدين بين الداعي ومختلف.



الصفحات : [1] 2 3 4 5

الداعي
2010-12-06, 04:36 PM
المحور الأول: حاجة الناس إلى الرسل (الدين):
مختلف, تحية طيبة وبعد:
الإنسان من حيث هو إنسان لديه طاقة حيوية، وهذه الطاقة الحيوية فيها إحساسات طبيعية تدفع الإنسان للإشباع، فهذا الدفع يكون مشاعر أو إحساسات، وهي تتطلب الإشباع؛ منها ما يتطلب الإشباع حتماً وإذا لم يشبع يموت الإنسان لأنه يتعلق بوجود الطاقة من حيث هو وجود، ومنها ما يتطلب الإشباع ولكن بشكل غير حتمي، فإذا لم يحصل الإشباع ينزعج ولكنه يبقى حياً، لأنه يتعلق بحاجات الطاقة لا بوجودها.
ولذلك كانت الطاقة الحيوية ذات شقين: أحدهما يتطلب الإشباع الحتمي، وهذا ما يطلق عليه الحاجات العضوية، وذلك كالجوع والعطش وقضاء الحاجة، وثانيهما يتطلب مجرد الإشباع، وهذا ما يطلق عليه الغرائز، وهي ثلاث: غريزة البقاء، وغريزة النوع، وغريزة التدين.
1. غريزة التدين من مظهرها التقديس والعبادة, فالإنسان بطبعه يشعر بالعجز والنقص والاحتياج؛ لذلك تراه يقدس من هو أعظم منه: المؤمن يقدس الله ويعبده, والملحد يقدس المادة ويجلها.
2. غريزة النوع من مظهرها الزواج والأبوة والبنوة والعمومة...إلخ. فالإنسان يميل إلى نوعه الإنساني, والذكر يميل للأنثى, والأنثى تميل للذكر. هكذا هو الميل الطبيعي؛ لذلك يعد ميل الرجل للرجل شذوذ, وميل الأنثى للأنثى شذوذ, وميل الإنسان للحيوان شذوذ.فرؤية المرأة الجميلة تثير في الإنسان الشهوة، ورؤية الأم تثير فيه الحنان، ورؤية الطفل تثير فيه الإشفاق, وهكذا هلم جرًّا.
3. غريزة حب البقاء من مظهرها حب التملك, وحب السيطرة, وحب التفاهم, وحب التجمع...إلخ.
ألا فاعلم أن الإنسان لديه شعور طبيعي بالبقاء والخلود، فكل ما يهدد هذا البقاء يشعر تجاهه طبيعياً، شعوراً حسب نوع هذا التهديد، بالخوف أو الإقدام، بالبخل أو الكرم، بالفردية أو التجمع، حسب ما يراه فيوجد عنده شعوراً يدفعه للعمل فتظهر عليه مظاهر من الأفعال ناتجة عن الشعور بالبقاء، وكذلك عنده شعور ببقاء النوع الإنساني، لأن فناء الإنسان يهدد بقاءه، فكل ما يهدد بقاء نوعه يشعر تجاهه طبيعياً شعوراً حسب نوع هذا التهديد، فرؤية المرأة الجميلة تثير فيه الشهوة، ورؤية الأم تثير فيه الحنان، ورؤية الطفل تثير فيه الإشفاق، فيشعر شعوراً يدفعه للعمل فتظهر عليه مظاهر من الأفعال قد تكون منسجمة وقد تكون متناقضة، وأيضاً فإن عجزه عن إشباع شعور البقاء أو بقاء النوع يثير فيه مشاعر أخرى هي الاستسلام والانقياد لما هو حسب شعوره مستحق للاستسلام والانقياد، فيبتهل إلى الله، ويصفق للزعيم، ويحترم القوي، وذلك نتيجة لشعوره بالعجز الطبيعي، فأصل الغرائز هو الشعور بالبقاء أو بقاء النوع أو العجز الطبيعي، ونتج عن هذا الشعور أعمال. فكانت هذه الأعمال مظاهر لتلك الأصول الطبيعية، وهي في مجملها يرجع كل مظهر منها إلى أصل من هذه الأصول الثلاثة، لذلك كانت الغرائز ثلاثة ليس غير.
والإنسان_ وَفْقَ ما هو مشاهد محسوس _له علاقات ثلاثة, ألا وهي: علاقة الإنسان مع نفسه المتعلقة بالمطعومات والمشروبات والملبوسات والأخلاق, وعلاقة الإنسان مع خالقه المتمثلة بالعقائد والعبادات, وعلاقة الإنسان مع غيره المتمثلة بالعقوبات والمعاملات.
زميلي مختلف, هذه مقدمة سوف نتناول في ضوئها أطراف الحديث عن حاجة الناس للرسل التي صدر عنها ما يسمى بـ(الدين).

