المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيت النبي صلى الله عليه وسلم ..الحلقة الأول



الصفحات : [1] 2

ronya
2008-10-14, 04:13 PM
http://www.albshara.com/

بيت النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، ولا إله إلا الله إلهُ الأولين والآخرين، وقيوّم السماوات والأرضيين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عزّ إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، ولا هدي إلا في الاستهداء بنوره .

والحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع المخلوقات، وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته، وسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج السليم، أرسله الله رحمة للعالمين ؛ وإماماً للمتقين ؛ وحجة على الخلائق أجمعين.

((اختاره الله واصطفاه، واختصه لنفسه وارتضاه، فإنه تعالى طيب لا يقبل إلا طيب، ومحمد صلى الله عليه وسلم طيب ؛ وله أيضاً من الأخلاق أطيبها وأزكاها كالحلم، والوقار، والسكينة، والرحمة، والصبر، والوفاء، وسهولة الجانب، ولين العريكة، والصدق وسلامة الصدر، والتواضع، وخفض الجناح لأهل الإيمان والعزة، والغلظة على أعداء الله، والعفة، والشجاعة، والسخاء، والمروءة، وكل خُلُقٌ اتفقت الشرائع والفطر والعقول على حسنه، وكذلك لا يختار من المنَاكِحِ إلا أطيبها وأزكاها، ومن الأصحاب والعشراء إلا الطيبين منهم، فروحه طيب، وبدنه طيب، وخلقه طيب، وعمله طيب، وكلامه طيب، ومطعمه طيب، ومشربه طيب، وملبسه طيب، ومنكحه طيب، ودخله طيب، ومخرجه طيب، ومنقلبه طيب، ومثواه طيب.

ومن هنا نعلم اضطرار العباد إلى معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فُرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير، وما ظنكِ بمن إذا غاب عنكِ هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء، ووضع في المقلاة، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال، بل أعظم، ولكن لا يحس بهذا إلاّ قلبٌ حي.

وإذا كانت سعادة العبد في الدارين مُعلّقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرجُ به عن الجاهلين به ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مُستقلٍّ ومُستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يُأتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (1).

لماذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت؟

للإجابة على هذا السؤال عدة جوانب :

أولاً : عدم تحقق محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ بمعرفة هديه.

ثانياً : الحملة العالمية الشرسة على شخص النبي صلى الله عليه وسلم .

ثالثاً ": انبهار المسلمين بالنظريات الفكرية الوافدة وتطبيقها على الحياة

(كيف تُربّي نفسك – كيف تنجح في حياتك الزوجية – كيف تتعامل مع الناس).



بيت النبي صلى الله عليه وسلم :

إنه بيت أساسه التواضع، ورأس ماله الإيمان، بيت نبوي مبارك، لا شرقي ولا غربي، فيه عظة وعبرة، وسيرة وقدوة، واتباع واقتداء، في زمن طغت فيه الماديات وتباهى فيه الناس بأغلى المفروشات، تكاثر وتفاخر، بالدور والقصور، مُجَملة الظاهر، مزينة بالنمارق ولكنها خاوية الروح، وفاقدة الأنس بالله.

1- حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم :

كانت الحجرات مبنية من جريد عليه طين، بعضها من حجارة مرضومة(2) وسقوفها كلها من جريد.

قال الحسن البصري : (كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان فأتناول سقفها بيدي) (3).

وعن داود بن قيس قال : (رأيت الحجرات من جريد النخل مغشى من خارج بمسوح الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحواً من ست أو سبع أذرع، وأحزر البيت عشر أذرع، وأظن سمكه بين الثمان والسبع ونحو ذلك، ووقفت عند باب عائشة فإذا هو مستقبل المغرب)(4).

إنه بيت متواضع وحجر صغيرة، لكنها عامرة بالإيمان والطاعة وبالوحي والرسالة.

قال سعيد بن المسيب يوم أدخلت الحجرات في مسجد رسول الله : (والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناشئ من أهل المدينة، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر، وقال أبو أمامة يومئذ : ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء، ويروا ما رضي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ومفاتيح خزائن الدنيا بيديه)(5).

يتبع في الحلقة القادمة



يكتب هذه السلسلة

د. أميرة بنت علي الصاعدي

دكتوراه في السنة وعلومها بجامعة أم القرى


(1 ) باختصار من مقدمة زاد المعاد لابن القيم.
(2) أي بعضها فوق بعض.
(3) صحيح الأدب المفرد (450).
(4) صحيح الأدب.
(5) طبقات ابن سعد (1/500).

ronya
2008-10-14, 04:19 PM
الحلقة (2) بيت النبي صلى الله عليه وسلم (2-5)


2- فراش النبي صلى الله عليه وسلم:

كان صلى الله عليه وسلم ينام على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رماله (1)، وتارة على كساء أسود.

