قلنا في مشاركة سابقة أن أبا حنيفة تفقه على يد أستاذه حماد بن أبى سليمان و قد لازمه 18 عاما حتى قال حماد (أنزفتنى يا أبا حنيفة) كناية عما أخذه منه من علوم ، وقلنا أيضا فيما سبق أن أبا حنيفة كان من أصحاب علم الكلام و لكنه تحول إلى الفقه فراح يجمع حوله التلاميذ ثم يطرح القضية لمناقشتها فإذا نضجت دونت ، و قد منح تلاميذه قدرا كبيرا من الحرية فلم يتركوا مسألة دون نقاش بينما تجد إماما مثل مالك يملى على طلبته ما يراه دون مناقشة و كانت طريقة الأحناف مشجعة على إتاحة فرصة جيدة للتلاميذ للتدريب على الإجتهاد و ضبط المسائل كما سار الأحناف وفق منهج واضح يتحرى العلة و يبحث عنها و لكنهم إبتدأوا أولا بالفقه ثم إستخرجوا الأصول و القواعد منه فيما بعد.
و قد كان للإمام أبى حنيفة جمهور من التلاميذ على رأسهم أبو يوسف الذى صار قاضيا للقضاة و محمد بن الحسن الشيبانى و زفر بن الهزيل و الحسن بن زياد .
و قد أوجدوا بعض المصطلحات الخاصة بهم ( سيتم التطرق إليها لاحقا في مشاركة مستقلة ) فإذا إتفق أبو حنيفة و أبو يوسف قالوا (إتفق الصاحبان) و قد أطلق على الأحناف أهل الرأى و هو التوجه الشائع فى الكوفة ، و كان أبو حنيفة يعمل بكتاب الله أولا فإن لم يجد فسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن لم يجد فى الكتاب أو السنة رجع إلى قول الصحابة أو الإجماع و إلا فالقياس أو الإستحسان أو العرف .
و قد كتب أبو حنيفة كثيرا فى مسائل الفقه إلا أن هذه الكتابات لم يصل إلينا منها شىء و قد ذكر المؤرخون أن لأبى حنيفة كتبا كثيرة منها كتاب ( العلم و التعلم) و كتاب (الرد على القدرية) و كتاب (الفقه الأكبر) هذا بالإضافة إلى أن أبا حنيفة قد إنفرد بإخراج 215 حديثا هذا بخلاف ما اشترك فى إخراجه مع بقية الأئمة كما أن له سندا روى فيه 118 حديثا كلها فى باب الصلاة و قد قام بجمع الأحاديث التى أخرجها أبو حنيفة "أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمى" فى 800 صفحة كبيرة و قد طبع هذا المسند فى مصر ، و يرجح كثيرا من العلماء أن تلاميذ أبى حنيفة تلقوا عنه الأخبار و الفقه و دونوها و قاموا بتبويبها و من ذلك كتاب الآثار لأبى يوسف و كتاب الآثار لمحمد بن الحسن و إن كان أبو حنيفة لم يدون بنفسه شيئا من محتويات هذه الكتب .
و قد قال عنه الإمام الشافعى ( ما طلب أحد الفقه إلا كان عيالا على أبى حنيفة) .. و من أقوال أبى حنيفة: ( ما جاء عن الرسول صلى الله عليه و سلم فعلى الرأس و العين و ما جاء عن الصحابة اخترنا و ما كان من غير ذلك فهم رجال و نحن رجال ) ..
و كان من أشهر آرائه الفقهية ما قاله فى جواز إخراج زكاة الفطر نقودا و قد إشتهر المذهب الحنفى فى الكوفة و بغداد و مصر و الشام و تونس و الجزائر و اليمن و فارس و الصين و سمرقند و الأفغان و القوقاز .
و كان الخليفة أبو جعفر المنصور قد حلف على أبى حنيفة أن يتولى القضاء و حلف أبو حنيفة ألا يفعل و قال "إن أمير المؤمنين أقدر منى على كفارة أيمانه" فأمر بحبسه حتى توفى رحمه الله فى السجن سنة 150 هـ.
يتبع...
المفضلات