وعليه, ألديك أي استفسار فيما سبق, أم أكمل فيما شرعت به؟

ذو الفقار
2010-12-06, 11:51 PM
تسجيل متابعة للحوار والإشراف عليه

مختلف
2010-12-07, 12:13 AM
بعد التحية عزيزي الفاضل الداعي،


بالمجمل، لن أضيف - وكلامك باعتباره وجهة نظرك الشخصية من منظور إنسان متدين يمكنني ببساطة أن أقبل بها فغرائزك (اﻷساسية) هي فعلاً ستكون كما أسلفت:
البقاء، النوع، التدين.

غريزة التدين من مظهرها التقديس والعبادة, فالإنسان بطبعه يشعر بالعجز والنقص والاحتياج؛ لذلك تراه يقدس من هو أعظم منه: المؤمن يقدس الله ويعبده, والملحد يقدس المادة ويجلها.اﻹنسان بطبعه يشعر بالخوف من المجهول، وهو السبب اﻷساسي الذي يجعلنا في الغالب نكره الظلمة - مثلاً، والخوف من المجهول لا يعدو كونه غريزة ً هو اﻵخر، وعليه فرؤيتي الشخصية أن غريزة التدين التي ذكرتها أنت -مشكوراً- ماهي إلا سدّ لفراغ المجهول الموجود لدى اﻹنسان؛ وهي بشكل أو بآخر مرتبطة بغريزة البقاء أيضاً.
فالخوف من الموت كان الهاجس اﻷعظم لدى اﻹنسان منذ فجر التاريخ، ولم تعطِ اﻹنسان أنواعُ العلوم المختلفة التي استنبطها خلال مئات آلاف السنين تفسيراً يُزيل خوفه من مصيره المجهول سوى علوم الدين.
لن أطيل - هذه باختصار ملاحظتي على الاقتباس أعلاه.

وعليه, ألديك أي استفسار فيما سبق, أم أكمل فيما شرعت به؟لا، شكراً لك؛ تفضّل أكمل مشكوراً.
تحياتي العطرة لك

أبوحمزة السيوطي
2010-12-07, 06:45 AM
هذه الصفحة مخصصة للحوار بين الحبيب الداعي والضيف مختلف
يمنع الكتابة هنا لغير المناظرين والإشراف على الحوار

وللتعليق من هنا :
http://www.albshara.com/showthread.php?t=19489&p=193041#post193041

الداعي
2010-12-07, 07:42 AM
مختلف, تحية طيبة, وبعد:

لما كنتَ مؤمنا بالله ليس غير, كان لا بدَّ من الاتكاء على الدليل العقلي في نقاشنا؛ لأنك لو آمنت بالقرآن لما فتحنا هذا الموضوع, والقرآن ليس حجة عليك ما لم تهتد بعقلك إلى أنَّه كتابُ حقٍّ وصدقٍّ, وإثبات ذلك يكون في بحث صدق نبوة النبي الأكرم محمد عليه أفضل صلاة وأتم تسليم.
ولما كان ذلك كذلك, كان كلامي معك مبنيًا على العقل لا على النقل, ولا دخل كوني متدينا بما سطرته لك من حديث حول الغرائز؛ لأنه حديث عن الإنسان من حيث هو إنسان, فلا دخل لعقائده في تحديد الغرائز, ولا دخل لمعتقدك في تحديد الغرائز, ولا أقبل منك أن تبرز غريزة بناء على معتقدك, وأنت لا تقبل مني ذلك.
ثمَّة أمران: الغريزة, ومظهر الغريزة؛ غريزة التدين هي في الملحد؛ لأنه_ أولا وأخيرًا _إنسان, ولكنَّ مظهر غريزة التدين لديه ليس العبادة, بل هو تقديس المادة, ومن ثَمَّ العلم. فتأمَّل.
وعليه, من الخطأ قولك:"فرؤيتي الشخصية أن غريزة التدين التي ذكرتها أنت -مشكوراً- ماهي إلا سدّ لفراغ المجهول الموجود لدى اﻹنسان". والذي دفعك إلى هذا القول هو معتقدك, ولا دخل للمعتقد في تحديد الغريزة ومظهرها؛ لأنه بحث في الإنسان من حيث هو إنسان.
وقد قلت لك:" ألا فاعلم أن الإنسان لديه شعور طبيعي بالبقاء والخلود، فكل ما يهدد هذا البقاء يشعر تجاهه طبيعياً، شعوراً حسب نوع هذا التهديد، بالخوف أو الإقدام، بالبخل أو الكرم، بالفردية أو التجمع". فلو تأمَّلت هذا القول, لعلمت أنَّ ما جعلته أنت غريزة ليس بغريزة, بل هو شعور طبيعي يسمى مظهرا للغريزة. لا يوجد غريزة يطلق عليها (غريزة الخوف من المجهول)؛ لأن الخوف من المجهول نتج من شعور الإنسان الطبيعي بالبقاء والخلود؛ لأنه يرى أن المجهول والسير في هذه الحياة بالمجهول يقوده إلى المهالك ويهدد بقاءه؛ لذلك تراه يقدم على البحث والمعرفة والعلم, حبًّا للسير على هدى ونور واستقامة؛ لاتقاء المخاطر التي تهدد بقاءه. وعليه, الخوف من الظلمة والمجهول يندرج تحت (غريزة حب البقاء), وأي أمر تأتي به سيندرج تحت الغرائز الثلاثة: التدين والنوع والبقاء.

والآن ننتقل للأدلة العقلية في إثبات حاجة الناس للرسل.

الداعي
2010-12-07, 09:12 AM
مختلف, تحية طيبة, وبعد:
سأشرع_ بعد توفيق الله _بإقامة الحجج العقلية على حاجة الناس للرسل, ألا وهي:


1. الدليل العقلي الأول:
أ‌- إنَّ من المعلوم لدى العاقل, أنَّ العقل البشري يقصر عن إدراك ذات الله سبحانه؛ لذلك لم يهتد إليه من ذاته, بل اهتدى إليه من مخلوقاته.
ب‌- والمتدبر فيما يقع عليه الحس من خلق, يدرك من ذاك الحسِّ صنع الله البديع المتقن المحكم, ويدرك عظمة الخالق من عظمة خلقه, ويدرك رحمة الخالق من تكامل خلقه وتآلفه, ويدرك علمه من حسن الخلق وبديع الصنع.
ت‌- أخالق يتصف بما وصلنا إليه عقلا قطعا يقينا, هل يمكن أن يتصف بالعبث؛ فيخلق الخلق بلا حكمة أو غاية؟ العاقل ذو اللب, ينفي قطعًا أن يكون الخالق متصفا ومنعوتًا بالعبثية.
ث‌- لأنَّنا لا ندرك ذات الله, ولم نبلغ علم الله, ونعجز عن الإحاطة بنعم الله, لأننا كذلك عجزنا عن إدراك حكمته من خلقنا وخلق ما حولنا؛ لذلك لا بدَّ لنا من الرسل ليبلغنا الله من خلالها الحكمة والغاية من الخلق؛ لنقوم بما خلقنا من أجله. وهنا أذكر قول إبراهيم_ عليه السلام _: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾, (الأنعام: 77).
ج- وهنا أذكر قول الله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾, (الذاريات: 56).


