المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشرك والكفر( والعياذ بالله )



ذو الفقار
2007-10-21, 09:01 PM
الكفر الأصغر .. صوره وأحكامه
الذنوب في مجملها جناية في حق الخالق سبحانه، فهي عصيان لأمره وخروج عن طاعته، وهي وإن استوت جميعها في كونها معصية لله، إلا أنها تتفاوت فيما يترتب عليها من عقوبة وإثم، فأقبح الذنوب على الإطلاق وأكبرها إثما وأشدها عقوبة هو الكفر بالله، الذي يخُرج من الدين، ويخلُد صاحبه في النار، وبعد الكفر تأتي كبائر الذنوب والتي من أعظمها ما يسمى بالكفر الأصغر، حيث عدّه العلماء أشدَّ من الزنا، وشرب الخمر، والسرقة؛ لأن ذنباً سماه الله كفراً هو أعظم من غيره من الذنوب التي لم يطلق عليها هذا الاسم .



تعريف الكفر الأصغر

يطلق الكفر الأصغر على الذنوب التي سماها الشرع كفراً، ولكنه لم يحكم على أصحابها بالخروج من الإسلام، كقتال المسلم لأخيه المسلم دون حق، قال- عليه الصلاة والسلام -:( سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ) متفق عليه، والطعن في أنساب الناس وقبائلهم، والنياحة على الميت بلطم الخدود، وشق الجيوب، قال - عليه الصلاة والسلام - :( اثنتان في الناس هما بهم كفر؛ الطعن في النسب، والنياحة على الميت ) رواه مسلم . ومن ذلك أيضاً انتساب الولد إلى غير أبيه مع علمه بوالده، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر ) متفق عليه، ومنه كذلك تنكر المرأة لحق زوجها وإحسانه، فقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم - أكثر أهل النار من النساء، فسئل عن سبب ذلك، فقال: ( لأنهن؛ يكفرن الزوج، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك ما يسوؤها، قالت: ما رأيت منك خيرا قط ) رواه البخاري .



فكل هذه صور للكفر الأصغر الذي لا يخرج صاحبه من الإسلام، وليس معنى تسمية تلك الذنوب كفراً أصغر أن يتهاون الناس في ارتكابها، وإنما المراد مزيد تحذير وتنفير منها، فهي أعظم إثما من الكبائر، ويجب على فاعلها التوبة منها، والرجوع إلى الله سبحانه .



آثار الكفر الأصغر

لم يطلق الشرع وصف الكفر على هذه الأعمال إلا لما لها من آثار خطيرة على مستوى الأفراد والمجتمعات، فإشهار المسلم سيفه في وجه أخيه المسلم مؤذن بانفراط عقد الأخوة، وفتح أبواب الفتن بين المسلمين، وتعرية الإنسان من نسبه من أعظم المخاطر التي تهدد الحياة الاجتماعية، والنياحة على الميت تشتمل على كثير من المفاسد العقدية والاجتماعية كالتسخط وعدم الرضا بالقدر، وترك الصبر على المصائب والبلايا، وانتساب الولد إلى غير أبيه سبب لتفكك الروابط الأسرية، وجحود المرأة حق زوجها من أسباب المشاكل الزوجية وخراب البيوت، وذلك لأن الأسر مبناها على الاحترام المتبادل، وتقدير كل طرف للآخر، وبانتفاء هذا التقدير والاحترام تبقى البيوت عرضة للزوال والانهيار .



الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر

ومع كل المفاسد التي يسببها الكفر الأصغر إلا أن صاحبه يظل في دائرة الإسلام لا يخرج منها، وإذا لقي الله عز وجل بتلك الذنوب، فإنه يكون مستحقا للعقوبة، إلا أن يعفو الله عنه، بخلاف الكفر الأكبر فإن فاعله خارج عن الإسلام، وإذا مات على كفره أدخله الله النار خالدا مخلدا فيها.

كان هذا تعريفاً موجزاً بالكفر الأصغر، قدمناه ليحذر المسلم الوقوع فيه، ويجتنب كل ما يسخط الله ويغضبه مهما بدا له صغيراً، فإن التقي: " لا ينظر إلى صغر المعصية ولكن ينظر إلى عظمة من عصى" .



