المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بطلان الصدفة



ابن النعمان
2011-08-28, 07:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
بقلم : الدكتور عبد العظيم المطعنى
من كتاب الاسلام فى مواجهة الايدلوجيات المعاصرة ص 366
الله – سبحانه - موجود – وهذه حقيقة الحقائق - ؛ لان هذا الكون لابد له من خالق ، ولا يصلح له خالق الا الله ، ومحال عقلا وعلما وواقعا ان يكون هذا الكون العجيب الدقيق الصنع قد (وجد) من لا شىء ، لان (لاشىء) لا ينتج شيئا . وليس هو قد خلق نفسه . فهذا باطل عقلا وعلما وواقعا . ولا خلقته الصدفة ؛ لان الصدفة بفرض التسليم بها تجرى بين اشياء موجودة . والمشكلة – هنا – لا تتعلق بالنظام والتنسيق بين اشياء عملت فيها (الصدفة) وانما المشكلة هى مشكلة الخلق والايجاد نفسه . ولا عمل للصدفة فى الايجاد بل هى تعمل ، وفى نطاق ضيق جدا . فى اشياء سبق وجودها قبل عمل الصدفة نفسها فمثلا قد تتكون كلمة من حروف طباعة مثل (ولد) اذا تناثرت الحروف من يد من يحملها ، فالصدفة هنا عملت فى اشياء موجودة وهى حروف الطباعة ولكنها هى – الصدفة – لم تصنع اشكال حروف الطباعة ، ولا المادة التى شكلت منها .
ومع هذا فان الصدفة تستحيل عقلا اذا زعم زاعم ان كتابا يقع من 100 صفحة مثلا وبه ثلاثون الف كلمة قد صنعته الصدفة . وللاستحالة العقلية هنا اسباب :
احدها : ان الصدفة لا تنشىء مادة وانما يمكن ان يقع تنظيم ضئيل منها لشكل مادى . مثل تجمع الحروف : الواو ، واللام ، والدال فى المثال السابق .
وثانيهما : ان العلماء بعد الدرس والتجربة والسبر وضعوا قانونا للصدفة قالوا فيه ( ان حظ المصادفة من الاعتبار (النجاح) يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الامكانيات المتكافئة المتزاحمة ) .
اى كلما قل عدد الاشياء المتكافئة المتزاحمة ازداد حظ المصادفة من النجاح وكلما زاد عددها قل حظها من النجاح .
وتطبيق هذا القانون انك اذا رايت حجرين – مثلا – احدهما فوق الاخر كانهما بناء لا نستبعد المصادفة – بمعونة عامل اخر كالريح ، او سقوط الحجرين من عل – قد احدثت هذا الشكل لقلة التزاحم .
اما حين تمر على حجرة مكونة من اربعة جدران ولها باب نافذ وفتحات لتمرير الهواء فان العقل يستبعد – بكل قوة – الصدفة لكثرة الاشياء المتزاحمة ولابد ان يسلم العقل بوجود صانع مريد وراء هذا البناء قد اقامه لقصد اراده .
وماذا تكون الحجرة امام هذا الكون العظيم الهائل ذى النظام البديع الذى لم يحط به علم الانسان حتى مع تقدم البحوث والعلوم وانهم كلما ازدادوا علما ببعض اسراره ازدادوا جهلا وتبين لهم ان ما ظهر لهم منه لا يساوى شيئا مما لم يظهر . وان هذا الموقف قد فتح لهم ابواب الايمان بالخالق العظيم على مصراعيها يقول اينشتين صاحب قانون النسبية وقد عمل فيه هذا الكشف العلمى عمله قال : ( ان اجمل هزة نفسية تشعر بها هى تلك الهزة التى تعرونا عندما نقف عتب الخفاء من باب الغيب ؛ انها النواة لمعرفة الحق فى كل فن وعلم وانه لميت ذلك الذى يكون غريبا عن هذا الشعور فيعيش مستغلقا رعبا من غير ان يجد روعة التعجب الى نفسه سبيلا . ان جوهر الشعور الدينى فى صميمه هو ان نعلم بان ذلك الذى لا سبيل الى معرفة كنه ذاته (الله) موجود حقا . ويتجلى باسمى ايات الحكمة وابهى انوار الجمال التى لا تستطيع ملكاتنا العقلية المسكينة ان تدرك منها الا صورها (الظاهرة) دون الدقائق فى الاعماق )
اجل : ما اصدق هذا الكلام وما احلاه . ولانملك امامه الا ان نتلو قول الحق تبارك وتعالى : ( سنريهم اياتنا فى الافاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ) .

ابن النعمان
2011-08-29, 12:49 PM
من كتاب الاسلام يتحدى لوحيد الدين خان
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2056
خصائص حكيمة:
إن أبعد الأمور عن القياس وأعظمها استحالة هو أن نؤمن بأن الكون وقطعيته الرياضية ، قد جاءا نتيجة (صدفة)!
فمن الخصائص الحكيمة في هذا الكون كونه صالحا لتصرفات الإنسان عند الضرورة ، ولنأخذ النتروجين على سبيل المثال. . فإن 78%من النتروجين توجد في كل هبة من الرياح ، وكذلك توجد في أجزاء كيماوية أخرى ونسميها حينئذ (النتروجين المر كب) ، وهذه كلها يستغلها النبات لكي يهيئ لنا الجزء النتروجينى في غذائنا ؛ فلولا هذه العملية لهلك الحيوان والإنسان وكل ما يعتمد على النبات في أكله جوعا وفاقة ؛ فإن أي نبات غذائي لا ينمو بدون هذا التحليل الكيماوي.
إن هناك طريقتين لا ثالثة لهما لتحليل النتروجين في الأرض ، والطريقة الأولى: هي (العملية الجرثومية) وتقوم بأدائها الجراثيم التي تعيش في جذور الشجرة تحت الأرض ، وهذه الجراثيم تأخذ النتروجين من الهواء وتصنع منه (النتروجين المركب)، ويبقى هذا النتروجين تحت الأرض بعد الحصاد مع الجذور. وأما العملية الثانية التي تصنع النتروجين المركب فهي (الرعد). . فكلما احتك الرعد في الفضاء مزج شيئا من الأوكسجين في النتروجين ، ويصل هذا النتروجين المركب إلى الحقول عن طريق الأمطار التي تلي العملية ، والكمية التي تحصلها الحقول من هذا المركب بسهولة كل سنة هي ما يقرب من خمسة أرطال لكل (ايكر)(60) من الأرض وهى تساوى ثلاثمائة رطل من نترات الصوديوم(61).
ولكن هذه الكمية من النتروجين المركب لا تكفى لأن الحقول التي تزرع لمدة طويلة ينفذ ما فيها منه. ولذلك نرى الزراع يحولون المواسم الزراعية من حقل لآخر بعد وقت معلوم. وأعجب ما حدث في هذا القرن-عندما ضاقت الأرض بما رحبت على سكانها ، وقل النتروجين لكثرة الزراعة ، وخافت الإنسانية من القحط والفاقة- اكتشافنا في هذه المرحلة الخطيرة (طريقا ثالثة) لاستمداد النتروجين من الهواء وكانت الجهود الأولى التي بذلت في هذا الصد ، أنهم جربوا عملية خلق رعد صناعي في الفضاء باستعمال آلات قوتها3.000.000 حصان ؛ غير أنهم لم ينجحوا إلا في صناعة كمية ضئيلة من النتروجين المركب. وتقدم الإنسان بهذه التجارب حتى كشف الطريق الثالثة ؛ وهى استخدام الهواء في صناعة النتروجين المركب في صورة (السماد). . وهكذا استطاع أن يهيئ لغذائه جزءه الضروري ، الذي لولاه لهلك جوعا. وهذا حدث عجيب في تاريخ الأرض ؛ فإن الإنسان كشف للمرة الأولى في تاريخه حلا لأزمة الغذاء وابتعدت أشباح الكارثة عن سكان الأرض ، حين كان من المستحيل أن يتجنبوها! !