2. الدليل العقلي الثاني:
أ‌- المقصد من العمل يسمى قيمة, والقيم أربعة:
1) قيمة مادية: كالأعمال التجارية والزراعية والصناعية ونحوها.
2) قيمة إنسانية: كإنقاذ الغرقى وإغاثة الملهوفين.
3) قيمة أخلاقية: كالصدق والأمانة والرحمة.
4) قيمة روحية: كالعبادات.
ب‌- الإنسان من حيث هو إنسان يبتغي تحقيق قيمة ما من عمله, وإن لم يقصد تحقيق قيمة من القيم سابقة الذكر؛ يتهم بالعبثية والغوغاء.
ت‌- فإذا كان الإنسان_ وهو أدنى من الله _يتهم بالعبثية والجنون إن قام بأعماله دون قصد تحقيق قيمة ما, فهل يليق بالله أن يخلق الخلق دون غاية وقصد؛ فيتهم بالعبثة سبحانه.
ث‌- وعليه, لا بدَّ من الرسل لتبيين غاية الإنسان وقصده في هذه الحياة الدنيا وفق ما يريد الله خالقه ليس غير.
ج‌- وهنا أذكر قول الله: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾, (المؤمنون: 115). هذا سؤال استنكاري لمن يعتقد بعبثية الخلق, ثم ينزه الله نفسه عن هذا المعتقد الذي ينسبب الله النقص والمعرة سبحانه: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾, (المؤمنون: 116).


3. الدليل الثالث:
أ‌- إنَّ الكون والإنسان والحياة لآيات ذات دليل خريت, وسلطان مبين, وحجة دامغة بالغة, وبرهان ساطع على وجود الله.
ب‌- ومن غرائز الإنسان غريزة التدين؛ لذلك تراه يعبد خالقه ويقدسه عقب وصوله إلى حقيقة وجوده.
ت‌- التدين فطري في الإنسان، لأنه غريزة من غرائزه، فهو في فطرته يقدس خالقه، وهذا التقديس هو العبادة، وهي العلاقة بين الإنسان والخالق. وهذه العلاقة إذا تركت دون نظام يؤدي تركها إلى اضطرابها وإلى عبادة غير الخالق، فلا بد من تنظيم هذه العلاقة بنظام صحيح، وهذا النظام لا يأتي من الإنسان لأنه لا يتأتى له إدراك حقيقة الخالق حتى يضع نظاما بينه وبينه، فلا بد أن يكون هذا النظام من الخالق.
ث‌- وعليه, لا بد أن يبلغ الخالق هذا النظام للإنسان؛ لذلك كان لا بد من الرسل يبلغون الناس دين الله تعالى.
ج‌- وهنا أذكر قول الله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾, (النحل: 36).


4. الدليل العقلي الرابع:
أ‌- الإنسان ذو طاقة حيوية ذات شقين: أحدهما يتطلب الإشباع الحتمي (الحاجات العضوية)، وثانيهما يتطلب مجرد الإشباع (الغرائز).
ب‌- إشباع الإنسان لغرائزه وحاجاته العضوية أمر حتمي، وهذا الإشباع إذا سار دون نظام يؤدي إلى الإشباع الخطأ أو الشاذ ويسبب شقاء الإنسان، فلا بد من نظام ينظم غرائز الإنسان وحاجاته العضوية.
ت‌- هذا النظام لا يأتي من الإنسان، لأن فهمه لتنظيم غرائز الإنسان وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، فإذا ترك ذلك له كان النظام عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض وأدى إلى شقاء الإنسان.
ث‌- المتأمل في الأنظمة الوضعية وخاصة المبدأ الشيوعي والمبدأ الرأسمالي يدرك عمق الشقاء والتعاسة التي ساقتها هذه الأنظمة للبشرية جمعاء.
ج‌- والإنسان عقله عاجز وناقص ومحتاج, والنظام الذي يضعه هذا العقل يتصف بصفاته, فيكون نظاما عاجزا وناقصا ومحتاجا, ونظام هذا حاله يقود إلى شقاء البشرية وفنائها.
ح‌- وعليه, فلا بد أن يكون النظام من الله تعالى, ولا بد من الرسل ليبلغوا الناس هذا النظام.
خ‌- وهنا أذكر قول الله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾, (المائدة: 50). وقول الله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾, (طه: 124).


5. الدليل العقلي الخامس:
أ‌- هذا دليل يختلف عن سابقيه من حيث كونه لا يثبت حاجة الناس للرسل, بل يثبت وجود الرسل فعلا.
ب‌- لقد ألفينا الأمم جميعًا قد أتتهم رسل, وقد أثبتوا صدق نبوتهم ورسالتهم بما طلبه ذوو الألباب.
ت‌- ومحمد بن عبد الله هو امرؤ قد ادعى النبوة, وقد أتى بما يثبت صدق نبوته, وثبوت نبوته دليل على وجود الرسل.
ث‌- وهنا أذكر قول الله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾, (فاطر: 24).


زميلي, أنتظر تعقيبك على المداخلة, ومن ثمَّ ننتقل لإثبات صدق نبوة محمد بن عبد الله عليه أفضل صلاة وأتم تسليم.

مختلف
2010-12-07, 01:24 PM
بعد التحية والسلام،





لما كنتَ مؤمنا بالله ليس غير, كان لا بدَّ من الاتكاء على الدليل العقلي في نقاشنا؛ لأنك لو آمنت بالقرآن لما فتحنا هذا الموضوع, والقرآن ليس حجة عليك ما لم تهتد بعقلك إلى أنَّه كتابُ حقٍّ وصدقٍّ, وإثبات ذلك يكون في بحث صدق نبوة النبي الأكرم محمد عليه أفضل صلاة وأتم تسليم.



إنّ مبحثنا هذا -حول صدق رسالة نبي اﻹسلام- لا يعطي الدليل الكافي والملزم أنّ القرآن كتابٌ كلّ ما فيه آتٍ من الخالق العظيم، فادعاء عدم تحريف القرآن (حتى لو تمّ إثبات صدقية الرسالة) هو شيءٌ آخر تماماً، وهذا مبحثٌ آخر لربما أتطرّق إليه إن اقتضت الحاجة. إذاً علينا أولاً إثبات أنّ
أ- الإنسان يحتاج للرسل باﻷدلة العقلية - في المداخلة التالية
ب-إثبات أنّ محمداً (ص) هو نبي من عند الله - باﻷدلة العقلية
ج – إثبات أن القرءان لم يخضع للتحريف شأنه كشأن باقي الكتب المسماة بالسماوية – باﻷدلة العقلية والمنطقية والتاريخية



إن تمّ إثبات كلّ ذلك بشكل لا يقبل مجالاً للشك، وقتها يمكن أن أقول أنّ نبوة محمد نبي اﻹسلام نبوة صحيحة لا يشوبها شائبة.
ملاحظة: إن إثبات فكرة كفكرة التدين، التي اعتبرتها أنت أهم غريزة وأوردتها أولاً، تحتاج لأكثرِ من دليل دامغ ساطع لا يقبل التأويل وهذا منطلقٌ من أهمية هذه الغريزة وأهمية الدين في حياة اﻹنسان- إن صحّ قولك- أما إثباتُ بطلانها فهو يحتاجُ لدليل نقضِ واحد لا أكثر!




ثمَّة أمران: الغريزة, ومظهر الغريزة؛ غريزة التدين هي في الملحد؛ لأنه_ أولا وأخيرًا _إنسان, ولكنَّ مظهر غريزة التدين لديه ليس العبادة, بل هو تقديس المادة, ومن ثَمَّ العلم. فتأمَّل.


ربما كلامك يكون واضحاً، ولكن ما الدراسة التي استندت عليها في تقسيم الغرائز إلى ثلاثة أنواع، منها التدين. وما الذي استندت عليه بالقول أن الملحد "يقدس" المادة؟



وضوحاً غريزة البقاء يمكنني ربطها -عقلياً- بغريزة النوع فلولا انجذاب الرجل لمرأة من نوعه، ولولا عاطفة الأم على ابنها لما استمر النوع، ولا بقي الجنس البشري (غريزة البقاء في النوع)! أما غريزة التدين فهي أقرب ما يمكن لغريزة الخضوع بحسب ويليام ماكدوغال [1]
والذي قسّم الغرائز إلى الكثير من اﻷقسام وكان منها المتعارضين (الخضوع ؛ السيادة)! طيب: إن ربطت أنا شخصياً وبشكل عقلي بحت، غريزتي الخضوع والسيادة بالتدين فالخضوع هو التعبد، ولكن ماهي السيادة؟ سؤال يحتاج لوقفة!




