المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث: قراءت القرآن شاهدًا نحويًّا.



الداعي
2009-06-05, 10:27 AM
جامعة الخليل
كلية الآداب
قسم اللغة العربية


عنوان البحث



قراءات القرآن شاهدًا نحويًّا




إعداد



علي "محمد زايد" غيث




بإشراف



الدكتور ة دلال دحيدل





قدم هذا البحث, استكمالا لمتطلبات مساق المدارس النحوية, الفصل الثاني من عام 2009مـ




m

الحمد لله منزل أبلغ الكلام, معلم الإنسان البيان, وأفضل صلاة وأتم تسليم, على من أوتي جوامع الكلم, ومحاسن الحكم, القائل:" إن من البيان لسحرا", اصطفاه ربه من خيرة خلقه, وأعطاه فصاحة في قوله, فعبر عن مراده بأوجز عبارة, وألطف إشارة. وبعد:
فهذا البحث يلقي الضوء على الشاهد النحوي في قراءات القرآن الكريم. ولحريٌّ بنا أن نومئ إلى أنَّ القرآن الكريم وقراءاته هو المصدر السماعي الأول الذي استقى منه البصريون قواعدهم النحوية, وتبعهم ي ذلك من بعدهم دون أن يتخلف منهم أحد.
وفي ضوء العلاقة بين القرآن والنحو, كان لا بد من انتهاج المنهج الوصفي؛ حتى نستطيع إبراز الحقائق في القراءات القرآنية, وحتى نبين المنهج السليم في التعاطي مع القراءات باعتبارها شاهدًا نحويًّا, مشيرين بذلك إلى النحاة ومناهجهم خلال استشهادهم بالقراءات القرآنية.
وقد كانت هيكلية البحث كالتالي:
بدأ البحث بمقدمة ذكر فيها ما يجب ذكره حسب المنهجية الحديثة للكتابة, ثم تلا هذه المقدمة تمهيد ذكر فيه أثر نعمة القرآن الكريم على العرب, ثم بمحورين: فالأول كان بعنوان (القراءات), وأما الثاني كان بعنوان (القراءات والنحاة), ثم تلا المحورين المذكورين المصادر والمراجع.
وقد اعتمد في هذا البحث على المصادر والمراجع التالية: النشر في القراءات العشر لابن الجزري, ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني, ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان, ومعاني القرآن للفراء, ومدارس نحوية لشوقي ضيف.
ويجدر الإشارة إلى أن هذه المصادر كانت متيسرة, وإن خالط تكوين البحث صعوبة, فهي ليست آتيةً من البحث ذاته, وإنما هي من الظروف التي كتب خلالها البحث, إذ إن أبرز هذه الظروف آتٍ من كثرة الواجبات الجامعية من حيث إعدادُ البحوثِ والامتحانات, وكذلك من قلة الوقت المتاح لهذا البحث.
وإن نسيت, فلا أنسى شكر دكتوري الفاضل, دلال دحيدل؛ إذ إنها من اختارت لي بحثي, وأرشدتني إلى الخطوات السليمة في إعداد البحث.
وهنا, لا يسعني إلا أن أقول: كتب الله الكمال لكتابه, ونفاه عن غيره, وحسبي أني حاولت؛ فإن وفقت, فلله الحمد والمنة, وإلا فمن تقصيري ونقصي.



الباحث



‏الأربعاء‏، 03‏ حزيران‏، 2009



M


لقد مَنَّ القرآنُ الكريم على العرب بثلاث نِعَمٍ كبيرة, وقد تصدَّر هذه النعم هدايتهم من بعد ضلالة, وإرشادهم من بعد ضياع, وصحوتهم من بعد سكرة, فقد أخرجهم القرآن من الظلمات إلى النور. وثاني هذه النعم أن جعلهم سادةَ الدنيا بعدما كانوا تبعًا للعجم, وبعدما كانوا كلاب الصحراء, وبعدما كانوا متفرقين متشرذمين, تقوم بينهم حروب لا يرون بأسًا أن تبقى بينهم أربعين سنة أو تزيد أو تقل. وثالث هذه النعم_ وهي ما نبتغيها ها هنا _حفاظه لهم على لغتهم العربية من حيث هي.
المتأمِّل في تاريخ علوم اللغة العربية يجد أنَّ السبب الرئيس كان فيها هو القرآن الكريم؛ ولعلَّ من أول هذه العلوم الرواية الشعرية, فقد كان جمعهم للأشعار هو خدمةً للقرآن الكريم من حيث تفاسيره, وهذه الحادثة تثبت في النفس ما أردنا. روي عن عمر بن الخطاب t أنه كان على المنبر فقرأ ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾([1] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn1)), ثم سأل عن معنى التخوف؟ فقال له رجل من هذيل: التخوف عندنا التنقص. فقال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ فقال: نعم. قال شاعرنا أبو كثير يصف ناقته:


تَخَوَّفَ الرَّحْلُ منها تامِكاً قَرِداً...كما تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ

فقال عمر: عليكم بديوانكم؛ لا تضلوا،. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية؛ فإن فيه تفسير كتابكم, ومعاني كلامكم. وفي رواية: أيها الناس, تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم؛ فإنه فيه تفسير كتابكم([2] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn2)).
ثمَّ نأتي بعد هذا الاهتمام المبكِّر في الرواية الشعرية إلى علم النحو, وخصوصًا نقط المصحف؛ نقط الإعراب, ونقط الإعجام. فقد كان السبب في هذا هو لحنًا وقع من أحدهم أثناء قراءته لقوله I: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾([3] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn3)). واللحن هو بكسر لام (رسوله), وبهذا اللحن قد تبرَّأ الله من رسولهe. فكان هذا اللحن وما شاكله سببًا في تشييد صرح النحو العظيم.
ولا يقلُّ جهدُهم في البلاغة أهميَّة عمَّا سبق؛ فقد كان ولوجهم لهذا العلم هو لإدراك مكمن الإعجاز في القرآن الكريم. وفي جميع ما سبق, كانت مادَّة القرآن هي المادَّةَ الثرَّة دومًا, الزاخرة بجلِّ ما يحتاجون, النائلةَ الضبط والعناية.
وكانت قراءات القرآن الكريم معينًا لا ينضب, ينهل منه أهل العربية في علومه الشتى؛ فقد كان القرآن وقراءاته شاهدًا في المعنى, وشاهدًا في النحو, وشاهدًا في البلاغة.
وأنا سأقصر حديثي على الشاهد النحوي, وعلى الله التوفيق.

المحور الأول: القراءات::
1.القرآن الكريم: هو كلام الله I, المتعبَّد بتلاوته, المنزَّل بواسطة الوحي الأمين جبريل u, على قلب نبيِّنا محمد e, المعجز, وهو الذي ما بين الدفتين, دفتي مصحف عثمان t.
2.قراءات القرآن: جمع قراءة, وهي: مذهب من مذاهب النُّطق في القرآن, يذهب به إمام من الأئمَّة القراء مذهبًا يخالف غيره([4] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn4)). أي هو مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها.
هذا التعريف يعرف القراءة من حيث نسبتها للإمام المقرئ كما ذكرنا من قبل، أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي e.
والمقرئ: هو العالم بالقراءات، التي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي e.
3.ضابط القراءة المقبولة([5] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn5)): لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم، وهي:
كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها، فهي القراءة الصحيحة.
يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:

أ‌- موافقة العربية ولو بوجه: ومعنى هذا الشرط أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، فلا يصح مثلا الاعتراض على قراءة حمزة. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ﴾([6] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn6)), بجر الأرحام.
ب‌- موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا: وذلك أن النطق بالكلمة قد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أو تقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه. مثال ذلك: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾([7] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn7)). رسمت ﴿مَلِكِ﴾ من دون ألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فهو موافق للرسم تحقيقياً، ومن قرأ: ﴿مَالِكِ﴾ فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً. وقد تختلف القراءتان مع موافة المصحف تحقيقًا, ومثاله من قرأ ﴿تَعْلَمُونَ﴾ بالتاء والياء؛ فإنَّها لم تكن معجمة من قبل. وكذلك: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ بالياء والنون. ولا يشترط في القراءة الصحيحة أن تكون موافقة لجميع المصاحف، ويكفي الموافقة لما ثبت في بعضها، وذلك كقراءة ابن عامر: ﴿وبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ﴾, بإثبات الباء فيهما، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي. وهي في غيره من دون إثبات الباءين: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾([8] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn8)). وكذلك قوله Y: ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴾([9] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn9)), فقد أصقطت (من) في قراءتنا, وأثبتت في باقي المصاحف.
ت‌- تواتر السند: وهو أن تعلم القراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة, بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب.

4.أنواع القراءات حسب أسانيدها([10] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn10)): لقد قسم علماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة أقسام:

أ‌- المتواتر: وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات.
ب‌- المشهور: وهو ما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره, وهو ليس بقرآن.
ت‌- الآحاد: وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل قراءة ابن عباس ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾([11] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn11)), بفتح الفاء.
ث‌- الشاذ: وهو ما لم يصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية. كقراءة ﴿مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ﴾.
ج‌- الموضوع: وهو المختلق المكذوب.
ح‌- المدرج: وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير. كقراءة ابن عباس: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ في مواسم الحج فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾([12] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn12)). فهي زائدة على وجه التفسير.


5.القراءات المتواترة وقُرّاؤها:
أمر بدهي أن يشتهر في كل عصر جماعة من القراء، في كل طبقة من طبقات الأمة، يتفقون في حفظ القرآن، وإتقان ضبط أدائه والتفرغ لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين، وأتباعهم وهكذا.
ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم.
فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثم شيبة بن نصاح، ثم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم.
وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن مُحَيْص. وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النَّجود الأسدي، وسليمان الأعمش، ثم حمزة بن حبيب، ثم الكِسائي أبو علي بن حمزة.
وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثم عاصم الجحدري،ثم يعقوب الحضرمي.
وكان بالشام: عبد الله بن عامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارث الذماري، ثم شريح بن زيد الحضرمي.
ثم جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد المتوفى سنة (324هـ) فأفرد القراءات السبع المعروفة، فدونها في كتابه: (القراءات السبعة) فاحتلت مكانتها في التدوين، وأصبح علمها مفرداً يقصدها طلاب القراءات.
وقد بنى اختياره هذا على شروط عالية جداً، فلم يأخذ إلا عن الإمام الذي اشتهر بالضبط والأمانة، وطول العمر في ملازمة الإقراء، مع الاتفاق على الأخذ منه، والتلقي عنه ، فكان له من ذلك قراءات هؤلاء السبعة، وهم:
1)عبد الله بن كثير الداري المكي, (45-120 هـ).
2)عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي, (8-18 هـ).
3)عاصم بن أبي النَّجود الأسدي الكوفي، المتوفى سنة (127هـ).
4)أبو عمرو بن العلاء البصري، (70-154 هـ).
5)حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، (8-156 هـ).
6)نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، المتوفى سنة (169هـ).
7)أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي، المتوفى سنة (189هـ).
وقد عُلِمَ من مسرد أئمة الأمصار الإسلامية القراء أن القراءات أكثر من ذلك بكثير، لكن ابن مجاهد جمع هذه السبع لشروطه التي راعاها([13] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn13)). وقد تابع العلماء البحث لتحديد القراءات المتواترة، حتى استقر الاعتماد العلمي، واشتهر على زيادة ثلاث قراءات أخراة، أضيفت إلى السبع، فأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشر قراءات، وهذه القراءات الثلاث هي قراءات هؤلاء الأئمة:
8)أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، المتوفى سنة (130هـ).
9)يعقوب بن اسحاق الحضرمي الكوفي، المتوفى سنة (205هـ).
10)خلف بن هشام، المتوفى سنة (229 هـ).

المحور الثاني: القراءات والنحاة:
لقد كانت القراءات معينًا لا ينضب عند النحاة, يتخذون منها شواهد نحويةً كثيرة, وقد سبق الحديث في المحور الأول عن القراءات من حيث ضوابطها وأسانيدها, وإزاء هذا لا بدَّ في هذا المحور من ذكر ما يلي:

1) الشاهد الشعريُّ مقدَّمٌ على الشاهد القرآني؛ ذلك أنَّ من شروط صحَّة القراءة أن توافق وجهًا من وجوه العربية. إذن, فالشاهد الشعري تثبت من خلاله صحَّة القراءة مع الشرطين الأخريين. وهنا أضرب أمثلة:
1. احتجَّ القرَّاء بصحَّة قراءة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ﴾([1] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn1)), بجر الأرحام. بقول الشاعر:


فاليومَ قرّبتَ تهجونا وتشتمِنا ... فاذهبْ فما بك والأيامِ من عجبِ

2. احتجّ القرَّاء بصحة قراءة ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ﴾([2] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn2)), بفتح النون. بقول الشاعر:


سَأَتْرُكُ مَنْزِلي لِبَني تَمِيمٍ ... وألْحَقَ بالحِجَازِ فأَسْتَرِيَحا

3. احتجّ القرَّاء بصحة قراءة ﴿قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ﴾([3] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn3)), بالفصل بين المضاف والمضاف إليه. بقول الشاعر:


فزجـجتُها بِمزَجَّة ... زَجَّ القلوصَ أبى مزاده

وعليه, فالقراءة ابتداءً بحاجة إلى شاهد حتَّى تصح, فلا تكون حجَّة إذا لم توافق وجهًا من وجوه العربية. وهنا قيد؛ إذ إنَّه ينبغي أن لا يكون الوجه الذي وافقته مختلفًا فيه اختلافًا يضرُّ مثله به.
2) النَّظرة إلى القراءات هي النَّظرة نفسُها إلى الشاهد النَّحوي الشعري, فالقراءة حتَّى تصحَّ القاعدة النحوية التي بنيت عليها لا بدَّ من الاطِّراد بها؛ لأنَّ الاطراد شرط من شروط صحَّة القاعدة النحوية. وقبل الحكم بالشذوذ نذهب مذهب التأويل.
3) كلُّ قراءةٍ بها شذوذ, ولا يعني اختلاف القراءات في آية معينة يحتِّمُ أن يكون إحدى وجهيها شاذًّا, ومن هذا قراءة قوله U: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ أو ﴿وَرَسُولَهُ﴾([4] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn4)). فالقراءتان مطردتان؛ فمن قرأ بالرفع فله وجهان: فإمَّا أن يكون على الاستئناف والخبر محذوف يقدره الظاهر, وإمَّا أن يكون على عطف محل ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾, وهو محل رفع؛ لأنه ابتداء. ومن نصب فقد عطف على اسم (إن), وهو لفظ الجلالة.
4) من أنكر القراءة الشاذَّة فقد كفر؛ لأنَّه أنكر قرآنًا يتلى ثبت بطريق متواتر, ومن ردَّها فقد أثم؛ لأنَّه لم يقبل ما هو قرآن. فالقراءة الشاذَّة لا تخطَّأ, ولا تردُّ, ولا تنكر, بل تترك ولا يبنى عليها قاعدة؛ لأنَّ من شروط صحَّة القاعدة الاطراد. والقراءة لا تخطَّأ؛ لأنَّها سنَّة متبعة, لا سبيل فيها للرأي, بل يصار إليها بالسند والرواية.
قال ابن الجزري:" فقولنا, في الضابط:"ولو بوجه". نريد به وجهًا من وجوه النحو، وسواء أكان أفصح أم فصيحًا، مُجْمَعًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم، والركن الأقوم، وكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يُعْتَبر إنكارهم، كإسكان (بارئكم) و (يأمركم), وخفض (والأرحام), ونصب (ليجزي قومًا), والفصل بين المضافين في (قتل أولادهم شركائهم) وغير ذلك"([5] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn5)). وقال أبو عمرو الداني:" وأئمة القرَّاء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، وإذا ثبتت الرواية لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة، لأن القراءة سُنَّة متبعة، يلزم قبولها والمصير إليها"([6] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn6)). وعن زيد بن ثابت قال:" القراءة سُنَّة متبعة". وقال البيهقي:" أراد أن اتباع من قبلنا في الحروف سُنَّة متبعة، لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغًا في اللغة".
وللأسف أن نرى قارئًا مثل الكسائي يردُّ قراءات صحيحة, وقد غلط الفرَّاء غلطًا ذا فجوة بالغة في كتابه (معاني القرآن) لما وصل إليه الحال من تخطيء القراءات الثابتة وردفعها.
5) لقد كان الخليل وتلميذه سيبويه موفقين كثيرًا في نظرتهم للقراءات, فهم يرون أنَّها سنَّة متبعة لا تخطَّأ, ولا يبنى عليها قاعدة مادامت شاذَّةً. وقد أساء الأخفش عندما أخذ يبنى القواعد على القراءات الشاذَّة, وقد وقع الفراء وم نهج منهجه في فحش بالغ لما حصل منهم من بناء قواعد على قراءات شاذة, ومن تخطئتهم لبعض القراءات, ونضرب هنا أمثلة:
1. يقول الله Y: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾([20] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn20)). قرأها بعضهم: ﴿لَيْكَةَ﴾, فقال الفراء: سقطت في بعض المصاحف ألف الوصل والقطع من (الأيكة) فكتبوها (ليكة), والقراء يقرأونها على التمام. ويعلق شوقي ضيف: وكأنَّه بذلك ينكر قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر([21] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn21)).
2. يقول الله Y: ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾([22] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn22)). قرأها بعضهم: ﴿ يُؤَدِّهْ﴾, فقال الفراء: إذا كان ظنَّ هو ومن شاكله من القرَّاء أن الجزم في الهاء, وإنما هو فيما قبل الهاء, وإن كان توهمًا خطأ. ويعلق شوقي ضيف([23] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn23)): وكان حريًّا به أن لا يذكر هذا التوهم والخطأ؛ لأنه عاد وقال موجهًا للقراءة: إنَّ من العرب من يجزم الهاء, أي يسكنها إذا تحرك ما قبلها, فيقول: ضربتُهْ ضربًا شديدًا, وكان ينبغي أن يحمل القراءة على هذه اللغة مباشرة من دون تشكيك فيمن قرأوا بها([24] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftn24)).
6) هذا بالنسبة للقراءات العشر, أما بالنسبة للقراءات المشهورة, ولقراءات الآحاد التي صحَّ سندها فهي شواهد نحوية يحتجَّ بها على الوجه الذي بيناه, وتعامل معاملة الشعر الذي وصل لنا بالرواية, وهي حجَّة في الاحتجاج, وليست حجَّة في التلاوة؛ فيحرم أن يقرأ بها باعتبارها قرآنًا.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم.
1. شمس الدين ابن الجزري: النشر في القراءات العشر. ج: 2, دار الكتب العلمية, ط1, 1998م.
2. محمد عبد العظيم الزرقاني: مناهل العرفان في علوم القرآن. ج: 2, مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه, ط3.
3. مناع القطان: مباحث في علوم القرآن. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع, ط3 , 2000م.
4. شوقي ضيف: المدارس النحوية. دار المعارف, ط9, 2005م.
5. الفراء: معاني القرآن.

[1] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref1) النحل, آية: 47.

[2] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref2) ابن عجيبة, البحر المديد. والسفن الحديدة التي يبرد بها خشب القوس، والقرد الكثير القردان والتامك العظيم السنام: أي أن الرحل تنقص الناقة وتبرد ظهرها كما تنقص الحديدة خشب القسى.

[3] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref3) التوبة, آية: 3.

[4] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref4) مناع قطان, مباحث في علوم القرآن. ص: 177.

[5] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref5) ينظر: ابن الجزري: النشر في القراءات العشر. ج: 1, ص: 20. وكذلك: الزرقاني: مناهل العرفان في علوم القرآن. ج: 1, ص: 422.

[6] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref6) النساء, آية: 1.

[7] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref7) الفاتحة, آية: 4.

[8] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref8) آل عمران, آية: 183.

[9] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref9) التوبة, آية: 100.

[10] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref10) مناع قطان: مباحث في علوم القرآن. ص: 179.

[11] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref11) التوبة, آية: 128.

[12] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref12) البقرة, آية: 198.

[13] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref13) مناع قطان: مباحث في علوم القرآن. ص: 182.

[14] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref14) النساء, آية: 1.

[15] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref15) مريم, آية: 35.

[16] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref16) الأنعام, آية: 137.

[17] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref17) التوبة, آية: 3.

[18] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref18) ابن الجزري: النشر في القراءات العشر. ج: 1, ص: 20.

[19] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref19) جلال الدين السيوطي: الإتقان في علوم القرآن. ج: 1, ص: 75.

[20] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref20) الشعراء, آية: 176.

[21] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref21) شوقي ضيف: المدارس النحوية. ص: 219.

[22] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref22) آل عمران, آية: 75.

[23] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref23) شوقي ضيف: المدارس النحوية. ص: 220.

[24] (http://www.albshara.com/newthread.php?do=newthread&f=64#_ftnref24) الفراء: معاني القرآن. ج: 1, ص: 223. وج: 2, ص: 75.

ذو الفقار
2009-06-13, 04:59 PM
استفدت جدا من هذا الموضوع

جزاك الله خيراً أخي الداعي وزادك علماً ونفعك به

الداعي
2009-06-15, 03:12 PM
استفدت جدا من هذا الموضوع

جزاك الله خيراً أخي الداعي وزادك علماً ونفعك به


حفظك الله أخي ذا الفقار, وكما عودتنا؛ لا تمر عنك المواضيع مر الكرام:p015:, وأرجو أن تكون هذه هي الحال السائدة لدى جميع الأعضاء الكرام.

ما رأيك أيها الهزبر في هذا الموضوع؟ قد تتفق معي في أنه بحاجة لتوسيع أكثر:p018:.

عزتي بديني
2009-06-24, 12:30 AM
بارك الله فيكم ونفع بكم

بحث قيم جزيتم الجنان

elqurssan
2010-01-22, 01:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام اللهِ عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الفلسطينى المِغوار
:p015::p01sdsed22::p015:
أ / عَلىّ
(بارَك اللهُ لنا فيه وأطال َ لنا فى عمره وجزاه ُ عنا كل خيِّـر)
ممُتاز :p01sdsed22:كعادتكم

ابو علي الفلسطيني
2010-01-22, 06:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

ارجو مراجعة الرابط ادناه ...

http://www.alukah.net/articles/1/51.aspx