يتبع

ذو الفقار
2007-10-21, 09:04 PM
الاستغاثة بغير الله

من فوائد المحن والشدائد ، أنها تعرف العباد بخالقهم ، بعد أن كانوا غافلين ، وتدفعهم للالتجاء إليه بعد أن كانوا عنه معرضين ،وحال مشركي أهل مكة لم يكن يخرج عن هذه القاعدة ، فكانوا إذا ضاق بهم الحال وتعرضوا لشدة وكرب ، كأن يخافوا الغرق في عرض البحر ، حين تهب عليهم الرياح العاتية ، وتتلاعب بهم الأمواج العظيمة ، ويأتيهم الموت من كل مكان ، في تلك الساعة يعلم المشركون ألا ملجأ من الله إلا إليه ، فتسقط جميع الآلهة التي كان يعبدونها ويتقربون إليها ، ويتوجهون بقلوب مخلصة إلى الله سبحانه طالبين النجاة من هذا الكرب العظيم ، وقد وصف القرآن الكريم حالهم فقال:{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (يونس:22)، وقال تعالى :{ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } (الأنعام:63-64).

فاحتج عليهم سبحانه بدعائهم إياه حال الشدة والعسر ، على بطلان دعائهم غيره حال الرخاء واليسر ، فإن من ينجي من الشدائد والكروب هو المستحق وحده أن يدعى في كل الأحوال ، وهو الإله الحق وما سواه باطل ، كما قال تعالى :{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } (النمل:62) .

كل هذه الآيات وغيرها كثير تبين بما لا يدع مجالا للشك ، أن الله وحده هو الكاشف للضر وليس غيره ، وأنه المتفرد بإجابة المضطرين ، وأنه القادر على دفع الضر ، القادر على إيصال الخير .

وإنما تجوز الاستغاثة بغيره في الأسباب الظاهرة العادية ، من الأمور الحسية ، كقتال عدو ، أو دفع سَبُع ، أو نحو ذلك من الأسباب الظاهرة ، أما الاستغاثة في الأمور التي لا يكشفها إلا الله كالمرض والضيق والفقر ، وطلب الرزق ونحوه ، فلا تطلب إلا منه .

ورغم ظهور هذه الحقيقة وتقريرها في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، إلا أن طوائف ممن ينتسب إلى الإسلام ، ضلَّ بهم الطريق ، وحادوا عن الصراط المستقيم ، فتوجهت قلوبهم ساعة الكروب والشدائد إلى أولياء - زعموا - يدعونهم ويتضرعون إليهم ،لينجوهم من تلك الكروب ويرفعوا عنهم تلك الشدائد .

ولا يخفى بطلان مسلكهم ، وكونه شرك وعبادة لغير الله سبحانه .
وإن احتجوا بأن للأولياء الذين يدعونهم جاه ومنزلة عند الله ، فنقول : هذه الحجة هي نفس ما احتج به المشركون ، كما حكى الله عنهم قولهم :{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } (الزمر:3) .

قال قتادة : كانوا إذا قيل : لهم من ربكم وخالقكم ؟ ومن خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء ؟ قالوا : الله ، فيقال لهم : ما معنى عبادتكم الأصنام ؟ قالوا :ليقربونا إلى الله زلفى ، ويشفعوا لنا عنده .

فتبين من خلال ما سقناه في هذا المقال أن الدعاء مطلق الدعاء - سواء أكان في حال الشدة أم في حال الرخاء - إنما يكون لله عز وجل ، قال تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (غافر:60) فمن استكبر عن دعاء الله فقد توعده الله بالعقاب الأليم ، أما من دعا غيره وتقرَّب إلى من سواه فقد أتى الشرك من أوسع أبوابه .

فالواجب على المسلم أن يتعلم من العلم ما يعرِّفه بالتوحيد ، وما يؤهله إلى أن يعبد الله على بصيرة ، فما ضل من ضل إلا بسبب الجهل والإعراض.



يتبع

الهزبر
2007-10-21, 09:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

متابعون ان شاء الله.

تحياتي.

