بارك الله فيك يا شيخ عماد على هذه التذكرة الطيبة
فهذا هو الموت يأتي بغتة ، بلا اشتراط سن ، أو مرض ، أو حادثة .
ولا زلت أذكر حادثة وفاة أحد أقاربي منذ 8 سنوات ، أسوقها للعبرة ، حيث كنا قد تواعدنا على اللقاء في يوم وفاته صباحاً ، وكان شابا في مقتبل العمر 23 عاماً ، يمتلئ بالحيوية والنشاط ، وكان يستيقظ من نومه في السادسة صباحاً ليذهب إلى عمله كل يوم .. ولم يشتكِ يوما من أي مرض .
وكان آخر اتصال بيننا في تمام السادسة والنصف وكنت في طريقي إلى المكان الذي اتفقنا أن نلتقي عنده وهو أمام الباب الرئيسي لجامعة القاهرة ، وكان مسكنه قريبا من الجامعة .. أخبرني في هذا الاتصال بأنه يقوم بتحضير الإفطار ، و(هياكل لقمة خفيفة في السريع وسيكون متواجدا في موعده أمام بوابة الجامعة) .
بعد هذا الاتصال بربع ساعة كنت أمام باب الجامعة في انتظاره ، وقمت بالاتصال به فلم يرد ، فقلت في نفسي : طالما ما ردّش يبقى على وشك الوصول خلاص .
ومضت ثلث ساعة . ولم يأت .
فقمت بالاتصال مرة أخرى ، وكنت مستحلفله ، ومجهّزله دش تهزيق يخليه يحترم مواعيده بعد كده .
فجاء صوت أخته على الجانب الآخر وهي تقول (أيوه) ، وسط ضجيج كثيف حتى أنني لم أميّز الصوت ، وظننته هو ، فقلت : إنت يا ابني مش هتبقى راجل بأه وتحترم مواعيدك ؟
فقالت لي وقد امتلأ صوتها بالبكاء ، أنا (فلانة) يا أمير ، (فلان) مات ، استيقظنا على صوت حاجة في الصالة بتقع وتتكسر فخجرت جري لقيته واقع على الأرض ميت ، وطبق الأكل جنبه
ماصدقتش طبعا ، ولا يمكن كنت أصدق حاجة زي دي ، حتى لو اتنططت قدامي ، وقلتلها :
- مات ايه يا بنتي انتي كمان ؟ فين الواد ، ده لسه كان معايا على التليفون وقالي إنه جاي .
فسمعت صوتها تبكي ، ثم قطعت الاتصال .
بقيت واقف في الشارع زي التايه ، معقول يكون مات ؟
ليه طيب وإزاي ؟ هي البت دي اتجننت ولا إيه ؟
بس دي بتعيط بجد .
لقيت نفسي بطير على بيته وأنا واثق تماماً إنه هيفتح الباب بنفسه وألاقيه بيضحك بشماتة ورزالة ويقولي : "عملنا فيك مقلب" . وساعتها برضه هكسر البيت على دماغه ودماغ أخته ، علشان يموت بجد بأه على إيدي المرة دي .
وبمجرد ما وصلت لناصية الشارع لقيت ازدحام شديد أمام منزله ، ولقيت قلبي بيدق طبول وأنا سامع صوته .. وبقول في نفسي : إيه الحلم ده ، أنا مش مصدق.
وقطعت المسافة لغاية بيته جري وأنا مش داري باللي حواليا ولا سامع حاجة غير : "هاكل لقمة في السريع وهكون موجود في المعاد" .
ولا اعرف طلعت إزاي للشقة وسط الجموع الحاشدة اللي كانت مالية المكان ، لغاية ما دخلت لقيت أمه قاعدة في الصالة على طرابيزة السفرة والناس حواليها ، وأطباق الأكل والخبز لسه مكانها ، ولقيت نفسي بنزعق فيهم : مات إزاي ده ؟ هو فين ؟
المفضلات