ونحن نرى أن كل خطاب (مهما كانت سطحيته وماديته) يحوي بُعداً معرفياً، هو، في واقع الأمر، إجابة على بعض الأسئلة الكلية والنهائية (وهي أسئلة تدور حول ماهية الإنسـان: أهو مادة ومتجاوز للمادة أم مادة وحسـب؟ هـللحياته معنى أم لا؟ ومن أين يستمد معياريته؟). والإجابة عن هذه الأسئلة هي التيتحدد طبيعة النظام السياسي والاقتصادي والمعرفي والأخلاقي والدلالي والجمالي. فإنكان الإنسان مادة وحسب خاضعاً لقوانين الحركة يستمد معياريته من الطبيعة/المادة،فإن هذا يؤدي إلى تَوجُّه مختلف تماماً عما لو كان الافتراض الأساسي هو أن الإنسانمكوَّن من مادة وما يتجاوز المادة، وأن حياته لها معنى، وأنه يستمد معياريته مما هومتجاوز للطبيعة/ المادة. والمرجعية الكامنة (في المادة) ترى أن الإنسان مادة وحسب،حدود المادة هي حدوده، ولذا فهي تجعل له إنساناً ذا بُعد واحد تقضي عليه وترده إلىالمادة وينتهي الأمر بالفلسفات المادية إلى إنكار مفهوم الإنسانية المشتركة،باعتبار أنه يشكل نقطة ثبات متجاوزة لحركة المادة، أي أنه يفلت من قبضة الصيرورة. أما المرجعية المتجاوزة، فترى أن الإنسان مادة وشيء غير المادة (يُسمَّى «الروح» فيالمنظومات التوحيدية، وله أسماء أخرى في المنظومات الإنسانية الهيومانية) وأن حدودهذا الإنسان بالتالي ليست حدود المادة، ولذا فهو إنسان متعدد الأبعاد قادر علىتجاوز الطبيعة/المادة وذاته الطبيعية/المادية.