* * *
إن هناك أمورا كثيرة تؤكد وجود الحكمة والروح في الكون وكل ما لدينا من علم يؤكد لنا أن ما قد كشف أقل بكثير مما لم نستطع حتى الآن الكشف عنه! وبرغم ذلك فإن ما كشفه الإنسان كثير جدا ، حتى إننا لو أردنا فهرسة عناوين هذه العلوم فسنحتاج إلى سفر ضخم جدا ، بالنسبة إلى هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ ، وسوف يبقى بعد ذلك أيضا الكثير منها دون فهرسة. .
إن كل ما يمكن للسان الإنساني أن يلفظ عن آلاء الله وآياته سوف يكون غاية في النقص فمهما فصلناها وأسهبنا في تفسيرها ، فسنخرج آخر الأمر مقتنعين بأننا لم نحط بها ، وإنما تناولنا منها (بعض الشيء).
والحق أنه لو قدر أن تنكشف للإنسان جميع العلوم الكونية ثم يجلس سكان المعمورة ، وقد هيئت لكل فرد منهم جميع الوسائل في أكمل صورها ، فإن هؤلاء جميعا لن يستطيعوا تدوينها أبدا. .أليس هذا هو مصداق قوله تعالى:
(ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ، والبحر يمده من سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله): وقوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)(62) ! !
إن كل من أتيحت له الفرصة كي يطالع صفحة من هذا الكون ، سيتعرف مصدقا أنه لا مبالغة في هذه الكلمات الإلهية وإنما هي تعبير بسيط عن الحقائق الموجودة فعلا.
* * *
صدفة أم عمليات حكيمة؟
إن معارضي الدين يسلمون بكل ما طرحناه في الصفحات الماضية من الأنظمة العجيبة والحكمة غير العادية والروح التي تسرى في الكون ، ولكنهم يفسرونها بطريقة أخرى ؛ إنهم عاجزون عن أن يجدوا رمزا أو إشارة لمنظم ومدبر. . فإذا بهم يرون أن كل هذا جاء نتيجة (صدفة محضة).
واستمع إلى قول (هكسلى):
(لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة ، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير! فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء ، ظلت تدور في (المادة) لبلايين السنين(63)).
إن أي كلام من هذا القبيل (لغو مثير) بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان ؛ فإن جميع علومنا تجهل-إلى يوم الناس هذا-أية صدفة أنتجت واقعا عظيما ذا روح عجيبة ، في روعة الكون فنحن نعرف بعض الصدف وما ينشأ عنها من آثار فعندما تهب الرياح تصل (حبوب اللقاح) من وردة حمراء إلى وردة بيضاء ، فتأتى بوردة صفراء. . هذه صدفة لا تفسر قضيتنا إلا تفسيرا جزئيا استثنائيا. فإن وجود الوردة في الأرض بهذا التسلسل ، ثم ارتباطها المدهش مع نظام الكون لا يمكن تفسيره بهبة رياح صدفة. إنها تأتى بوردة صفراء ولكنها لا تأتى بالوردة نفسه! إن الحقيقة الجزئية الاستثنائية التي توجد في مصطلح (قانون الصدفة) باطلة كل البطلان ، إذا ما أردنا تفسير الكون بها.
يقول البروفيسور ايدوين كونكلين:
(إن القول بأن الحياة وجدت نتيجة (حادث اتفاقي) شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار صدفي يقع في مطبعة(64)).
وقد قيل:إن تفسير الكون بوساطة (قانون الصدفة) ليس (بكلام فارغ). بل هو كما يعتقد السير جيمس جينز ينطبق على (قوانين الصدفة الرياضية المحضة)
Purely Mathematical Laws of Chance (65)
ويقول أحد العلماء الأمريكيين:
(إن نظرية الصدفة ليست افتراضا وإنما هي نظرية رياضية عليا ، وهى تطلق على الأمور التي لا تتوفر في بحثها معلومات قطعية ، وهى تتضمن قوانين صارمة للتمييز بين الباطل والحق ، وللتدقيق في إمكان وقوع حادث من نوع معين وللوصول إلى نتيجة هي معرفة مدى إمكان وقوع ذلك الحادث عن طريق الصدفة (66)).
* * *
ولو افترضنا أن المادة وجدت بنفسها في الكون وافترضنا أيضا أن تجمعها وتفاعلها كان من تلقاء نفسها (ولست أجد أساسا لأقيم عليه هذه الافتراضات) ففي تلك الحال أيضا لن نظفر بتفسير الكون ، فإن (صدفة) أخرى تحول دون طريقنا. . فلسوء حظنا: أن الرياضيات التي تعطينا نكتة (الصدفة) الثمينة هي نفسها التي تنفى أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون الصدفة.
لقد استطاع العلم الكشف عن عمر الكون وضخامة حجمه ، والعمر والحجم اللذان كشف عنهما العلم الحديث غير كافيين في أي حال من الأحوال ، لتسويغ إيجاد هذا الكون عن قانون الصدفة الرياضي.
ويمكننا أن نفهم شيئا عن قانون الصدفة من المثال التالي:
(لو تناولت عشرة دراهم ، وكتبت عليها الأعداد من1 إلى 10 ، ثم رميتها في جيبك وخلطتها جيدا ثم حاولت أن تخرجها من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي ، بحيث تلقى كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى. . فإمكان أن نتناول الدرهم المكتوب عليه(67) في المحاولة الأولى ه واحد على عشرة ؛ وإمكان أن تتناول الدرهمين (2،1) بالترتيب واحد في المائة وإمكان أن تخرج الدراهم (4،3،2،1) بالترتيب هو واحد في العشرة آلاف. . حتى إن الإمكان في أن تنجح في تناول الدراهم 1إلى 10 بالترتيب واحد في عشرة بلايين من المحاولات! !).
لقد ضرب هذا المثال العالم الأمريكي الشهير (كريسى موريسن) ، ثم استطرد قائلا:
(إن الهدف من إثارة مسألة بسيطة كهذه ، ليس إلا أن نوضح كيف تتعقد (الوقائع) بنسبة كبيرة جدا في مقابل (الصدفة) (68).
* * *
ولنتأمل الآن في أمر هذا الكون فلو كان كل هذا بالصدفة والاتفاق ، فكم من الزمان استغرق تكوينه بناء على قانون الصدفة الرياضي؟
إن الأجسام الحية تتركب من (خلايا حية) وهذه (الخلية) مركب صغير جدا ومعقد غاية التعقيد ، وهى تدرس تحت علم خاص يسمى (علم الخلايا)Cytology. ومن الأجزاء التي تحتوى عليها هذه الخلايا: البروتين وهو مركب كيماوي من خمسة عناصر هي الكربون والهيدروجين والنتروجين والأوكسجين والكبريت. . ويشمل الجزيء البروتيني الواحد أربعين ألفا من ذرات هذه العناصر! !
وفي الكون أكثر من مائة عنصر كيماوي كلها منتشرة في أرجائه ، فأية نسبة في تركيب هذه العناصر يمكن أن تكون في صالح قانون (الصدفة)؟ أيمكن أن تتركب خمسة عناصر-من هذا العدد الكبير-لإيجاد (الجزيء البروتيني) بصدفة واتفاق محض؟ !إننا نستطيع أن نستخرج من قانون الصدفة الرياضي ذلك القدر الهائل من (المادة) الذي سنحتاجه لنحدث فيه الحركة اللازمة على الدوام ؛ كما نستطيع أن نتصور شيئا عن المدة السحيقة التي سوف تستغرقها هذه العملية.
لقد حاول رياضي سويسري شهير هو الأستاذ (تشارلز يوجين جواي) أن يستخرج هذه المدة عن طريق الرياضة. . فانتهى في أبحاثه إلى أن (الإمكان المحض) في وقوع الحادث الاتفاقي-الذي من شأنه أن يؤدى إلى خلق كون ، إذا ما توفرت المادة-هو واحد على 60/10 (أي 10×10 مائة وستين مرة). وبعبارة أخرى:نضيف مائة وستين صفرا إلى جانب عشرة! ! وهو عدد هائل وصفه في اللغة.