وكان فراشه أدماً(2) حشوه ليف، وكانت وسادته أدماً حشوها ليف(3).

وعن ابن مسعود قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثر في جنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك ؟ قلت: كسرى وقيصر على الخز والديباج وأنت نائم على هذا الحصير، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما لي وللدنيا إنما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)(4).

ج- وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرير مشبك بالبردي عليه كساء أسود قد حشوناه بالبردي، فدخل أبو بكر وعمر عليه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم نائم عليه، فلما رآهما استوى جالسًا فنظر، فإذا أثر السرير في جنب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر - وبكيا-: يا رسول الله، ما يؤذيك خشونة ما نرى من سريرك وفراشك، وهذا كسرى وقيصر على فرش الحرير والديباج؟ فقال: (لا تقولا هذا؛ فإن فراش كسرى وقيصر في النار، وإن فراشي وسريري هذا عاقبته الجنة)(5).




(1) أي أن سريره كان مرمولاً بما يرمل به الحصير، ورمال الحصير ضلوعه المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب، والرمل المراد به النسج وحصير مرمول أي منسوج.

(2) الأدم: الجلد المدبوغ، والليف: هو ليف النخل.
(3) زاد المعاد (1/155).
(4) رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح.
(5) أخرجه البخاري (6455)، ومسلم (2971).

يتبع في الحلقة القادمة إن شاء الله

أمـــة الله
2008-10-14, 10:19 PM
:p015: :p015: :p015:

نقل راااااااائع بصدق رااااااائع
التواضع خلق الأنبياء ومفخرتهم
الموضوع قيم جداً ما أجمل سيرة رسولنا الحبيب العطرة
أكتب لكِ وكلي فخر وأعتزاز برسولنا الحبيب صلوات ربي وسلامه عليك يا حبيب الله
سلمت يمناك غاليتي وجزاكِ الله الجنة
متابعة بإذن الله اكملي بارك الله فيك

نور اليقين
2008-10-14, 10:40 PM
ليس هناك اجمل من سيرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه
بوركت يمناك غاليتي رانيا على الموضوع القيم
ننتظر منك المزيد بامر الله
***********

اختك
نور اليقين

أمـــة الله
2008-12-03, 03:26 PM
للرفع :36_3_11:
شد حيلك غاليتي رانيا وأكملي نقل الموضوع
بارك الله فيكِ
متابعة :p01sdsed22:

ronya
2008-12-03, 04:07 PM
تشرفت بمروركما أخواتي الحبيبات

غاليتي نورا وغاليتي نور اليقين

أعتذر لأني تأخرت في نشر باقي الحلقات بأذن الله نكمل على بركة الله

جزاكِ الله خيراً أختي الحبيبة نورا على تنبيهي

ronya
2008-12-03, 04:11 PM
الحلقة (3) بيت النبي صلى الله عليه وسلم (3-5)



3- أثاثه صلى الله عليه وسلم:

عن ثابت قال: (أخرج إلينا أنس بن مالك قدح خشب غليظا مضببا بحديد – أي مشدوداً بضباب من حديد – فقال: يا ثابت هذا قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يشرب فيه الماء والنبيذ والعسل واللبن)(1).

(وكان له قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل) صحيح الجامع.

(وكان له تور – إناء – من حجارة يتوضأ منه ومِخضب من شبه، وقعب يسمى: السعة، مغتسل من صفر ومُدهن، ورَبعة يجعل فيها المرآة والمشط، ومكحلة يكتحل منها، وكانت له قصعة تسمى: الفراء لها أربعة حلق، يحملها أربعة رجال، وصاع، ومد، وقطيفة، وسرير قوائمه من ساج، أهداه له أسعد بن زرارة))(2)

(وكان له سكة يتطيب منها)(3).

--------------------------------------------------------------------------------

(1) رواه الترمذي.
(2) زاد المعاد (1/132).
(3) صحيح الجامع.

ronya
2008-12-03, 04:15 PM
الحلقة (4) بيت النبي صلى الله عليه وسلم (3-5)



4- حاله في بيته وعيشه صلى الله عليه وسلم:

عن الأسود قال: سئلت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج للصلاة)(1).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم) رواه أحمد وقال العراقي: رجاله رجال الصحيح.

وعن عمرة: قيل لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته قالت: (كان بشراً من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته، ويخدم نفسه)(2).

هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم في بيته، فهو خلف الغرف والجدران لا يراه أحد من البشر وهو مع مملوكه أو خادمه أو زوجته يتصرف على السجية دون رتوش ولا مجاملات، وهو السيد الآمر الناهي في هذا البيت، وكل من تحت يده ضعفاء.

