المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القضاء والقدر



الصفحات : [1] 2

الرافعي
2008-11-09, 11:20 PM
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم .. أما بعد ،

كثيرا ما نصادف بعض الجهلاء الفارغي العقل من النصارى يتشدق بهذه الكلمة كثيرا

في حواره مع المسلمين بقوله : إلهكم مضل ..

و إن شاء الله سأحاول أن أرد على هذه الشبهة و ما يتصل بها من أمور القضاء و

القدر و الاحتجاج به على المعصية ، و أورد أقوال العلماء في الرد على تلك الأقوال

الباطلة ...

و ربما لا يتيسر لنا الرد اليوم بمشيئة الله ، فسأحاول إن شاء الله تجميع ما تقصيته

لهذا الرد و أثبته غدا إن شاء الله ، لنسف الشبهة تماما بعون الله و توفيقه ...

و الله ولي التوفيق

الرافعي
2008-11-12, 12:02 AM
نتابع معا بإذن الله ، و عذرا على التأخير ..

عند ردنا على هذه الشبهة ، يجب أن نحصر مفادها في نقاط معينة لئلا ينجرف بنا كبر الموضوع و

المتصل به من استشكالات انغلق فهمها على الناس ... و سأضع في البدء ثلاث نقاط أساسية

سيتمحور حولها ردنا بإذن الله و هي :

1- هل من أسماء الله الحسنى " المضل " ؟!!
2- عدل الله في هداية أقوام و إضلال آخرين
3- إذا كانت المعصية مقدرة على العبد ، فهل من العدل أن يحاسبه الله على معصيته ؟!

******************

أولا : هل من أسماء الله الحسنى (( المضل )) ؟؟!!

لنختصر الإجابة .. فلم يثبت لاسم من أسماء الله الحسنى المعروفة اسم " المضل " .. بل إن من

أسمائه " الهادي " .. و حاشا لله أن يكون مضلا على إطلاق الإضلال .. فإن ذلك الأمر شر ، و

معاذ الله أن ينسب إليه الشر ، فالشر ليس إليه و الخير كله بين يديه .. و لكن الأمر نسبي محض ..

مقيد لا مطلق .. فالله يضل من يشاء و يهدي من يشاء { فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ }

.. و هذا يقود بنا إلى النقطة التالية :

ثانيا : عدل الله في هداية أقوام و إضلال آخرين :

لكي نستطيع تفهم قضاءالله في عباده ، يتوجب أن نعلم أولا حكمته من قضائه .. فهو الحكيم العليم

الذي لم يخلق شيئا عبثا و لا باطلا ..

و قضاء الله عدل كله ، و حكمه ماض لا راد له ، و قد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يقول {

ماض فيّ حكمك ، عدل فيّ قضاءك } .. فالأمر منوط بمناط العدل الإلهي في قضائه على عباده ..

فما وجه عدل الله بهداية أقوام و إضلال آخرين ؟؟

الهداية نوعان : هداية إرشاد و بيان ، و هداية توفيق ..

فهداية الإرشاد : تلك التي يبعث الله بها الرسل بتعاليمه لتبين للناس

طريق الحق و ترشدهم إليه و تهديهم للوقوف عليه .. فمنهم من يصدق و يهتدي فيزيده الله هدى

، و منهم من يكذب و يضل فيستحق إضلال الله ..

يقول العلامة ابن القيم في ( شفاء العليل ) :

((( وهذه الهداية لا تستلزم حصول التوفيق واتّباع الحق وإن كانت شرطا فيه أو جزء سبب وذلك لا يستلزم حصول المشروط والمسبب بل قد يتخلف عنه المقتضى إما لعدم كمال السبب أو لوجود مانع ولهذا قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} فهداهم هدى البيان والدلالة فلم يهتدوا فأضلهم عقوبة لهم على ترك الاهتداء أولا بعد أن عرفوا الهدى فأعرضوا عنه فأعماهم عنه بعد أن أراهموه وهذا شأنه سبحانه في كل من أنعم عليه بنعمة فكفرها فإنه يسلبه إياها بعد أن كانت نصيبه وحظه كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وقال تعالى عن قوم فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} أي جحدوا بآياتنا بعد أن تيقنوا صحتها وقال: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وهذه الهداية هي التي أثبتها لرسوله حيث قال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ونفى عنه ملك الهداية الموجبة وهي هداية التوفيق والإلهام بقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت} ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "بعثت داعيا ومبلغا وليس إليّ من الهداية شيء وبعث إبليس مزينا ومغويا وليس إليه من الضلالة شيء" قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فجمع سبحانه بين الهداء يتبين العامة والخاصة فعم بالدعوة حجة مشيئة وعدلا وخص بالهداية نعمة مشيئة وفضلا فأنها هداية تخص المكلفين وهي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدا إلا بعد إقامتها عليه قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقال: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} وقال: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} )))

فمن يهتدي بهداية الإرشاد و باتباعه لها قادته إلى طريق الهداية التي يزيده الله فيها بهدى

التوفيق .. و على العكس من يأبى ذلك استحق أن يضله الله ، لأنه ابتداء رفض الهداية ، و هذا

قمة العدل ..