إن إمكان حدوث الجزيء البروتيني عن (صدفة) يتطلب مادة يزيد مقدارها بليون مرة عن المادة الموجودة الآن في سائر الكون ، حتى يمكن تحريكها وضخها ، وأما المدة التي يمكن ظهور نتيجة ناجحة لهذه العملية فهي أكثر من 243/10 سنة (69)!
إن جزيء البروتين يتكون من (سلاسل) طويلة من الأحماض الأمينيةAmino-Acids وأخطر ما في هذه العملية هو الطريقة التي تختلط بها هذه السلاسل بعضها مع بعض فإنها لو اجتمعت في صورة غير صحيحة سما قاتلا ، بدل أن تصبح موجدة للحياة.
لقد توصل البروفيسور ج. ب. ليتزG.B.Leathes إلى أنه لا يمكن تجميع هذه السلاسل فيما يقرب من 48/10 صورة وطريقة. وهو يقول: إنه من المستحيل تماما أن تجتمع هذه السلاسل-بمحض الصدفة-في صورة مخصوصة من هذه الصور التي لا حصر لها ، حتى يوجد الجزيء البروتيني الذي يحتوى أربعين ألفا من أجزاء العناصر الخمسة التي سبق ذكرها.
ولابد أن يكون واضحا للقارئ أن القول بالإمكان في قانون الصدفة الرياضي لا يعنى أنه لابد من وقوع الحادث الذي ننتظره ، بعد تمام العمليات السابق ذكرها ، في تلك المدة السحيقة ؛ وإنما معناه أن حدوثه في تلك المدة محتمل لا بالضرورة ، فمن الممكن على الجانب الآخر من المسألة ألا يحدث شيء ما بعد تسلسل العملية إلى الأبد!
* * *
هذا الجزيء البروتيني ذو وجود (كيماوي) لا يتمتع بالحياة إلا عندما يصبح جزءا من الخلية ، فهنا تبدأ الحياة ، وهذا الواقع يطرح أهم سؤال في بحثنا: من أين تأتى الحرارة عندما يندمج الجزيء بالخلية؟ . . . ولا جواب عن هذا السؤال في أسفار المعارضين الملحدين.
إن من الواضح الجلي أن التفسير الذي يزعمه هؤلاء المعارضون ، متسترين وراء قانون الصدفة الرياضي لا ينطبق على الخلية نفسها وإنما على جزء صغير منها هو الجزيء البروتيني وهو ذرة لا يمكن مشاهدتها بأقوى منظار بينما نعيش ، وفي جسد كل فرد منا ما يربو على أكثر من مئات البلايين من هذه الخلايا! !
لقد أعد العالم الفرنسي (الكونت دى نواي) Le Cotme de Nouy بحثا وافيا حول هذا الموضوع وخلاصة البحث:أن مقادير (الوقت ، وكمية المادة ،والفضاء اللانهائي) التي يتطلبها حدوث مثل هذا الإمكان هي أكثر بكثير من المادة والفضاء الموجودين الآن ، وأكثر من الوقت الذي استغرقه نمو الحياة على ظهر الأرض وهو يرى: أن حجم هذه المقادير الذي سنحتاج إليه في عمليتنا لا يمكن تخيله أو تخطيطه في حدود العقل الذي يتمتع به الإنسان المعاصر ، فلأجل وقوع حادث-علي وجه الصدفة-من النوع الذي ندعيه ، سوف نحتاج كونا يسير الضوء في دائرته82/10 سنة ضوئية (أي:82 صفرا إلى جانب عشرة سنين ضوئية! !) وهذا الحجم أكبر بكثير جدا من حجم الضوء الموجود فعلا في كوننا الحالي ؛ فإن ضوء أبعد مجموعة للنجوم في الكون يصل إلينا في بضعة (ملايين) من السنين الضوئية فقط. . وبناءا على هذا ، فإن فكرة أينشتين عن اتساع هذا الكون لا تكفى أبدا لهذه العملية المفترضة.
أما فيما يتعلق بهذه العملية المفترضة نفسها ، فإننا سوف نحرك المادة المفترضة في الكون المفترض ، بسرعة خمسمائة (تريليون) حركة في الثانية الواحدة ، لمدة243/10 بليون سنة (243 صفرا أمام عشرة بلايين) ، حتى يتسنى لنا حدوث إمكان في إيجاد جزيء بروتيني يمنح الحياة.
ويقول (دى نواي) في هذا الصدد:
(لابد ألا ننسى أن الأرض لم توجد إلا منذ بليونين من السنين ن وأن الحياة-في أي صورة من الصور-لم توجد إلا قبل بليون سنة عندما بردت الأرض)(70).
هذا وقد حاول العلماء معرفة عمر الكون نفسه ، وأثبتت الدراسة في هذا الموضوع أن كوننا موجود منذ5.000.000.000.000 سنة. . وهى مدة قصيرة جدا ولا تكفي على أي حال من الأحوال لخلق إمكان ، يوجد فيه الجزيء البروتيني ، بناء على قانون الصدفة الرياضي.
وأما ما يتعلق بأرضنا التي ظهرت عليها الحياة ، فقد عرفنا عمرها بصورة قاطعة ، فهذه الأرض كما يعتقد العلماء جزء من الشمس انفصل عنها نتيجة لصدام عنيف وقع بين الشمس وسيار عملاق آخر ، ومنذ ذلك الزمان أخذ هذا الجزء يدور في الفضاء ، شعلة من نار رهيبة ، ولم يكن من الممكن ظهور الحياة على ظهره حينئذ لشدة الحرارة ، وبعد مرور زمن طويل أخذت الأرض تبرد ثم تجمدت وتماسكت ، حتى ظهر إمكان بدء الحياة على سطحها.
ونستطيع معرفة عمر الكون بشتى الطرق وأحسن طريقة عرفناها لهذه الدراسة ، هي التي توصلنا إليها بعد كشف (العناصر المشعة)Radio-Active Elements فإن الذرات الكهربية تخرج من هذه العناصر بنسبة معلومة بصفة دائمة ؛ وهذا (التحلل) Disintegration يقل الذرات الكهربية في هذه العناصر ، لتصبح تلقائيا عناصر غير مشعة عبر الزمان ، واليورانيوم أحد هذه العناصر المشعة ، وه يتحول إلى معدن (الرصاص) بنسبة معينة نتيجة لتحلل الذرات الكهربية ، وهذه النسبة في الانتشار لا تتغير تحت أي ظروف من أدنى أو أقصى درجات الحرارة أو الضغط ، ولهذا سنكون على صواب لو اعتبرنا أن سرعة تحول اليورانيوم إلى (الرصاص) محددة وثابتة لا تتغير.
إن قطع اليورانيوم توجد في كثير من الهضبات والجبال منذ أن تجمد في شكله الأخير ، عند تجميد الأرض. . وعلى جانب هذا اليورانيوم نجد قطعا من الرصاص ، ولا نستطيع أن ندعى أن كل هذا الرصاص نتج عن تحلل اليورانيوم. والسبب في هذا أن الرصاص الذي يتكون من تحلل اليورانيوم يكون أقل وزنا من الرصاص العادي ، وبناء على هذه القاعدة الثابتة يمكننا أن نجزم بما إذا كانت أية قطعة من الرصاص من اليورانيوم ، أو أنها قطعة رصاص عادى ونحن هنا نستطيع أن نحتسب المدة التي استغرقتها عملية تحلل اليورانيوم بدقة ، فهو يوجد في الجبل من أول يوم تجمد فيه ونستطيع بذلك معرفة مدة تجمد الجبل نفسه!
لقد أثبتت التجارب أنه قد مر ألف وأربعمائة سنة على تجمد تلك الجبال التي تعتبر-علميا- أقدم جبال الأرض ، وقد يظن البعض منا أن عمر الأرض يزيد ضعفا أو ضعفين عن عمر هذه الجبال ولكن التجارب العلمية تنفي بشدة هذه الظنون الشاذة ، ويذهب البروفيسور (سوليفان) إلى أن (المعدل المعقول) لعمر الأرض هو ألفا مليون سنة(71)!
