1 سورة التوبة، الآية 105.
2 سورة طه، الآية 46.
3 سورة النحل، الآية 79.
4 سورة هود، الآية 37.
5 سورة الطور، الآية 48.
6 سورة المائدة، الآية 83.
7 سورة ص، الآية 75.
8 سورة المائدة، الآية 64.
ص -163- معنى لا يعلمه إلا الله؛ فيفوضون معناها إلى الله، ويزعمون أن هذه طريقة السلف، وقد كذبوا على السلف ونسبوا إليهم ما هم برآء منه؛ لأن عقيدة السلف إثبات صفات الله عزَّ وجلّض كما دل عليها الكتاب العزيز والسنة النبوية، وأنها على ظاهرها، ويفسرون معناها على ما يليق بجلال الله، ولا يفوضونها، بل وهي عندهم من المحكم لا من المتشابه.
قال - رحمه الله -: "وأما على قول أكابرهم [ يعني: نفاة الصفات ]: إن معاني هذه النصوص لا يعلمه إلا الله، وإن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها، فعلى قول هؤلاء يكون
الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني نا أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ؛ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كرما لا يعقلون معناه...".
إلى أن قال - رحمه الله -: "ومعلوم أن هذا قدح في
القرآن والأنبياء، إذا كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبُّر القرآن وعقله، ومع هذا؛ فأشرف ما فيه، وهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقا لكل شيء، وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر ونهى، ووعد وتوعد، أو ما أخبر به عن اليوم الآخر: لا يعلم أحد معناه؛ فلا يعقل، ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بيَّن للناس ما نُزَّلَ ولا بلَّغ البلاغ المبين".
وقال - رحمه الله - نافيا هذا القول عن السلف: "وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله؛ فنقول: ما الدليل على ذلك؟ فإنَّي ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة ولا أحمد
ص -164- ابن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية [ يعني: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ...}1 الآية ، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تمر كما جاءت، نهوا عن تأويلات الجهمية، وردوها، وأبطلوها، التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بيِّنة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية، يقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها؛ فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا، وأن لا يسكت عن بيانه وتفسيره، بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة؛ من غير تحريف له عن مواضعه، أو إلحاد في أسماء الله وآياته".
هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله، وحكاه عن الأئمة والسلف؛ أنهم لا يجعلون نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يفهم معناه ويجب تفويضه، بل كانوا يعلمون معاني هذه النصوص ويفسرونها، وإنما يفوِّضون علم كيفيتها إلى الله - عز وجل؛ كما قال الإمام مالك وغيره: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" .
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: "وأما قوله تعالى: {مَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}2؛ فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت؛ من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله؛ فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}3، بل الأمر كما قال الأئمة؛ منهم نعيم بن حماد