وأي أمر تأتي به سيندرج تحت الغرائز الثلاثة: التدين والنوع والبقاء. هل السيادة والتسلط وحب السيطرة تندرج تحت أحد هذه البنود؟






تحياتي لك، لي عودة للتعقيب على المداخلة الأخرى.
أتمنى لك وللجميع يوماً جميلاً.
--------------------------------------------------------
[1] عالم النفس الانكليزي(ويليام ماكدوغال 1871-1938)

الداعي
2010-12-07, 03:56 PM
مختلف, تحية طيبة, وبعد:
1. لك ما أردت؛ فنحن سنبحث عن كيفية ثبوت النبوة, وإثبات نبوة محمد, وعن المعجزة الخالدة القرآن الكريم, وعن سلامتها من التبديل والتحريف والضياع.


2. والآن ننتقل للشق الثاني من مداخلتك:

ملاحظة: إن إثبات فكرة كفكرة التدين، التي اعتبرتها أنت أهم غريزة وأوردتها أولاً، تحتاج لأكثرِ من دليل دامغ ساطع لا يقبل التأويل وهذا منطلقٌ من أهمية هذه الغريزة وأهمية الدين في حياة اﻹنسان- إن صحّ قولك- أما إثباتُ بطلانها فهو يحتاجُ لدليل نقضِ واحد لا أكثر!
1. ثمَّة فرق بين التدين من حيث هو فكرة, ومن حيث هو غريزة. فتأمل.
2. قد توجد فكرة التدين لدى الناس وقد لا توجد؛ فالملحد واللا أدري يفتقدان لفكرة التدين, ولكنَّ غريزة التدين في كل إنسان.
3. لإقامة الحجة على صدق أي أمر يكفيه دليل دامغ, وتعدد الأدلة هو زيادة في الخير. وليس ثمة شيء أكثر خطورة من النبوة, ومع هذا يكفي دليل واحد لإقامة الحجة.

ربما كلامك يكون واضحاً، ولكن ما الدراسة التي استندت عليها في تقسيم الغرائز إلى ثلاثة أنواع، منها التدين. وما الذي استندت عليه بالقول أن الملحد "يقدس" المادة؟
1. استندت على دراسة للقاضي المفكر تقي الدين النبهاني في كتابه (التفكير), وعلى كتاب (الإسلام وثقافة الإنسان) لسميح عاطف الزين.
2. غريزة التدين (التقديس) موجودة لدى الملحد, فهو نقل تقديسه لله إلى تقديسه للمادة والعلم والمفكرين؛ فتراهم يتعاملون مع أفكار كارل ماركس وستالين ولينين كما يتعامل المؤمن بالنصوص الإلهية. وقد صارحت بعض زملائي الشيوعيين بتقديسهم للمادة كونها أزلية في اعتقادهم فأقروا بذلك, ويقدسون كذلك العلم والعقل. فهم أشبعوا غريزة التقديس إشباعًا خاطئًا؛ فبدل تقديسهم لله قدسوا المادة والطبيعة والعلم.


وضوحاً غريزة البقاء يمكنني ربطها -عقلياً- بغريزة النوع فلولا انجذاب الرجل لمرأة من نوعه، ولولا عاطفة الأم على ابنها لما استمر النوع، ولا بقي الجنس البشري (غريزة البقاء في النوع)! أما غريزة التدين فهي أقرب ما يمكن لغريزة الخضوع بحسب ويليام ماكدوغال [1]




والذي قسّم الغرائز إلى الكثير من اﻷقسام وكان منها المتعارضين (الخضوع؛ السيادة)! طيب: إن ربطت أنا شخصياً وبشكل عقلي بحت، غريزتي الخضوع والسيادة بالتدين فالخضوع هو التعبد، ولكن ماهي السيادة؟ سؤال يحتاج لوقفة!