* * *
ولنتأمل الآن ، بعدما تبين لنا أن المادة العادية غير ذات الروح تحتاج إلى بلايين البلايين من السنين ، حتى يتسنى مجرد إمكان لحدوث (جزيء بروتيني) فيها بالصدفة! فكيف إذن جاءت في هذه المدة القصيرة في شكل مليون من أنواع الحيوانات ، وأكثر من 200.000 ألف نوع من النبات؟ وكيف انتشرت هذه الكمية الهائلة على سطح الأرض في كل مكان؟ ثم كيف جاء من خلال هذه الأنواع الحيانية ذلك المخلوق الأعلى الذي نسميه (الإنسان)؟ ولا أدرى كيف نجرؤ على مثل هذه الاعتقادات في حين أننا نعرف جيدا أن نظرية النشوء والارتقاء تقوم على أساس (تغيرات صدفية محضة)؟ ! وأما هذه التغيرات فقد حسبها الرياضي (باتو)Patau وانتهى إلى أن اكتمال (تغير جديد) في جنس ما قد يستغرق مليونا من الأجيال(72):
فلنفكر في أمر (الكلب) الذي يزعمون أنه جد (الحصان) الأعلى ، كم من المدة على قول الرياضي باتو سوف يستغرقها الكلب حتى يصبح حصانا؟ !
وما أصح ما قاله عالم الأعضاء الأمريكي مارلين ب. كريدر:
(إن الإمكان الرياضي في توفر العلل اللازمة للخلق-عن طريق الصدفة- في نسبها الصحيحة هو ما يقرب من (لا شيء)(73).
* * *
لقد أطلت في هذا البحث حتى نتبين مدى سخافة فكرة الخلق بالصدفة وبطلانها ولست-في الحق- أشك في أنه يستحيل وجود الجزيء البروتيني والذرة عن الصدفة كما لا يمكن أن يكون عقلك هذا-الذي يتأمل في أسرار الكون وخفاياه-من ثمار الخلق الصدفي ، مهما بالغنا في افتراضنا عن المدة الطويلة التي استغرقتها عملية المادة في الكون. ونظرية الخلق هذه ليست مستحيلة في ضوء قانون الصدفة الرياضي فحسب وإنما هي لا تتمتع بأي وزن منطقي في نفس الوقت.
وأي كلام من هذا القبيل سخيف ومليء بالصلافة. . ومثاله كمن يزعم أن سقوط كوب مملوء بالماء أو بالقهوة سوف يرسم خريطة العالم على الأرض! ! لا مانع من أن أسأل هذا الرجل: من أين جاء بهذا الفرش الأرضي والجاذبية والماء والكوب حتى يقع هذا الاتفاق الغريب؟ !
* * *
ولقد ولغ عالم البيولوجيا (هيكل)Haeckel في زعمه حين قال:
(إيتونى بالهواء وبالماء وبالأجزاء الكيماوية وبالوقت وسأخلق الإنسان). ولكن (هيكل) نسى أو تجاهل في هذه القالة: أنه بتقريره احتياجه إلى المادة والأحوال المادية ينفى زعمه من تلقاء نفسه!
يقول الأستاذ (كريسى موريسن)(74) في هذا الصدد:
(إن هيكل يتجاهل في دعواه: الجينات الوراثية ومسألة الحياة نفسها فإن أول شيء سيحتاج إليه عند خلق الإنسان ، هو الذرات التي لا سبيل إلى مشاهدتها ، ثم سيخلق (الجينات) ، أو حملة الاستعدادات الوراثية بعد ترتيب هذه الذرات ، حتى يعطيها ثوب الحياة. . ولكن إمكان الخلق في هذه المحولة بعد كل هذا لا يعدو واحدا على عدة بلايين ، ولو افترضنا أن (هيكل) نجح في محاولته فإنه لن يسميها (صدفة) ، بل هو حاكمه ومديره ومدبره ، بل سوف يقررها ويعدها نتيجة لعبقريته) (75).
* * *
ولنختم هذا البحث بقول عالم الطبيعة الأمريكي (جورج إيرل ديفيس):
(لو كان يمكن للكون أن يخلق نفسه فإن معنى ذلك أنه يتمتع بأوصاف الخالق ، وفي هذه الحال سنضطر أن نؤمن الكون هو الإله. . وهكذا ننتهي إلى التسليم بوجود (الإله) ؛ ولكن إلهنا هذا سوف يكون عجيبا: إلها غيبيا وماديا في آن واحد! ! إننى أفضل حاكمه ومديره ومدبره ، بدلا من أن أتبنى مثل هذه الخزعبلات(76)).

ابن النعمان
2011-08-29, 12:51 PM
]من كتاب العلم فى منظوره الجديد
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=476
أما النظرة العلمية الجديدة فترى أن الكون بمجموعة –بما في ذلك المادة والطاقة والمكان والزمان- حدث وقع في وقت واحد وكانت له بداية محددة. ولكن لابد من أن شيئاً ما كان موجوداً على الدوام، لأنه إذا لم يوجد أي شيء من قبل على الإطلاق فلا شيء يمكن أن يوجد الآن. فالعدم لا ينتج عنه إلا العدم. والكون المادي لا يمكن أن يكون ذلك الشيء الذي كان موجوداً على الدوام لأنه كان للمادة بداية. وتاريخ هذه البداية يرجع إلى ما قبل 12 إلى 20 مليار سنة. ومعنى ذلك أن أي شيء وجد دائماً هو شيء غير مادي. ويبدو أن الحقيقة غير المادية الوحيدة هي العقل (أنظر الفصل الثاني). فإذا كان العقل هو الشيء الذي وجد دائماً فلابد من أن تكون المادة من خلق عقل أزلي الوجود. وهذا يشير إلى وجود عاقل وأزلي خلق كل الأشياء. وهذا هو الذي نعنيه بعبارة «الله».
ولكن ما هو رد النظرة الجديدة على ادعاء النظرة القديمة أن أهمية الإنسان تتضاءل بجانب الكون واسع الأرجاء، وأن الإنسان «لم يعد يستطيع أن يكون محور الخليقة أو موضع عناية إلهية خيرة».
إن النظرة الجديدة تبدأ بتصحيح سوء فهم يقول براندون كارتر (Brandon Carter) عالم الفيزياء بجامعة كيمبرج: «لقد علمنا كوبر###وس درساً حصيفاً جداً، وهو أنه يجب ألا نفترض دون مسوغ أننا نحتل موقعاً مركزياً محظوظاً في الكون. ولكن مما يؤسف له أنه كانت هناك دائماً نزعة (ليست دوما على هامش الشعور) لتوسيع نطاق هذا الدرس ليشمل عقيدة، هي موضع شك كبير، تقول إن وضعنا ليس له امتياز بأي معنى من المعاني».
ويقول كارتر إنه ينبغي اعتبار بعض ظروف الكون الأولية، التي كانت مواتية للحياة بشكل مدهش، أنها «تؤكد نظريات الفيزياء وعلم الكونيات (النسبية العامة والانفجار العظيم). وكان يمكن من حيث المبدأ استخدام هذه النظريات للتنبؤ مسبقاً بجميع هذه الظروف قبل رصدها. غير أن هذه التنبوءات تتطلب الاستعانة بما يمكن أن يطلق عليه اسم «المبدأ الإنسان». ومفاده أن ما يمكن أن نتوقع رصده لابد من أن يكون مقيداً بالظروف الضرورية لوجودنا كمشاهدين (فبالرغم من أن موقعنا ليس مركزياً بالضرورة فإن له امتيازاً إلى حد ما).
ويشير ستيفن هوكنغ ((Steven Hawking عالم الفيزياء الفلكية بجامعة كيمبرج، إلى المبدأ الإنساني «لدي تصديه للتساؤل عن مبررات القول إن الكون يتمدد بمعدل السرعة المناسب تماماً لتفادي انهيار آخر فيقول»: إن «التفسير الوحيد الذي نستطيع أن نقدمه يستند إلى رأي طرحه ديك (Dicke) (1961). وكارتر (1970)، وهو أن هناك ظروفاً معينة ضرورية لتطور كائنات حية عاقلة: ففي كل الأكوان الممكن تصورها لن توجد كائنات تشاهد الكون إلا حيث تتوفر هذه الظروف. ولذلك يقتضي وجودنا أن تكون للكون خواص معينة. ومن ضمن هذه الخواص في ما يبدو وجود نظم متماسكة بفعل الجاذبية كالنجوم والمجرات، وفترة زمنية متطاولة تكفي لحدوث تطور بيولوجي. فلو كان الكون يتمدد ببطء مفرط لما كانت له هذه الخاصية الثانية لأنه كان سينهار سريعاً من جديد. ولو كان يتمدد بسرعة مفرطة لكانت المناطق التي تزيد كثافتها عن المتوسط زيادة طفيفة، أو التي تكون سرعة تمددها أقل بقليل، ستظل تتمدد إلى ما لا نهاية بحيث لا تشكل نظماً متماسكة. وهكذا يبدو أن الحياة ممكنة لا لشيء إلا لأن الكون يتمدد بالسرعة المطلوبة بالضبط لتفادي انهيار آخر.
ونخلص من ذلك إذاً إلى أن خواص لكون ووجودنا، كليهما، نتيجتان لتمدد الكون بمعدل السرعة الحرجة تماماً. وحيث إننا لم نكن نستطيع أن نشاهد العالم في شكل آخر، لو لم نكن هنا، فإن في وسع المرء أن يقول إن توحد خواص الكون هو، بمعنى ما، نتيجة مترتبة على وجودنا».
ويمكن تفسير حجة هوكنغ بطريقتين مختلفتين. فالنظرة القديمة كانت تعتبر أن أي شيء في الكون يفضي إلى الحياة هو من باب الصدفة، وأن «الكون، سواء أكان له معنى أم لم يكن، كان على أي حال سيظهر إلى حيز الوجود ويجري مجراه حتى لو كانت الظروف الثابتة والأولية تحول إلى الأبد دون تطور الحياة والوعي. فالحياة جاءت اتفاقاً وهي طارئة على آلية الكون» كما يصور ويلر موقف النظرة القديمة.
أما البديل فهو أن ننظر إلى الكون على أنه يستهدف الحياة والإنسان. وهذا يتطابق مع ما يطلق عليه كارتر اسم «المبدأ الإنساني القوي» الذي يقول إن الكون (وبالتالي الثوابت الجوهرية التي يتوقف عليها) لابد من أن يكون بحيث يسمح بقبول مراقبين داخلة في مرحلة ما». وبهذه الروح يتساءل ويلر: «أي معنى يمكن استخلاصه من الحديث عن «الكون» ما لم يكن هناك أحد واعياً لوجوده. ولكن الوعي يتطلب الحياة. والحياة، أياً كان تصورنا لها، تتطلب عناصر ثقيلة. وعملية إنتاج عناصر ثقيلة من الهيدروجين الأصلي تتطلب احترافاً نووياً حرارياً. وهذا أمر يتطلب بدوره طبخاً في باطن النجم يستغرق مدة تساوي عدة مرات حاصل ضرب الرقم 10 في نفسه 9 مرات من السنين. ولكن لكي يمر على الكون مثل هذه المدة من الزمن فلابد من أن يكون له، وفقاً للنسبية العامة، امتداد في المكان يقرب مما يقطعه الضوء في حاصل ضرب الرقم 10 في نفسه 9 مرات من السنين. فلماذا يكون العالم إذاً بهذه الضخامة؟ لأننا موجودون فيه»!
إنه قلب مذهل لتصور النظرة القديمة. فضخامة الكون تعتبر سبباً في جعل الحياة ممكنة. هذا إلى أن المبدأ الإنساني ليس مقصوراً على علم الكونيات. فالفيزيائي فريمان دايسن (Freeman Dyson) يبين كيف أن القوى التي تربط بين النيوترونات والبروتونات في نواة الذرة لابد من أن تكون –حتى هي- على ما هي عليه كيما تصبح الحياة ممكنة. يقول: «لو أن القوى النووية كانت أقوى بقدر طفيف مما هي عليه لوجد الدبروتون، ولا تحد كل الهيدروجين المودة في الكون تقريباً، متحولاً إلى دبروتونات أو نوى أثقل، ولكان الهيدروجين عنصراً نادراً، وتعذر وجود نجوم كالشمس تعيش طويلاً باحتراق الهيدروجين في قلوبها احتراقاً بطيئاً. ومن جهة أخرى، لو كانت القوى النووية أضعف بقدر ملحوظ مما هي عليه الآن لما أمكن احتراق الهيدروجين مطلقاً، ولما كنت هناك عناصر ثقيلة، وبالتالي لما وجدت الحياة. فإذا كان تطور الحياة، كما يبدو مرجحاً، يتطلب نجماً كالشمس يزود طاقة بمعدل ثابت طوال مليارات السنين فمعنى ذلك أن شدة القوى النووية كان لابد لها من أن تنحصر في نطاق السنين فمعنى ذلك أن شدة القوى النووية كان لابد لها من أن تنحصر في نطاق ضيق نوعاً ما لجعل الحياة ممكنة».

ابن النعمان
2011-08-29, 12:53 PM
ويمكن إيراد العديد من الأمثلة الأخرى. فعلى سبيل المثال يلاحظ دايسن أنه: لو تبدلت القوانين بحيث لا تتوقف الإلكترونيات عن استبعاد بعضها بعضاً لما بقيت أي عملية من العمليات الكيماوية الأساسية التي نعرفها. وهناك العديد من المصادفات المواتية الأخرى في الفيزياء الذرية. ومن دون هذه المصادفات ما كان للماء أن يوجد على هيئة سائل، ولا لمجموعات ذرات الكربون أن تشكل جزئيات عضوية معقدة، ولا لذرات الهيدروجين أن تشكل جسوراً بين الجزئيات قابلة للكسر».
إذاً فخواص المادة، على أصغر نطاق وعلى الكون كله، تبدو ملاءمة للحياة ملاءمة فذة. ولا توجد هناك شواهد كثيرة على ذلك فحسب، بل إن حدوث أدنى زيادة أو نقصان في الكمية الثابتة يجعل من الحياة في كل حالة أمراً مستحيلاً. ويتحدث ويلر عن جملة الأكوان، ولكنه يشير إلى أن عدداً صغيراً جداً منها كان يمكن أن يصلح للحياة. وبعد أن استعرض دايسن هذا النمط العريض ينتهي إلى أن ذلك يدل على غاية مستهدفة، لا على الصدفة، قائلاً: «كلما ازددت دراسة للكون وفحصاً لتفاصيل هندسية وجدت مزيداً من الأدلة على أن الكون كان يعرف بطريقة ما أننا قادمون». فبعض الظروف الضرورية للحياة كان قد ركب تركيباً في الانفجار العظيم منذ بداية البداية.
ويؤكد ويلر أنه «لم يظهر سبب واحد يفسر لماذا يكون لبعض الثوابت والظروف الأولية ما لها من القيم سوى أنه لولا ذلك لما تيسرت المراقبة كلما نعرفها». وهو تبعاً لذلك، ولابد من أن يعزو المسألة إلى الصدفة، نراه يتساءل: أليس من الأرجح أن نقول إنه «ما من كون يمكن أن يبرز إلى حيز الوجود ما لم يكن مضموناً له أن ينتج لحياة والوعي والشهود في مكان ما ولمدة قصيرة من الزمن في تاريخه المقبل؟ «إن الحياة لم تأت اتفاقاً، بل إن ويلر، على نقيض ذلك، يؤكد أن» ميكا###ا الكم قادتنا إلى أن نأخذ بجدية ونفحص وجهة النظر المعاكسة تماماً، وهي أن المراقب لازم لخلق الكون لزوم الكون نفسه لخلق المراقب». ومع أن الإنسان ليس مادياً فى مركز الكون فهو علي ما يظهر في مركز الغاية من خلقه. وكما يقول ايرون شرود نفر فالكون من دون الإنسان يكون أشبه بمسرحية تمثل في قاعة تخلو مقاعدها من جمهور المشاهدين.