فالعدل ، هو وضع الشئ في موضعه اللائق به ، و الظلم هو وضعه في غير موضعه اللائق به ..

و قياسا على ذلك ، فإنا نجد في قضاء الله على أقوام بالهداية و آخرين بالضلال قمة العدل ..

إلى هنا ينتهي كلامنا اليوم .. و أعتذر للإكمال في وقت لاحق .. فأنا والله ظروف الامتحانات تكبلني

..

ملحوظة .. عند بحثي في هذا الموضوع ، وجدته متشعبا جدا جدا بطريقة لا يمكن تصديقها ، خاصة أنني ألزمت نفسي بأن أرد على ما يتصل به من مسائل القضاء و القدر و الاحتجاج الباطل بهما على المعصية .. و أنا أحاول أن أختصر الموضوع في أضيق الحدود ، فاعذروني إن كانت هناك في الموضوع إطالة .. و بفضل من الله يحصل المرجو من هذا الموضوع طال أم قصر ، في إزالة استشكال عسر على كثير من الناس فهمه .... والله ولي التوفيق

نتابع غدا أو حين تتيسر لنا المتابعة بإذن الله

أبوحمزة السيوطي
2008-11-12, 03:18 PM
بارك الله فيك وسدد خطاك

متابع بحول الله وقوته

ذو الفقار
2008-11-12, 03:49 PM
بارك الله فيك أخي الحبيب وجزاك كل خير

متابع بعون الله

الرافعي
2008-11-14, 01:20 PM
بارك الله فيكما أخواي الحبيبان : أبا حمزة & ذا الفقار

و جزاكما كل خير

أشكر لكما متابعتكما

إن شاء الله سأحاول أن أرد على ما تبقى في غضون هذا الأسبوع

و عذرا على التأخير

khaled faried
2008-12-03, 03:58 PM
جزاكم الله خيرا أخي الكريم
تسجيل متابعة
وأستـأذنكم في تغيير العنوان إلي
(القضاء والقدر )

أبوعبدالرحمن الأثري
2008-12-03, 04:13 PM
نتابع إن شاء الله أخي الحبيب

جزاك الله خيرا


إلى هنا ينتهي كلامنا اليوم .. و أعتذر للإكمال في وقت لاحق .. فأنا والله ظروف الامتحانات تكبلني


نسأل الله لك التوفيق

أعانك الله

الرافعي
2008-12-03, 04:34 PM
وأستـأذنكم في تغيير العنوان إلي
(القضاء والقدر )

يرحمك الله أخي .. أتستأذنني ؟؟

أشكر لك متابعتك

بارك الله فيك

------------------


نتابع إن شاء الله أخي الحبيب

إنه لشرف لي عظيم والله يا شيخنا أن تكون من المتابعين ..

أشكر لك متابعتك .. بارك الله فيك

-----------------

أشكر شيخنا خالد فريد على التذكير ..

و الأمر يحمل تصريفا عجيبا من تصاريف القدر إذ كنت للتو أبحث عن الموضوع و أتصفحه لأرى

إلام وصلت فيه لكي يتسنى لي إكماله ، فإذا بشيخنا الحبيب يرفع الموضوع ...

إن شاء الله أحاول الإكمال في الأسبوع القادم لانشغالي إلى نهاية هذا الأسبوع ..

أشكر لكم المتابعة ..

الرافعي
2008-12-12, 11:30 PM
استوقفني في إحدى المراحيض النصرانية قول جحش فيها :

" كيف ينسب المسلمون إلى الله الشر ؟؟ تعالى مجده القدوس أن يكون منه الشر " و

ما إلى آخر ذلك من ترهات عقله الفارغ ..

هذا الجاهل الغبي لم يقرأ قول الله تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

فلم يقل " بيدك الخير و الشر " مثلا ..