ذو الفقار
2007-10-21, 09:07 PM
أسباب الكفر الأكبر

إن أعظم ما عصي الله به من الذنوب الكفر به سبحانه ، وهي مرتبة من الذنوب ليس هناك ما هو أعلى منها ، ومنزلة الكافر في ميزان الله سبحانه أحطُّ المنازل وأدناها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) روه الترمذي وصححه .

لذلك فمن رحمة الله بعباده أن أوجب عليهم الإيمان ، وحذرهم من الكفر وعواقبه ، وبين لهم ما سيؤول إليه الكافر من العذاب المقيم ، وليس هذا التحذير من الكفر في حق الكافر فقط ، بل هو أيضاً في حق المسلم حيث بين الشرع أسباب الكفر والردة عن الإسلام حتى يحذرها المسلم ، ويحافظ على دينه فهو أغلى ما يملك ، فبين الشرع أن أشدَّ أسباب الكفر وأعظمها كفر الجحود والإنكار ، ككفر الملاحدة الذي نفوا وجود الخالق سبحانه ، وقالوا : لا إله والحياة مادة ، فهؤلاء لا يعترفون برب ولا يؤمنون بإله ، والحياة في نظرهم آلة تدور وتدور ، وأثناء دورانها تهلك من تهلك ، وتبقي من تبقي إلى أجل حتى تأتي عليه عجلة الحياة فتهلكه ، لقد فهموا الحياة آلة صماء لا روح فيها ، وحكموا على الإنسان بهذا المنطق ، وتعاموا في سذاجة مطلقة عما يشعره كل إنسان من حاجته إلى التدين ، وإلى إله يعبده ويتقرب إليه ، فخالفوا بمنطقهم هذا داعي الفطر والعقول ، وأثبتوا موجودا من غير موجد ، ومصنوعا من غير صانع ، وأرجعوا ذلك إلى محض الصدفة ، فدخلوا في حظيرة من لا يعقل من أوسع الأبواب ، ذلك أن من مبادئ العقول وأولياتها التي يوقن بها الصغار قبل الكبار أن الموجود لا بد له من موجد ، وأن المصنوع لا بد له من صانع ، فالبعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ، وهذه المخلوقات بإتقانها وحسن نظامها تدل على الحكيم الخبير سبحانه .

ومن أقسام كفر الجحود والإنكار التكذيب بما علم من الدين بالضرورة ، أو بمعنى أوضح التكذيب بما نسبته إلى الدين قطعية ، فمن أنكر وجوب الصلاة مثلا ، أو وجوب صوم رمضان ، أو وجوب الزكاة ، أو وجوب الجهاد أو نحو ذلك من غير عذر شرعي فقد كفر لتكذيبه القرآن في فرض ذلك وإيجابه ، وقد اتفقت كلمة علماء الإسلام على ذلك من غير خلاف بينهم قال القاضي عياض : " .. وكذلك نقطع بتكفير كل من كذَّب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما تواتر كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس " الشفا 2/1073 .

ومن أسباب الكفر : سب معظم في الشرع وتحقيره كسب الله جل وعلا ، وسب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسبِّ الملائكة الكرام ، أو دوس المصحف ورميه في القاذورات ، فكل هذه من أسباب الكفر ، قال القاضي عياض : " اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه ، أو سبهما .... فهو كافر عند أهل العلم " ( الشفا 2/1101 )

ومن أسبابه أيضاً : الشكُّ في حكمٍ من أحكام الله أو خبرٍ من أخباره ، كمن شك في البعث والحشر والجنة والنار ، أو شك في وجوب الصلاة والصوم والحج والزكاة فإن هذه من الأمور التي يجب على المؤمن أن يؤمن بها إيمانا قطعيا لا شك فيه ، وقد امتدح الله سبحانه إيمان الموقن الذي لم يخالط إيمانه شك ، فقال :{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } ( الحجرات: 15) ، وقال صلى الله عليه وسلم :( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ) رواه مسلم .

ومن أسبابه كذلك الاستهزاء بشيء من الدين ، قال الله تعالى: { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ( التوبة:65- 66) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: "الصارم المسلول على شاتم الرسول : " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر " فيجب على المسلم أن يحذر هذه المزالق الخطيرة ، ومن كان لاعبا فلا يلعبن بدينه .

هذه بعض أنواع الكفر وهي دائرة بين أن تكون قولاً باللسان ، أو اعتقاداً بالقلب ، أو عملاً بالجوارح . والكفر في جميع صوره قبيح ، إذ هو اعتداء على الخالق سبحانه ، لذلك كان من حكمة الباري سبحانه أن جعل عقوبة الكفر أقسى العقوبات وأشدها ، فحرم على الكافر الجنة ، وقضى عليه بالخلود الأبدي في نار جهنم ، وحرمه من أن تناله مغفرته ، أو أن يشفع فيه شافع ، كل ذلك مبالغة في العقوبة ، لأن الذنب قد بلغ أقصى درجات القبح .


يتبع

ذو الفقار
2007-10-21, 09:10 PM
شروط الكفر وموانعه


اعلم أخي الكريم أن التكفير من أخطر الأحكام وأعظمها ، وذلك لما يترتب عليه من الآثار الخطيرة، كإباحة دم المسلم وماله ، وتطليق زوجته ، وقطع التوارث بينه وبين أقربائه ، فضلا عن نظرة المسلمين له واحتقارهم إياه لخروجه عن دينه ، وما إلى ذلك من أحكام تلحق المرتد . لذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ومن رمى مسلما بكفر فهو كقتله ) رواه البخاري ، وقد جاءت الأحكام الشرعية بالتحذير من التسرع في إطلاق الكفر على المسلم ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( أيما رجل قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما ) متفق عليه .

ولما كانت مسألة التكفير ليست بالأمر الهين ، احتاط الشرع في إطلاقها احتياطاً شديداً فأوجب التثبت ، حتى لا يتهم مسلم بكفر ، وحتى لا تستباح أموال الناس وأعراضهم بمجرد الظن والهوى ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا } (النساء:94) فحذرهم من التسرع في التكفير ، وأمرهم بالتثبت في حق من ظهرت منه علامات الإسلام في موطن ليس أهله بمسلمين .

ومما يدل على احتياط الشرع في مسألة التكفير ومبالغته في ذلك ، إيجابه التحقق من وجود شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فلا يجوز تكفير معين إلا بعد التحقق من ذلك تحققاً شديداً بعيدا عن التعصب والهوى ، وموانع التكفير هي :

1- الجهل : وهو خلو النفس من العلم ، فيقول قولاً أو يعتقد اعتقاداً غير عالم بحرمته ، كمن يعتقد أن الصلاة غير واجبة عليه ، أو أن الله غير قادر على حشر الأجساد إذا تفرقت ، والسبب وراء ذلك جهله بوجوب الصلاة وقدرة الله جلا وعلا ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت ، قال لبنيه : إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ، ففعلت ، فإذا هو قائم ، فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال : يا رب خشيتك فغفر له ) رواه البخاري ، فهذا رجل جهل قدرة الله جلا وعلا فظن أنه إذا أحرق ونثر رماده في البر والبحر فإن الله لا يقدر على جمعه ، ولا شك أن الشك في قدرة الله جلا وعلا ، والشك في البعث كفر ، ولكنه لما كان جاهلا غفر الله له .

وفي سنن ابن ماجة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يدرس الإسلام كما يدرس وشيُ الثوب حتى لا يدرى ما صيام ، ولا صلاة ، ولا نسك ، ولا صدقة ، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ، فقال له صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ، ولا صيام ، ولا نسك ، ولا صدقة ، فأعرض عنه حذيفة ، ثم ردها عليه ثلاثاً ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة ، فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا ) فهؤلاء كتب الله لهم النجاة ولم يعرفوا من الإسلام إلا الشهادة ، وجهلوا ما سواها من شعائر الدين وأركانه ، لكن لما كان الجهل هو عذرهم نفعتهم الشهادة التي ينطقون بها .

وليعلم أن العذر بالجهل إنما يقبل في حق من كان في محلٍّ أو حالٍ هو مظنة أن يجهل هذه الأحكام كمن نشأ في بادية بعيدة أو كان حديث عهد بكفر ، أما من عاش بين المسلمين ، يحضر صلواتهم ويسمع خطبهم ، ثم يجهل شيئا من أصول الدين أو أمراً معلوماً منه بالضرورة فلا يعذر بجهله ، لأنه متسبب في وجود جهله وعدم إزالته.