والكون الذي يستهدف ظهور الإنسان يستلزم بداهة وجود عقل يوجهه، لأن المدة لا تستطيع من تلقاء نفسها أن تهدف إلى أي شيء. ومن هنا فلنظرة الجديدة تقود مرة أخرى إلى الاعتقاد بوجود عقل يوجه الكون بأكمله وجميع نواميس الطبيعة وجميع خواص المادة إلى غاية. ونحن نطلق على هذا العقل اسم الله. ويصف هايزنبيرع منهجية النظرة القديمة فيقول: إن ميكا###ا نيوتن وجميع الأجزاء الأخرى من الفيزياء الكلاسيكية التي صيغت على نسقها انطلقت من الافتراض القائل إن المرء يستطيع أن يصف العالم من غير التحدث عن الله أو عن أنفسنا»، أي عن عالم ليس وراءه عقل يدبره. ولكن النظرة الجديدة تبين أن العكس هو الصحيح في كلتا الحالتين. فالانفجار العظيم والمبدأ الإنساني كلاهما يشير إلى وجود عقلين في كلا طرفي الكون.
والنظرة الجديدة لا تقتصر على تأكيد أولية العقل في الكون، بل هي تؤكد أيضاً أن الجمال جزء من بنية العالم (أنظر الفصل الثالث). وهذه النظرة الجديدة تقودنا كذلك إلى الأدلة على وجود الله.
إن الطبيعة تزخر بالجمال. ففي عالم الجماد، مثلاً تظهر الجيودات (geodes)* والأحجار الكريمة البلورات جمالاً في التناسق واللون والإشراق لا سبيل إلى إنكاره. ومن الأمثلة اللافتة للنظر على ذلك الندف الثلجية. ويوضح الشكل 3 التنوع المدهش في أنماط الندف الثلجية وكلها تستند إلى الشكل السداسي. والندف الثلجية الاثنتا عشرة المبينة في الشكل 3 تظهر في «البلورات الثلجية" (Snow Crystals)، وهو كتاب يحتوي على ألفي شكل لندف ثلجية بذل د. أ. بنتلي في تصوريها غاية جهده وعنايته طوال مدة تقرب من خمسين عاماً. ويقدم و. ج همفريز (W.J. Humphreys) لهذا الكتاب بالنظرة التأملية التالية: إن الثلج، الثلج الجميل، الذي يصفه الشاعر النشوان بأنه غطاء الشتاء النظيف الأملس للغابة والحقل، ما برح منذ قديم الزمن يتحدى الأقلام أن تصفه، والفراش أن ترسمه وتصور آثاره العجيبة. والجمال الذي تشيعه في النفس أصغر ندفة منه أو أصغر بلورة تسبح بتؤدة بين السماء والأرض لا يقل عن ذلك سحراً. وهو يلح علينا بإصرار لأنه لا يقتصر على أن يحرك فينا الاستجابة للرقة والأناقة التي تجعل منا بشراً، بل يثير أيضاً رغبتنا وحب استطلاعنا في معرفة كيفية وسبب وجود هذه الجوهرة بالغة النقاء ذات الجمال الفائق والأشكال التي لا حصر لها».
ومصممو المنسوجات والفنانون يستوحون الأفكار من فهرس الندف الثلجية الذي وضعه بنتلي، ويستعينون بما يسميه همفريرز معرض الطبيعة الدائم للزخرفة التوشيعية وتصاميم الجواهر والحلي».
إن صغرى العواصف الثلجية تسقط على الأرض تربليونات من الندف الثلجية. وربما كانت كل ندفة منها فريدة من نوعها. وما من أحد استطاع حتى الآن أن يفهم مجمل العمليات والظواهر الفيزيائية لكيفية تشكل الندف الثلجية وإن كان جيمز لانغر (James Langer) الذي يعمل في مركز الفيزياء النظرية في سانتا بابرا، قد وضع لها، بعد سنوات طويلة من العمل المضني، نموذجاً رياضياً يبعث على التفاؤل.
فهل تستطيع آليات الطبيعة أن تفسر جمال الندف الثلجية، أو زبد البحر، أو أقواس قزح، أو غروب الشمس؟ إن جمال هذه الجوامد ينتج بالضرورة من قوانين الفيزياء والكيمياء، وهي قوانين جميلة في ذاتها كما رأينا في الفصل الثالث. وبفضل قوانين الطبيعة هذه لا يمكن أن يتولد من ذلك كون بشع. فجمال الجوامد مركب في آلية الطبيعة ذاتها. لنأخذ قياساً تمثيلياً لذلك. فقد يستطيع أحدنا أن يبني مصنع سيارات مجهزاً كلياً بمعدات ميكا###ية لإنتاج عربات جميلة. بل هو قد يستطيع أن يركب في الآلية الجمال الناتج عن التصميم واللون. ولكن الجمال في السيارة لا يصبح بذلك ضرورة مطلقة، إذ تظل العربات البشعة قادرة على أن تنقل الركاب بفعالية. ومن الممكن اختراع آلات لإنتاج عربات كهذه وبالطريقة نفسها. ليست هنالك أي ضرورة مطلقة تفرض في المقام الأول أن تشتمل القوانين الفيزيائية للطبيعة على البساطة والتنسيق. ولنا أن تتصور كوناً آخر ذا قوانين طبيعية غير متماثلة ومعقدة لغير ضرورة ينتج ندفاً ثلجية بشعة بضرورة ميكا###ية.
الضرورة، إذاً، لا تقدم تفسيراً نهائياً للجمال الذي نجده في الجوامد، كما أنها لا تستطيع أن تفسر الجمال الموجود في النباتات والحيوانات. إن عالم الأحياء أدولف بورتمان (Adolf Portmann)، وهو حجة معترف به في موضوع أشكال الكائنات الحية وعلاماتها المميزة، يشير إلى سمات كثيرة لا تفسرها الضرورة. ويشير بورتمان كذلك إلى أن الأوراق ضرورية للشجرة لإنتاج طعامها، «ولكن هناك الشيء الكثير، في شكل الورقة وخطوطها، مما ليس تكيفاً مع البيئة، بل هو تصوير ذاتي محض». إن متطلبات التخليق الضوئي (Photosy- nthesis) تفسر سبب وجود الأوراق على الشجرة في المقام الأول، ولكنها لا تفسر سبب اختلاف ورقة القيقب عن ورقة البلوط.
والشيء نفسه يصح على الحيوانات. ففيما يتعلق بريش الطيور، مثلاً، يلاحظ بورتمان أنه «ساد الاعتقاد مدة طويلة من الزمن أن الريش ليس له دور سوى تيسير عمليتي تعديل الحرارة والطيران. ولكن علينا الآن أن نضيف دوراً ثالثاً وهو التعبير عن الذات، لأن هناك أصنافاً كثيراً من الريش تغلب على تركيبها الخارجي الزخرفة».
