هذه رؤية ثنائية حادة تنكر تاريخالآخر وإنسانيته ولا تقبله إلا كمادة استعمالية. وقد تكررت ممارسات النظامالإمبريالي الدولي القـديم بأشـكال تتراوح بين درجات مختلفة من الحدة والتبلور فيأنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ولكن النظام الإمبريالي، شأنه شأنأي نظام حلولي كموني مادي، ينتقل من الصلابة إلى السيولة. وفي هذا الإطار لا يمكنأن تظهر أنا مقدَّسة أو غير مقدَّسة، فكل شيء نسبي لا يعرف الثنائية أو التجاوز.
وقد تبدت المرحلة السائلة في تحولات النظام العالمي القديم إذ حدثت تطوراتتاريخية عميقة لا تشكل لحظة إفاقة أخلاقية تاريخية (وكيف يمكن أن نتوقع هذا منحضارة مؤسسة على أساس القانون الطبيعي والفلسفة النيتشوية والداروينية؟) وإنما تشكللحظة إدراك ذكية من جانب الغرب لموازين القوى.
ونحن نلخص أسباب ظهور النظام العالمي الجديد فيما يلي:
1 ـ أدرك الغرب عمق أزمته العسكرية والثقافية والاقتصادية، وأحـس بالتفكك الداخلي وبعجزه عن فرض سياساته بالقوة.
2 ـ أدرك الغرب استحالة المواجهة العسكرية والثقافية والاقتصادية مع دول العالم الثالث التي أصبحت جماهيرها أكثر صحواً ونُخَبها أكثر حركية وصقلاً وفهماً لقواعد اللعبة الدولية.
3 ـ أدرك الغرب أنه على الرغم من هذه الصحوة، فإن ثمة عوامل تفكك بدأت تظهر في دول العالم الثالث، حيث ظهرت نخب محلية مستوعبة تماماً في المنظومة القيمية والمعرفية والاستهلاكية الغربية يمكنه أن يتعاون معها ويجندها، وهي نُخَب يمكن أن تحقق له من خلال السلام والاستسلام ما فشل في تحقيقه من خلال الغزو العسكري.
لكل هذا قرَّر الغرب أن يلجأ للالتفاف بدلاً من المواجهة، وبذا يستطيع حل إشكالية عجزه عن المواجهة ويتخلى عن مركزيته الواضحة وهيمنته المعلنة ليحل محلها هيمنة بنيوية تغطيها ديباجات العدل والسلام والديموقراطية التي ينقلها البعض بببغائية مذهلة.
المفضلات