التحامـــل علــى اليهـــود
Prejudice Against the Jews

«التحامل على اليهود» ـ حسب رأي الحاخامأبا هليل سيلفر ـ يختلف عن «التعصب ضد اليهود». فالتعصب هو الرفض الجذري والنشطالذي يمارسه بعض أعضاء الأغلبية ضد أقلية إثنية أو دينية ما. وفي حالة أعضاءالجماعة اليهودية، فإن التعصب يترجم نفسه إلى «معاداة اليهود» وما يصاحبها من أنماطإدراكية ثابتة قد تتحوَّل إلى هجوم شرس عليهم. أما التحامل، فهو أقرب ما يكون إلىمزاج سلبي ضد أعضاء أقلية ما وعدم تقبُّل لهم، وهو لا يترجم نفسه إلى إرهاب وعنف بليأخذ شكل نكتة ساخرة أو تمييز خفيف يتعلق بالتفاصيل وليس بالجوهر والحقوق. والتحاملظاهرة موجودة في كل المجتمعات البشرية وليس من المحتمل أن تزول إلا في نهايةالتاريخ، فعلاقة الأغلبية بالأقلية سيشوبها دائماً نوع من التوتر.

والتحاملعلى أعضاء الجماعات اليهودية أمر موجود بطبيعة الحال في معظم المجتمعات التي يوجدونفيها، ولكن ما يحدث أن كثيراً من الصهاينة يخلطون بين التحامل على اليهود والتعصبضدهم وتصبح كل الأمور بالنسبة لهم « عداءً للسامية ». والهدف من هذا هو تأكيد عزلةاليهود وتأكيد أن مجتمعات الأغيار تنبذهم بطبيعتها، ومن ثم لا يوجد حل سوى الحلالصهيوني. وقد بين العالم الإسرائيلي موردخاي ألتشولار أن ما يواجه يهود روسياوأوكرانيا في الوقت الحالي ليس هو العداء الشرس لليهود وإنما هو شكل من أشكالالتحامل عليهم وحسب (ولكنه لم يستخدم المصطلح). وقد شبه ألتشولار يهود روسيا بيهودالولايات المتحدة، فاليهود المتعلمون الباحثون عن النجاح المادي والمهني منهممستعدون للتعايش مع قدر غير محسوس من معاداة اليهود أو التحامل عليهم، أي إذا لميكن هذا العداء ملموساً في حياتهم اليومية ولا يعوق تقدُّمهم واندماجهم.

معاداة السامية الجديدة
New Anti-Semitism
«معاداة الساميةالجديدة» (أي «معاداة اليهود الجديدة») مصطلح ظهر مؤخراً في المعجم الصهيوني يشيرإلى عدة مدلولات من أهمها ما يلي:

1 -
ما يزعم الصهاينة أنه أشكال جديدة منمعاداة السامية، هي في حقيقة الأمر إعادة إنتاج للأشكال القديمة. ويضربون مثلاًلهذا بالعداء للدولة الصهيونية. فحينما ترتكب الدولة الصهيونية مذبحة مثل قانافتدمغها معظم دول العالم، وحينما تُبنَى مستوطنة جديدة في القدس أو على حدودهاوتصدر هيئة الأمم المتحدة قراراً بإدانتها، فإن هذا يكون تعبـيراً عن النمطالقـديم: عـداء الأغيار الأزلـي لليهود.

2 -
يُستخدَم المصطلح أيضاًللإشارة إلى ما يسميه الصهاينة «معاداة السامية الإسلامية»، أي عداء المسلمينلليهود. وهم يرون أن هذا النوع من العنصرية آخذ في التزايد حيث ينظر المسلمون إلىاليهود باعتبارهم "أعداء الله"، وأن إسرائيل تعبير عن المؤامرة اليهودية الأزلية.




البابالثانى: بعض التجليات المتعينة لمعاداة اليهود



بعــض التجليـــات المتعيِّــنة لمعـــاداة اليهــــود
Some Concrete Manifestations of Anti-Semitism
يمكن تفسير ظاهرة معاداة اليهود من خلال نموذجتفسيري وتصـنيفي واحد مركب تتفرع عنه عدة نماذج فرعية تتـبدَّى، هي بدورها، فيأحداث ووقائع ومؤلفات بعينها، مثل: اضطرابات فيتميلخ، وحادثة دريفوس، وتهمة الدم،وبروتوكولات حكماء صهيون. وفي كل مدخل، سنحاول أن نعرض لموقف كلٍّ من الرؤيةالعرْقية المعادية لليهود والرؤية الصهيونية من الظاهرة أو القضية موضوع الدراسة ثمنحاول أن نقدم تفسيراً أكثر تركيباً وأقل اختزالية.