وجسم الإنسان يبرهن على أن الضرورة لا تفسر الجمال. فصوت الإنسان أكثر براعة وتعبيراً من أي آلة موسيقية. والضرورة لا تستلزم أن يكون للإنسان صوت قادر على إخراج أنغام حلوة، إذ كان يكفي أن يكون له صوت رتيب وممل، أو صوت خشن، للاستغاثة أو للتعبير عن حاجات بدنه. وداروين نفسه أقر بأن الضرورة لا تستطيع أن تفسر ما حيي به الإنسان من مواهب موسيقية فطرية. فقد قال: «وحيث أن الاستمتاع بالأنغام الموسيقية والقدرة على إطلاقها ليسا من الملكات التي تعود على الإنسان بأدنى منفعة في عاداته اليومية الحياتية، فلا بد من تصنيفهما في عداد أكثر الملكات التي حيي بها غموضاً». والضرورة قد تفسر لماذا يكون صوت عصفور جميلاً في عين عصفور آخر، ولكنها لا تفسر لماذا يكون جميلاً في عين الإنسان. وعلى هذا الاعتبار نسأل: لماذا ينبغي أن يكون النمر أو الشوك جميلاً في عين الإنسان؟
ولكن إذا كانت الضرورة لا تفسر الجمال فلعله نتيجة الصدفة. وإذا كان الأمر كذلك لزم إن يكون الجمال نادراً. ولكن الواقع خلاف ذلك. فالطبيعة تزخر بالجمال. يقول ديفيد بوم إن «كل ما يمكن العثور عليه في الطبيعة، تقريباً، يتبدى عن شيء من الجمال سواء في الإدراك الفوري له وفي التحليل الفكري». من ذلك مثلاً أن جميع الحيوانات تقريباً تكشف عن شيء من التناسق كما يشير إلى ذلك بورتمان. بل إن بعض أجناس الحيوان تكشف عن درجة مذهلة من التناسق تضاهي بها الآثار الفنية الرائعة . والواقع أن كل مستوى من مستويات البحث يكشف عن عوالم جديدة من الجمال في الطبيعة. ويصف ثورو (Thoreau)، على سبيل المثال، جمال حقل أعشاب فيقول: «وإذ كنت واقفاً على أرض ج. ب. براون في الجهة الجنوبية راقبت مروحة الخصبة والريانة غير المقصوصة في الجهة الشمالية وهي تتموج بفعل الريح الشرقية. إنه لمشهد جميل. كانت الأعشاب تتحرك كأمواج من الضوء والظل على امتداد عرض أرضه، وكبخار منخفض الارتفاع يلتف فوقها فيضفي حياة عجيبة على المنظر الطبيعي، وكأنها ثوب متلون يتعاوره الضوء والظل. إنها صورة مثيرة يسهل أن تغفلها العين، وتوحي بأننا نخوض ونبحر في اللحظة الحاضرة في خضم من العشب وهو يلين ويتموج تموج الماء تحت الريح».
وقد صور كبار الرسامين اليابانيين الأناقة البسيطة التي يشهدها المرء في لفيف واحد من الأعشاب. وتبدو في الشكل (5) لوحة للخيرزان، وهو أكبر أنواع الأعشاب.
ويكشف المجهر عن الهندسة الخفية لتركيب الخلايا في ورقة عشب واحدة. وفي صالات العرض والمتاحف صور لأجزاء من النبات إلتقطت لجمالها الفتان بالمجاهر العادية وبمجاهر المسح الإلكتروني.
وفي داخل الخلية الحية تكشف الأشعة السينية عن تركيب جزئ الـ (DNA) وهو قالب الحياة – الذي يصفه واتسن المشترك في اكتشاف تركيبه بأنه جميل. وأخيراً، فإن المكونات الذرية لهذا الجزئ ذاته تفهم بلغة معادلات رياضية تتسم بجمال ذهني كما يقول الفيزيائيون.
وهكذا نرى أن الشاعر والرسام وعالم الأحياء والكيميائي والفيزيائي يلتقون جميعاً بجمال العشب. وجمال الطبيعة ليس جمالاً سطحياً، بل هو متغلغل في الأعماق. وفي جميع الأشياء الطبيعية، حية وغير حية، وفي كل مستوى داخل كل شيء حي، من مروج الأعشاب إلى الإلكترون والبروتون والنيوترون، نرى الجمال متغلغلاً في الطبيعة. وهذا الجمال الوفير هذه الوفرة والمتنوع هذا التنوع في شتى المستويات لا يمكن أبداً أن ينشأ من الصدفة. وينتهي الفيزيائي هنري مارجينوا إلى أن جمال الطبيعة لا يمكن عزوه إلى الصدفة أو الضرورة فيقول: إننا لا نعتقد أن الجمال منحصر في عين الناظر، بل إن هناك سمات موضوعية تكمن على الأقل وراء بعض التجارب الجمالية، إن لم نقل وراءها جميعاً، مثل معدلات تردد أنغام الوتر الكبير، أو تناسق الأشكال الهندسية، أو الجاذبية الجمالية للألوان المتنامية المتجاورة. صحيح أنه ليس في أي من هذه الأشياء ما يساعد على البقاء، ولكنها جميعاً منتشرة في الطبيعة انتشاراً يصعب جداً أن يكون مجرد صدفة. ونحن نذهل لتغريد العصافير، ونسق الألوان في الأزهار (هل للحشرات حس جمالي؟)، ولتناسق ألوان ريش الطيور، وللجمال الذي لا يضاهى في ورقة القيقب الذاوية، ولونها عميق الحمرة، وعروقها الزرقاء، وأطرافها الذهبية. فهل في هذه ما يساعد على البقاء حين تكون الورقة مشرفة على السقوط؟».
فإذا كانت الصدفة والضرورة، كلتاهما عاجزتين عن تفسير الجمال فلابد من وجود شيء غير هذين البديلين. فحيثما تصرفت العلة بفعل ضرورة فلابد من وجود داع لهذا التصرف، ولكنه تصرف أغلقت دونه جميع المسالك باستثناء مسلك واحد. أما الصدفة فهي من الناحية الأخرى تقبل البدائل، ولكن ليس هناك سبب يفسر تحقيق بديل دون غيره. والطريق الوسط بين هذين الطرفين علة تقبل البدائل، ولكن لديها في الوقت ذاته سبباً يفسر اختيارها لواحد منها دون سواه. فهل من شيء في تجاربنا يعمل بهذه الطريقة؟ واضح أن هناك شيئاً كهذا: إنه عقل كل منها.
تأمل، للحظة قصيرة، حرفياً يصنع سكيناً لتقطيع الخبز لاستخدامه الشخصي. من الجلي بالضرورة أنه ستكون للسكين الجديدة شفرة، إذ أنه من دونها لن يستطيع قطع الخبز. أما تصميم المقبض المزخرف والمرصع فلا نستطيع عزوه إلى الضرورة لأن السكين قادر على أن يقطع الخبز بنجاح دون حاجة إلى أي زخرفة على الإطلاق. والحرفي يختار بمحض إرادته أن يزين أداته بالزخارف. ففي وسعه أن يضيف الزخارف أو لا يضيفها. فإذا اختار أضافتها توفرت له تشكيلة غير محدودة من التصاميم ينتقي منها ما يشاء. فزخرفة السكين تقبل البدائل؛ ومع ذلك فهناك سبب لوجودها وهو أن الفنان لا يريد سكيناً نافعاً فحسب، بل سكيناً جميلاً أيضاً. فالزخرفة إذاً ليست نتاج الصدفة ولا الضرورة، بل هي تصرف يتسم بحرية الاختيار. والعقل الذي يختار بحرية، إذاً، هو الطريق الوسط بين الصدفة والضرورة.
وعلى النحو ذاته، لما كان الجمال في الطبيعة بالغ الوفرة فلا يمكن أن يكون ناشئاً من الصدفة، إذ لا بد له من سبب. ولكن هذا السبب لا يمكن حصره في نهج واحد، إذ ليس من ضرورة مطلقة تفرض أصلا وجود الجمال في الحيوان والنبات والجماد. وعلى ذلك يبدو أن الجمال المشاهد في الطبيعة ناشئ من علة لا تحكمها الضرورة، ولكن لديها مع ذلك سبباً يفسر تصرفها. وهذه العلة هي عقل، ومن ثم فإن هناك عقلاً مسؤولاً عن جمال الطبيعة وهذا العقل القائم وراء الطبيعة يطلق عليه كل الناس اسم «الله».
رأينا في الفصل الثالث كيف أن النظرة الجديدة تجمع مجدداً بين العلوم والفنون الجميلة من خلال فهم الجمال. كما أن الشعراء، في تأملهم جمال الطبيعة، يدركون بدورهم أنه من صنع عقل ما. ومن أمثلة ذلك أن «ثورو»، إذ يرى أن الجمال لا يمكن أن تفسره الضرورة، يستبين الفنان الآلهي وراء الطبيعة، فيقول: «السماء تمطرنا وتسقط علينا ثلوجاً كالدرر. يا له من عالم عجيب هذا الذي نعيش فيه! أين متاجر الجواهر والحلي من ذلك؟ ليس هناك ما هو أجمل من ندفة ثلج أو قطرة ندى. أكاد أقول إن صانع هذا العالم تتجلى براعته في كل ندفة ثلج أو قطرة ندى يسقطها علينا. ونحن نظن أن الأولى تتماسك بطريقة ميكا###ية وأن الأخرى تسيل فتتهاوى بكل بساطة، ولكنهما في الحقيقة حصيلة حماس، ونتاج نشوة، أضيفت عليهما اللمسات الأخيرة بأقصى مهارة الفنان».
والبشر يلحظون يد الله في ندفة الثلج وفي غروب الشمس وفي حقل الأعشاب. وعظمة الجمال وجلاله يحملان توقيع الله الذي لا شبهة فيه. يقول توماس مان (Thomas Mann) الجمال وحده إلهي ومرئي في آن معاً». أما إمرسون (Emerson) فيقدم لنا النصيحة التالي: إياك أن تفوت أي فرصة لمشاهدة أي شيء جميل لأن الجمال خط بيد الله. إنه قداس يقام على جانب الطريق. رحب بالجمال في كل وجه حسن، وفي كل سماء صافية، وفي كل زهرة جميلة، واشكر الله على ذلك.».
وهكذا ففي النظرة الجديدة نجد أن أصل الكون وبنيته وجماله تفضي جميعاً إلى النتيجة نفسها، وهي أن الله موجود.
الموضوع منقول عن منتدى التوحيد :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2875

ابن النعمان
2011-08-29, 12:54 PM
التنسيق فى الاشياء غير الحية
وبعد ان تكلمنا عن التنسيق والتناسق من الكائنات الحية من بعض الجوانب لا بيقى لنا سوق ان نتطرق للحديث عن التنسيق والتناسق الموجود فى الاشياء غير الحية حتى يكون الموضوع متكامل بعض الشىء واكثر شىء يظهر ذلك ويجسده فى تلك الاشياء بصورة غير مسبوقة بلورات الثلج.
لسنا بحاجة الى الكلام يكفينا التأمل وتسبيح الخالق الاعظم
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRchlueOF_wT8Uxh1wFbZLWucRk_hCRz 6qcnA8k1l2lwlgOfUiK-g
انظر الى اللوحة المزخرفة الرائعة؟ قد يظن البعض أنها من صنع رسام ماهر، ولكن الحقيقة الذي صنعها هو الله تعالى. إنها تمثل جزيئة ثلج صغيرة بعد تكبيرها مئات المرات، ويقول العلماء الذين اكتشفوا هذه التصاميم الرائعة لجزيئات الثلج: إنه لا توجد في العالم كله منذ خلقه وحتى الآن جزيئتا ثلج متشابهتين، بل كل جزيئة تختلف عن الأخرى مع العلم أنها كلها مصنوعة من شىء واحد وهو الماء، فتبارك الله القائل: (صنع الله الذي أتقن كل شيء)
http://www.kaheel7.com/userimages/-SnowflakesWilsonBentley.JPG
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSiHCz37VyyPqcKVxb99wf-4TbNwCtiNRqzjSYNsphaCxYFvlPU
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcROsZP0_GQLcqbvhjsCc8SAHsjkKR3co Clj-94PBLtLSJvudilt
هذه صورة لبلورات ثلج متنوعة لا تُرى إلا بالمجاهر المكبرة، أليس هذا دليلاً على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى؟
يقول الكاتب هارون يحيى فى كتابه العظمة فى كل مكان "عندما يتفحص المرء بلورات الثلج يرى أشكالاً متعددة و مختلفة فيما بينها . ويعتقد الباحثون أن متراً مكعباً من الثلج يحتوي على 350 مليون بلورة ، و هذه البلورات جميعها تتخذ شكل مضلع سداسي ، بيد أن هذه المضلعات السداسية تختلف فيما بينها من ناحية الشكل الذي تتخذه . و لكن كيف ظهرت هذه الأشكال ؟
كيف اختلفت فيما بينها ؟ كيف حدث هذا التناسق فيما بينها ؟ ما زالت الأبحاث جارية من قبل العلماء للتوصل إلى أجوبة عن هذه الأسئلة .
و كل شيء جديد يكتشف يضاف إلى رصيد الإعجاز الموجود في تصميم هذه البلورات الثلجية ، إن الشكل المضلع السداسي للبلورة الثلجية ، و التي لها أنواع مختلفة من ناحية التناسق و التماثل فيما بينها ، يعد دليلاً على الإبداع الإلهي في الخلق ، و لا شك فهو البديع ( أي الخالق دون وجود أنموذج سابق لخلقه ) جل جلاله ، و هو الله الذي خلق الأشياء في أحسن صورة .
و عندما نتفحص البلورة الثلجية سنجد أمامنا جانبياًَ آخر من الإعجاز الإلهي .
إن هذه البلورات الثلجية التي تتجمع لتأخذ أشكالاً عديدة مثل الصحون الصغيرة و الكبيرة ، أو الشكل النجمي أو حتى الشكل الدقيق جداً الذي يشبه رأس إبرة تحقق هذا الاختلاف في التشكل بوسيلة مثيرة للحيرة في العقول.
ولا شكل في أن هذا التركيب البلوري لحبات الثلج قد جلب انتباه الباحثين منذ سنوات عديدة ، فقد أجريت الأبحاث و مازالت مستمرة منذ سنة 1945 لاكتشاف العوامل التي تشكل هذه البلورات بهذه الأشكال المختلفة ، فحبة الثلج تتألف من أكثر من مئتي بلورة ثلجية ، والبلورات الثلجية هي عبارة عن مجموعة من جزيئات من الماء مرتبة و منظمة بتناسق باهر فيما يبنها ، و توصف هذه البلورات الثلجية بأنها بناء معماري بارع جداً ، و هي تشكل عندما يمر بخار الماء خلال السحاب متعرضاَ للبرودة ، و يحدث هذا الأمر كالآتي :
يحتوي بخار الماء على جزيئات الماء التي تكون منتشرة بصورة عشوائية ، و عندما تمر بين السحاب تتعرض للبرودة و بالتالي يقل نشاطها ، و هذه الجزيئات التي أصبحت حركتها بطيئة تميل إلى التجمع فيما بينها ثم تتحول إلى جسم صلب ، و لكن هذا التجمع لا يكون عشوائيا أبداًَ ، بل على العكس إنه دائماَ يكون باتحاد جزيئات الماء لتكوين مضلعات سداسية مجهرية منتظمة الشكل .
و كل قطعة ثلج تتكون من مرحلة أولى من مضلع سداسي و يتبلور من جزيئات الماء ، و من ثم تأتي باقي المضلعات السداسية المتبلورة لتلتحم بالبلورة الأولى ، و العامل الرئيسي في طريقة تشكيل هذه البلورة الثلجية ـ و كما شرح ذلك العلماء ـ هو الالتصاق المتسلسل لهذه المضلعات السداسية بعضها ببعض تماماًَ مثلما تتحد حلقات السلسلة الواحدة .
و المفترض في هذه البلورات هو أن تتخذ الشكل نفسه مهما اختلفت الحرارة و الرطوبة ، و لكن الذي يحصل هو أن شكلها يختلف باختلافهما ، لماذا توجد هذه البلورات المتناسقة ذات الشكل المضلع السداسي في كل قطعة ثلج ؟ و لماذا تأخذ شكلاً مختلفاً إحداها عن الأخرى ؟ لماذا تكون حواف هذه الأشكال ذات زوايا بدلاً من أن تكون مستقيمة ؟ و لا زال العلماء مستمرين في أبحاثهم سعياً وراء العثور عن الأجوبة
و لكن الحقيقة الواضحة أن الله فاطر السماوات و الأرض هو الذي خلق كل شيء و سواه لا شريك له و هو الأحد الصمد".