و لا قرأ قول رسول الله صلى الله عليه و سلم { الخير كله بيديك والشر ليس إليك }

كيف إذا ننزه قضاء الله تعالى عن الشر المطلق ؟؟

للإجابة على هذا الاستشكال وجبت معرفة أن الله سبحانه و تعالى " هو الفاعل غير

المنفعل ، أما العبد فهو فاعل منفعل وهو في فاعليته منفعل للفاعل الذي لا ينفعل بوجه " ..

فالله هو المضحك المبكي ، المقيم المقعد و العبد هو الضاحك الباكي القائم القاعد .. و

يقول العلامة ابن القيم في " شفاء العليل " :

((( فإن قيل هل تطردون هذا في جميع أفعال العبد من كفره وزناه وسرقته فتقولون أن الله أفعله وهو الذي فعل أو تخصون ذلك ببعض الأفعال فيظهر تناقضكم، قيل ههنا أمران أمر لغوي وأمر معنوي فأما اللغوي فإن ذلك لا يطرد في لغة العرب لا يقولون أزنى الله الرجل وأسرقه وأشربه وأقتله إذا جعله يزني ويسرق ويشرب ويقتل وإن كان في لغتها أقامه وأقعده وأنطقه وأضحكه وأبكاه وأضله وقد يأتي هذا مضاعفا كفهمه وعلمه وسيره وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} فالتفهيم منه سبحانه والفهم من نبيه سليمان وكذلك قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} فالتعليم منه سبحانه وكذلك التسيير والسير والتعلم من العبد فهذا المعنى ثابت في جميع الأفعال فهو سبحانه هو الذي جعل العبد فاعلا كما قال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} فهو سبحانه الذي جعل أئمة الهدى يهدون بأمره وجعل أئمة الضلال والبدع يدعون إلى النار فامتناع إطلاق أكلمه فتكلم لا يمنع من إطلاق أنطقه فنطق وكذلك امتناع إطلاق أهداه بأمره وادعاه إلى النار لا يمنع من إطلاق جعله يهدي بأمره ويدعو إلى النار، فإن قيل ومع ذلك كله هل تقولون أن الله سبحانه هو الذي جعل الزانيين يزنيان وهو الذي جمع بينهما على الفعل وساق أحدهما إلى صاحبه، قيل أصل بلاء أكثر الناس من جهة الألفاظ المجملة التي تشتمل على حق وباطل فيطلقها من يريد حقها فينكرها من يريد باطلها فيرد عليه من يريد حقها وهذا باب إذا تأمله الذكي الفطن رأى منه عجائب وخلصه من ورطات تورط فيها أكثر الطوائف فالجعل المضاف إلى الله سبحانه يراد به الجعل الذي يحبه ويرضاه والجعل الذي قدره وقضاه قال الله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} فهذا نفي لجعله الشرعي الديني أي ما شرع ذلك ولا أمر به ولا أحبه ورضيه وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} فهذا جعل كوني قدري أي قدرنا ذلك وقضيناه وجعل العبد إماما يدعو إلى النار أبلغ من جعله يزني ويسرق ويقتل وجعله كذلك أيضا لفظ مجمل يراد به أنه جبره وأكرهه عليه واضطره إليه وهذا محال في حق الرب تعالى وكماله المقدس يأبى ذلك وصفات كماله تمنع منه كما تقدم ويراد به أنه مكنه من ذلك وأقدره عليه من غير أن يضطره إليه ولا أكرهه ولا أجبره فهذا حق ،فإن قيل هذا كله عدول عن المقصود فمن أحدث معصية وأوجدها وأبرزها من العدم إلى الوجود، قيل الفاعل لها هو الذي أوجدها وأحدثها وأبرزها من العدم إلى الوجود بأقدار الله له على ذلك وتمكينه منه من غير إلجاء له ولا اضطرار منه إلى فعلها )))

فالله هو الخالق للمعصية في العبد ، لكنه ليس الفاعل لها ، و لا أجبر العبد على فعلها ...


*********


أعتذر عن العجالة التي كتبت فيها هذه المشاركة ، و لكنني والله لا أملك وقتي ..
و إن شاء الله - ما دام الموضوع قد تغير عنوانه - سوف أتناول الموضوع بمزيد تفصيل حين ييسر الله لي ذلك .. والله ولي التوفيق ..
دعواتكم لي بالتوفيق ..

جمعة شلبي
2008-12-13, 12:39 AM
بارك الله فيك أخي الكريم علي المجهود الكبير وبارك لك في وقتك
ووفقك الي ما تحب وترضي في رضاه