1. يقول القاضي النبهاني عن علماء النفس:" ومن هنا أخطأ علماء النفس بالغرائز وفهمها وحصرها ثم عدم حصرها. والحقيقة أن الغرائز محصورة بثلاث غرائز. هي غريزة البقاء، وغريزة النوع، وغريزة التدين أو التقديس. وذلك أن الإنسان يحرص على بقاء ذاته، فهو يملك ويخاف ويندفع بالإقدام، ويتجمع، إلى غير ذلك من مثل هذه الأفعال من أجل بقاء ذاته. فالخوف ليس غريزة، والملك ليس غريزة، والشجاعة ليست غريزة، والقطيع ليس غريزة الخ، وإنما هي مظاهر لغريزة واحدة هي غريزة البقاء...", والشاهد: إن ويليام ماكدوغال وقع في لبس بين الغريزة ومظهرها.

2. أصل الغرائز هو الشعور بالبقاء أو بقاء النوع أو العجز الطبيعي. وهذا العجز يدفع صاحبه إلى تقديس القوة التي هي أعظم منه؛ فأنت_ يا مختلف _تشعر أنك ضعيف, وترى نفسك عاجزًا عن الإحاطة بكل شيء, وتؤمن بالله, وأنت قطعًا تقدس خالقك وتعظمه وتجله, ولا أظن أنك تنتقص من قدره وعظمته وتحقره. وكونك تعتبر خالقك عظيما تكون قد قدسته طبيعيًا, فشعورك بتقديس الله طبيعي, وهذا ما يسمى غريزة التدين (التقديس).
3. سؤالك الذي يحتاج لوقفة سأجيبك عليه بعد الاقتباس.

هل السيادة والتسلط وحب السيطرة تندرج تحت أحد هذه البنود؟
1. السيادة هي مظهر لغريزة البقاء, والتسلط مظهر لغريزة البقاء, والسيطرة مظهر لغريزة البقاء, والتملك مظهر لغريزة البقاء, والخوف مظهر لغريزة البقاء, والجبن مظهر لغريزة البقاء, والتجمع مظهر لغريزة البقاء, والكرم مظهر لغريزة البقاء, والبخل مظهر لغريزة البقاء. وغير ذلك كثير.
2. الطاقة الأصلية (الغريزة) هي جزء من ماهية الإنسان فلا يمكن علاجها ولا محوها ولا كبتها؛ فإنها لا بد أن توجد بأي مظهر من مظاهرها. وهذا بخلاف مظهر الطاقة الأصلية (مظهر الغريزة)، فإنه ليس جزءاً من ماهية الإنسان، ولذلك يمكن علاجه ومحوه وكبته، فغريزة البقاء من مظاهرها الأثرة ومن مظاهرها الإيثار، فيمكن معالجة الأثرة بالإيثار، بل يمكن محوها، ويمكن كبتها.
3. وعليه, الغريزة نفسها قد يكون لها مظهران متناقضان أو منسجما أو مختلفان.

الداعي
2010-12-08, 01:10 PM
زميلي مختلف, بارك الله بك, وقوَّى حجتك بالحق, وأيدك به بعد الهداية إليه.

لقد وجدت فسحة في زيادة على تعليق لك رأيت أنَّها لازمة, وتعليقك هو:" وضوحاً غريزة البقاء يمكنني ربطها -عقلياً- بغريزة النوع فلولا انجذاب الرجل لمرأة من نوعه، ولولا عاطفة الأم على ابنها لما استمر النوع، ولا بقي الجنس البشري (غريزة البقاء في النوع)!".
والتعليق:
1. إذا كان العمل يقصد منه الحفاظ على الذات (الفرد) فهو من مظاهر غريزة البقاء.
2. وإذا كان العمل يقصد منه الحفاظ على الإنسان (الجماعة) فهو من مظاهر غريزة النوع.
3. وعليه, لا يجوز الخلط بين مظاهر الغريزتين, ولا يمكن_ عقلا _أن نربط غريزة البقاء بغريزة النوع على حد تعبيرك: (غريزة البقاء في النوع).

بانتظار تعقيبك, أيها الطيب.

مختلف
2010-12-08, 04:40 PM