هكذا كان رسول هذه الأمة وقائدها ومعلمها صلى الله عليه وسلم في بيته مع هذه المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة، إنه نموذج للتواضع وعدم الكبر وتكليف الغير والاعتماد على النفس، إنه شريف المشاركة ونبيل الإعانة، وصفوة ولد آدم يقوم بكل ذلك)(3).

وهو مع كل ذلك لا يجد ما يملأ بطنه صلى الله عليه وسلم قال النعمان بن بشير -رضي الله عنه- وهو يذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي وما يجد من الدقل – رديء التمر – ما يملأ بطنه) رواه مسلم.

وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (إن كنا آل محمد نمكث شهراً ما نستوقد بنار إن هو إلا التمر والماء) رواه البخاري.

وروى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض).

وروى أيضاً عنها أنها قالت لعروة: (ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه).

وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز وزيت في يوم واحد مرتين).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير في اليوم الواحد غداء وعشاء) رواه مسلم.

وروى الترمذي عن ابن عباس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة وأهله طاوين لا يجدون عشاء) هكذا كان يختار صلى الله عليه وسلم ذلك لنفسه مع إمكان حصول التوسع في الدنيا له، وكان يدعو: (اللهم أرزق آل محمد قوتاً) رواه البخاري.

وفي رواية: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً).

قال ابن بطال: (فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة وإيثاراً لما يبقى على ما يفنى، فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك).

وقال القرطبي: (معنى الحديث: أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعاً)(4).


--------------------------------------------------------------------------------

(1) رواه مسلم.
(2) صحيح الأدب المفرد ح (419).
(3) يوم في بيت الرسول (25).
(4) فتح الباري (11/293).

ronya
2008-12-03, 04:19 PM
الحلقة (5) هديه وسمته صلى الله عليه وسلم

تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (( لم يكن رسول الله r فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح )) .

فهذه عائشة ابنة الصديق رضي الله عنها خير من يعرف خلق النبي r وأدق من يصف حاله فهي القريبة منه في النوم واليقظة والمرض والصحة والغضب والرضا .

(( وكان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله ، وأعذبهم كلاماً ، وأسرعهم أداء ، وأحلاهم منطقاً ، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ، ويسبي الأرواح )) .

ويشهد له بذلك أعداؤه ، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ، ليس بهذ مسرع ولا منقطع تخلله السكتات يبين أفراد الكلام ، بل هديه فيه أكمل الهدي ، قالت عائشة رضي الله عنها : (( ما كان رسول الله يسرد سردكم هذا ، ولكن يتكلم بكلام بيِّن فصل يحفظه من جلس إليه ))

وكان كثيراً ما يعيد الكلام ثلاثاً ليعقل عنه ، وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلام ، فصل لا فضول ولا تقصير ، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه ، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ، وإذا كره الشيء عُرف في وجهه ، وكان جل ضحكه التبسم ، بل كله التبسم ، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه ) (1) .

يتبع في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى



--------------------------------------------------------------------------------

(1) زاد المعاد ( 1/183 ) .

ronya
2008-12-12, 07:19 AM
خلقــه صلى الله عليه وسلم



وصف الله تعالى أخلاق نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وعن عطاء قال: قلت لعبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أخبرني عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة قال: ( أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً)(1).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن، يغضب لغضبه ويرضى لرضاه)(2).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقاً)(3).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)(4).

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذيء).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).

وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً).

وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )(5).

(هكذا كان خلقه -صلى الله عليه وسلم- وحسن الخلق يكون مع الله ويكون مع عباد الله.
أما حسن الخلق مع الله: فهو الرضا بحكمه شرعاً وقدراً، وتلقي ذلك بالانشراح وعدم التضجر وعدم الأسى والحزن.
أما حسن الخلق مع الخَلق فيحسن الخلق معهم بما قاله بعض العلماء، كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.

كف الأذى: بألا يؤذي الناس لا بلسانه ولا بجوارحه. وبذل الندى: يعني العطاء، فيبذل العطاء من مال وعلم وجاه. وطلاقة الوجه: بأن يلاقي الناس بوجه منطلق، ليس بعبوس ولا مصعر خده، وهذا هو حسن الخلق)(6).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:(سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج)(7).

وعنه قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)(8).

كل هذه الأحاديث تبين فضائل حسن الخلق، وأن أحسن الناس أخلاقاً هم أكمل الناس إيماناً، وهذا دليل على أن الإيمان يتفاوت، وكلما كان الإنسان أحسن خلقاً كان أكمل إيماناً وينبغي للإنسان أن يكون مع أهله خير صاحب وخير محب وخير مربي لأن الأهل أحق بحسن الخلق من الغير فهو أولى بذلك(9).


يتبع في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى