المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير حول (غَيْرٌ)



الداعي
2009-10-09, 01:11 AM
تقرير حول (غَيْرٌ)

الاسم: علي "محمد زايد" غيث.
الدكتور: ناجح صوافطة.


‏السبت‏، 24‏ تشرين الأول‏، 2009

لا جرم أنَّ لفظ (غير) قد حظي باهتمام النحاة والمعجميين لما لقيه من قبول واتساع لدى ألسنة الناس الفصيحة والعامية, ويتناوله اللغويون في مبحث الإضافة والاستثناء, ويتناوله المعجميون في مادة (غ.ي.ر). وفي هذا التقرير لا بدَّ من إيماءات لطيفة تتمثل بالآتي:
· (غَيْرٌ): هي نكرة مُتوغلةٌ في الإبهام والتَّنكير، ولا طائل من إضافتها إلى المعرفة؛ لأنها لا تحوز بذلك تعريفًا. وعليه, يقتصر الوصف بها على أمرين ليس غير, ألا وهما:
1. النكرة, نحو قول الله I: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾([1] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftn1)).
2. شبه النكرة, وهي المعرفة لفظًا لا معنى, نحو: المجتهدون غيرك كثير. فليس المرام مجتهدين بعينهم.
بيد أنَّ (غير) تحوز تعريفًا في حال واحدة عند إضافتها, ألا وهي: وقوعها بين ضدين لا قسيم لهما, نحو: عجبت من قيامك غير قعودك. ونحو: عجبت من حركة غير سكون. ونحو قول الله I: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾([2] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftn2)). والجمع أغْيارٌ حسب مختار الصحاح.
· دخول (أَلْ) على (غير): اختلف النحويون في ذلك على ثلاثة آراء, ألا وهي:
1. منع قومٌ دخول (أل) على (غير) مطلقًا؛ لأنها نكرة لا تعرف بالإضافة.
2. وأجاز قومٌ ذلك مطلقًا؛ لأن (غير) لا تنقطع عن الإضافة, ودخول (أل) عليها هو عوض عن الإضافة.
3. وقوم أجاز دخولها إذا كانت (غير) بمعنى (ضد), ليس غير. جاء في مختار الصحاح: (الوَسِيلة ما يتقرب به إلى الغير). فهنا استعمل (غير) بمعنى (ضد).
والحقَّ نراه لدى أصحاب الرأي الثالث, فإدخال (أل) على (غير) بمعنى (ضد) مطردٌ في كلام العرب. ومما يجدر ذكره, الخطأ في تعريف (غير) مع إضافتها, فهذا الذي لم يجزه أحد إلا قلَّة, نحو: الطريق الغير المستقيمِ. ونحو: الغير ممكنٍ. ومنع النحويون ذلك؛ لأنه لا يجتمع سببا التعريف: الإضافة, و(أل). ومما استرعى حفيظتي هو ورود هذا النص في القاموس المحيط: (الوَلْثُ: القَليلُ من المَطَرِ والعَهْدُ الغَيْرُ الأَكيدِ)؛ ذلك أنه استخدم هذه الصياغة: (الغَيْرُ الأَكيدِ), ففوق كونه عرَّف (غير), إلا أنه أبقاها مضافًا!! وبعضهم جوَّز هذا؛ لأن المضاف والمضاف إليه يصبحان بمنزلة الكلمة الواحدة, وهذا وجه ضعيفٌ جدًّا نحويًّا.
· استعمال (غير): الأصل فيها أنها صفة, جاء في مختار الصحاح: (وذلك أن أصل غَيْر صفة, والاستثناء عارض). ولها معانٍ أخر تتمثل بالآتي:
1. (إلا): تنوب (غير) عن (إلا)؛ وتكون منصوبةً, وما بعدها يكون مضافًا إليه دائمًا, نحو قول الله I: ﴿مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾([3] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftn3)). أي: إلا ساعةً.
2. (ليس): تنوب (غير) عن (ليس), نحو قول العرب: القرآن غير مخلوق, أي: ليس بمخلوق.
3. (لا): تنوب (غير) عن (لا) النافية, نحو قول الله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾([4] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftn4)), أي: لا باغيًّا ولا عاديًا.
· حركة إعراب (غير): لقد سبق القول إلى أن الأصل في (غير) أنها صفة, والصفة تتبع الموصوف, فحركتها هنا تكون تبعًا للموصوف. وفي حال كونها استثناءً, تكون حركتها مثل حركة المستثنى بـ(إلا), وتأتي مبتدأً, وخبرًا, وفاعلاً, ومفعولاً به, وحالاً, واسمًا مجرورًا, واسم (كان) وخبرها, واسم (إنَّ) وخبرها.
· (غير) وما ينوب عنها:
1. تنوب أداة الاستثناء (إلا) عن (غير) في حال كونها نعتًا, نحو قول الله I: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾([5] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftn5)). أي: غيرُ اللهِ. وقال عمرو بن معد يكرب:

وكُلُّ أَخٍ مُفارِقُهُ أخوه ... لَعَمْرُ أبيكَ إلاَّ الفَرقدانِ
كأنّه قال: غير الفرقدين. و(الفرقدان): نجمان قريبان من القطب لا يفترقان. وفيه ردٌّ على المبرّد الّذي زعم أنّ الوصف بـ(إلاَّ) لم يأتِ إلا فيما يجوز فيه البدل؛ فـ(إلاّ الفرقدان) صفة ولا يمكن فيه البدل.
وكذلك تنوب (إلا) عن (غير) في حال كونها اسمَ (ليس) أو خبرها, نحو قولهم: (ليس إلا), أي: ليس إلا ذلك.
2. تنوب أداة النفي (لا) عن (غير) في حال كونها نعتًا, وتكون غير مقيدة للأولى مبينة لوصفه, ولها حالتان: حالة لا يجب تكريرها, وحالة يجب تكريرها: أمَّا الحالة التي لا يجب تكريرها, فهي أن تأتي (لا) مع أحد هذه الشروط الثلاثة:
أ‌- أحدها: أن تدخل على لفظ (شيء)، سواء انجر بالإضافة، نحو: هو ابن لا شيء. أو بحرف الجر، نحو: وغضبت من لا شيء. أو انتصب, نحو: إنك ولا شيئا سواء. أو ارتفع، نحو: أنت لا شيء.
ب‌- وثانيها: أن ينجر ما بعد (لا) بباء الجر قبلها، نحو: كنت بلا مال، ولا ينجر_ إذا لم يكن لفظ شيء _إلا بالباء من بين حروف الجر، ولم يثبت انجراره بالإضافة.
ت‌- وثالثها: أن يعطف ما بعد (لا) على المجرور بغير، نحو قول الله I: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾. وقولك: زيد غير الفارس ولا الشجاع.
ولا يجوز: أنت غير زيد ولا عمرو؛ لأن العرب راعت صورة (لا) غير مجعولة بمعنى (غير) فإنها يلزم تكريرها مع العَلَم. وأما المعرف باللام فإن التعريف فيه غير مقصود قصده، فهو في حكم المنكر، ويجوز عدم تكريرها مع المنكر قبل جعلها بمعنى (غير)، نحو: لا رجل ولا غلام رجل بخلاف العَلَم، وأما المعرف باللام مع (لاء) التبرئة، فلا بد معه من تكريرها في نحو: لا الرجل في الدار ولا المرأة، استضعف هذا التعريف بعد خروج (لا) إلى معنى (غير)، ولضعفها أيضا بهذا الخروج، فجوز عدم تكريرها، نحو: أنت غير الفارس ولا الشجاع، وألزمت التكرير قبل خروجها لقوتها.
وأمَّا الحالة التي يجب تكرير (لا) معها, فهي إن كانت مجردة عن هذه الشروط، نحو قول الله I: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾([6] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftn6)). أي: غيرِ ظليلٍ وغيرِ مغنٍ من اللهب. وقولك: زيد لا راكبٌ ولا ماشٍ. وكذلك قولك: ما جاءني زيد لا راكبا ولا ماشيا.
· استعمالات فصيحة لـ (غير):
1. ليس غَيْرُ: هنا حذف المضاف إليه (ذلك) تخفيفاً, واكتفاءً بعلم المخاطَب وما يعني. وتبنى على الضمِّ, وجعله الأخفش ضمَّ إعراب، ولم تنون لنية لفظ المضاف إليه، ويجوز رفعها منونةً لقطعها عن الإضافة رأساً. غير أنَّهم قد اختلفوا في إعرابها؛ فهي اسم ليس والخبر محذوف لدى بعض النحويين، أو هي الخبر والاسم محذوف لدى بعضهم الآخر. ويجوز نصبها على الخبرية منونةً لقطعها عن الإضافة، وبلا تنوين لنيَّة اللفظ بالمضاف إليه, وهي في محلِّ نصبٍ إن كانت مبنيةً على الضمِّ.
فائدة (1): قرَّرَ ابن هشام أنَّ قولهم (لا غيرُ) لحنٌ. بيد أنَّ ابن الحاجب قد قال به, وأنشد ابن مالك:

جَوَاباً بِهِ تَنْجُو اعْتَمَدْ فَوَرَبِّنَا ... لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غَيرُ تُسْأَلُ
فائدة (2): قد تكون (غير) في قولنا (ليس غير) بمعنى (أكثر), نحو: أريد حقي ليس غير, أي: ليس أكثر.
2. غَيْرَ مرة: هنا (غير) بمعنى (أكثر), وقد استخدم هذا اللفظ أئمة العربية؛ يقول ابن جني في خصائصه: (وسمعت الشجريّ غير مرّة يقول: زئِير الأسد يريد الزَئِير). وقد قال الشاعر:

وقد كان إحساني لهم غيرَ مَرّة ... ولكنّ إحسان البَغِيض مُكَفَّر
وتقول العرب: (نهيتك غير مرة, فلم تنته!!), أي: مرارا.
3. غَيْرَ أنَّ: وهو تعبير يفضله البلغاء, نحو قول أبي تمام:

لَزِمُوا مَرْكزَ النَّـدَى وذَرَاهُ ... وعَدَتْنا عَنْ مِثلِ ذاكَ العَوادي
غيرَ أنَّ الرُّبَى إلى سَبَلِ الأَنْ ... وَاءِ أَدْنَى والحـظُّ حظُّ الوِهَاد
فائدة: أسلوب (غير أن) يفيد إخراج ضدّ ما قبله, فإن كان ما قبله محمودًا يكون ما بعده مذمومًا, والعكس يقضي العكس, فإن كان ما قبله محمودًا وما بعده محمودًا, فيسمى (المدح في أسلوب الذم), نحول قول النابغة الذبياني:

ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بهِنَّ فُلُولٌ مِن قِراعِ الكَتائِب
وكذلك قول النابغة الجعدي:

فتىً كملتْ أخلاقهُ غير أنَّهُ ... جوادٌ فَما يُبقي من المالِ باقِيَا
وكذلك قول القطامي:

ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ قُدورَهم ... على المالِ أمثالُ السِّنين الحَواطمِ
وإن كان ما قبله مذمومًا وما بعده مذمومًا, فيسمى (الذمَّ في أسلوب المدح), نحو قول جوَّاس بن القَعْطل:

ولا خيرَ فيه غيرَ أنَّ سَوامَه ... يُعنِّي الَّذي يرجو نَداه ويخدَعُ
وكذلك قول العُجير:

ولا خير في أقوالكم غير أنَّها ... تَروق العيونَ كثرةً حين تُنقلُ
وكذلك قول عمارة بن عقيل:

ولا خيرَ فيه غيرَ أنَّ جيادَهُ ... مسوَّمةٌ ليستْ بهنَّ كُلومُ



تمَّ بحمد الله.


[1] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftnref1) النساء, آية: 56.

[2] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftnref2) الفاتحة, آية: 7.

[3] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftnref3) الروم, آية: 55.

[4] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftnref4) البقرة, آية: 173.

[5] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftnref5) الأنبياء, آية: 22.

[6] (http://www.##############/forum/showthread.php?t=30987#_ftnref6) المرسلات, آية 30_31.

الهزبر
2009-10-09, 12:20 PM
السلام عليكم



النص في القاموس المحيط: (الوَلْثُ: القَليلُ من المَطَرِ والعَهْدُ الغَيْرُ الأَكيدِ)


تقصد محيط الفيروز ابادي.

ما رايك في هذا اخي الداعي.

(غير) تعرّف ما قبلها بضده الذي ياتي بعدها. او العكس.

صراط الذين أنعمت عليهم

غير

المغضوب عليهم.

الذين انعم عليهم الله هم ضد الذين غضب الله عليهم. فان لم يفهم احدنا من هم الذين أنعم الله عليهم او لم يعرف حالهم مع الله عرف ذلك من خلال ما بعد غير فهم الذين رضي الله عنهم وانعم عليهم.

فما رايك

الداعي
2009-10-11, 04:46 PM
أيها الهزبر, بورك لك زوجك, وجمع الله بينكما بخير, وأخرج منكما زرعًا طيِّبًا مباركًا فيه. اللهم آمين.


أخي الهزبر:
· لقد ورد النص المشار إليه في معجمين, ألا وهما: (القاموس المحيط), لمؤلفه: محمد بن يعقوب المعروف بـ(الفيروز آبادي), و(تاج العروس من جواهر القاموس), لمؤلفه: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بـ(مرتضى الزَّبيدي).
· أمَّا فيما طلبت رأيي فيه, فهو لا يكون إلا في حال واحدة قد أومأت إليها بالتقرير؛ إذ قلت: (بيد أنَّ (غير) تحوز تعريفًا في حال واحدة عند إضافتها, ألا وهي: وقوعها بين ضدين لا قسيم لهما, نحو: عجبت من قيامك غير قعودك. ونحو: عجبت من حركة غير سكون. ونحو قول الله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾). فقولك صحيح, أيها الهزبر.
· القرآن متماسك في معانيه, وقول الله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ يفصح عنه قوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾, (النساء: 69). وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾, (مريم: 58).
· جزاك الله خيرًا على حسن استفسارك.

الهزبر
2009-10-12, 12:40 PM
السلام عليكم

جزيت خيرا وزادك الله علما.