2- الخطأ : وهو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غيرَ ما قصد ، كمن يريد رمي غزالٍ فيصيب إنساناً ، أو كمن يريد رمي كتاب كفر فيرمي كتاب الله جلَّ وعلا ، والأدلة على العذر بالخطأ كثيرة منها قوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } ( الأحزاب :5 ) ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ ، قوله : صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .

وهذه الأدلة عامة في العذر من عموم الخطأ وثمة دليل خاص يدل على العذر من الخطأ في مسائل الكفر ، وهو ما رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) ولا شك أن مخاطبة الله بالعبد كفر ومروق من الدين إن كان عن قصد وتعمد، ولكن لما كان نطق الرجل لها خطأ كان معذورا بخطئه.

3- الإكراه : وهو إلزام الغير بما لا يريد ، ففي هذه الحالة يكون المكرَه في حلٍّ مما يفعله أو يقوله تلبية لرغبة المكرِه دفعا للأذى عن نفسه أو أهله ، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده ولطفه بهم حيث لم يكلفهم ما يشق عليهم ، قال تعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم }(النحل:106) ، وحتى لا يقع الناس في الكفر ويرتكبوا المحرمات عند وجود أدنى ضغط أو تهديد فقد ذكر العلماء الشروط التي يتحقق بها وجود وصف الإكراه المعتبر شرعاً وهي :

أ- أن يكون التهديد بما يؤذي عادة كالقتل والقطع والحبس والضرب ونحو ذلك .
ب- أن يكون المكرِه قادراً على تحقيق ما هدد به ، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة ، فإن لم يكن قادرا لم يكن للإكراه اعتبار .
ج - أن يكون المكرَه عاجزاً عن الذب عن نفسه بالهرب أو بالاستغاثة أو المقاومة ونحو ذلك .
د - أن يغلب على ظن المكرَه وقوع الوعيد ، إن لم يفعل ما يطلب منه . فإذا اجتمعت هذه الشروط كان الإكراه معتبراً شرعاً .

4- التأويل : وهذا المانع من التكفير إنما يختص بأهل الاجتهاد دون غيرهم من المتقولين على الله بالجهل والهوى ، وذلك أن المجتهد قد يترك مقتضى نص لنص آخر يراه أقوى منه ، كمن اعتقد من الصحابة حل الخمر مستدلاً بقوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين } ( المائدة:93 ) فلما رفع أمرهم إلى عمر بن الخطاب وتشاور الصحابة فيهم ، اتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة رضي الله عنهم على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا , وإن أصروا على الاستحلال قتلوا . فلم يكفرهم الصحابة رضي الله عنهم من أول وهلة لتأويلهم ، بل أجمعوا على أن يبينوا لهم خطأ استدلالهم فإن أصروا قتلوا ردة ، فلما استبان للمتأولين خطأ استدلالهم رجعوا وتابوا .

والتأويل المعتبر في هذا المقام هو ما كان له وجه في الشرع واللغة العربية ، أما إن كان لا يعتمد على شيء من القرائن الشرعية أو اللغوية فهو غير معتبر شرعا كتأويلات الباطنية ونحوهم .

تلك هي موانع التكفير ، وهي تدلنا على مبلغ حرص الشرع على وجوب التحقق من وقوع الكفر من فاعله ، حتى لا يسفك دم معصوم بالتهمة والشك ، وفي ذكر هذه الموانع درس لمن يمارسون التكفير دون اعتبار لتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه ، ولا يعني ذكر تلك الموانع أن نتهيب من تكفير من كفره الله ورسوله لثبوت وصف الكفر في حقه بتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه ، فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم ، ولكن الواجب هو التثبت .


تم بحمد الله

ذو الفقار
2007-10-21, 11:43 PM
شكرا لك يا اخى صفى الدين
اشكرك تشجيعك المتواصل لى

وان شاء الله يكون العمل خالص لوجه الكريم