طـــرد اليــــهود
Expulsion of Jews
يُشير مصطلح «طرد اليهود» في الكتابات الصهيونية إلىمجموعة من الوقائع التاريخية التي حدثت في مجتمعات وتشكيلات حضارية مختلفة تحت ظروفمختلفة لا يربطها أي رابط. والواقع أن الحديث عن «طرد اليهود»، كما لو كان ظاهرةتاريخية واحدة، هو تعبير عن الإيمان بوجود تاريخ يهودي واحد يُعبِّر عن هوية يهوديةواحدة (منبوذة من الأغيار)، وأن اليهود شعب عضوي منبوذ.

وفيما يلي بعضتواريخ الطرد المهمة:

724
ق.م التهجير (النفي) الآشوري.

586
ق.مالتهجير (النفي) البابلي.

139
ق.م القاضي (برائيتور) ، هسبالوس يطرد اليهودمن روما.

19
ق.م تايبريوس ينفي الأجانب (ومن بينهم اليهود).

50
مكلوديوس يأمر بطرد اليهود من روما.

70
م هدم الهيكل على يد تيتوس وطرداليهود من فلسطين (وتعد هذه هي أهم حادثة طرد من المنظور اليهودي والمسيحي).

94
م دوميتان يطرد المسيحيين واليهود .

135
م طرد اليهود من القدسوتحريم دخولها عليهم.

415
م الطرد من الإسكندرية

624 - 628
م الطردمن الجزيرة العربية أيام الرسول .

1467
م الطرد من تلمسان

ولكن أهموقائع الطرد توجد داخل التشكيل الحضاري الغربي في العصور الوسطى وبعدها:

1290
م إنجلترا

1492
م إسبانيا

1306 - 1394
م فرنسا

1495
م ليتوانيا

1367
م المجر

1497
م البرتغال

وقدشهد القرنان الرابع عشر والخامس عشر حوادث طرد من مدن إيطاليا وألمانيا:

1426
م كولونيا

1453
م برسلاو

1439
م أونسبرج

1648
م ثورة شميلنكي في أوكرانيا

واستمر الطرد حتى العصر الحديث:

1744 - 1752
م بــراغ

وبعد ذلك التاريخ، تأسَّست منطقة الاسـتيطان، وهو ما كانيعني:

1772
م الطرد من بقية روسيا

1891
م الطرد من موسكو

وقام الروس بعد الثورة البلشفية، والنازيون بعد استيلائهم على الحكم، بنقلأعداد من اليهود من أماكن إقامتهم إلى أماكن أخرى. كما هاجر يهود البلاد العربيةإلى إسرائيل وأوربا بعد عام 1948. وتُصنِّف الموسوعة اليهودية هذه الأحداثالتاريخية كافة باعتبارها « حوادث طرد ». وتذكر أنه يمكن تصنيفها على أسس مختلفةإلا أن الدافع الجذري وراءها جميعاً هو كُره اليهود «ومعاداتهم »!

وغني عنالقول أن هذه الوقائع لا يربطها رابط، فالتهجير الآشوري والبابلي شملا أقواماًعديدة أخرى لضمان أمن منطقة عبر النهر، أي منطقة الشام. وفي كثير من الأحيان، لميكن الحكام الآشوريون أو البابليون يعرفون شيئاً عن العبرانيين، فكانت تَصدُرالأوامر بهدم منطقة أو تهدئتها، الأمر الذي كان يعني إخلاءها من معظم سكانهاوأقوامها، وبخاصة من أعضاء النخبة. وقد شهد عام 139 ق.م أول عملية طرد لأعضاء إحدىالجماعات اليهودية، بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث إنها لم تكن تهجيراً كالتهجيرالبابلي مثلاً، وليست فراراً كما حدث مع ثورة شميلنكي. ويبدو أن سبب عملية الطرد منروما هذه هو الخوف من تحوُّل المواطنين الرومان إلى العقيدة اليهودية. ويبدو،بالفعل، أن كثيراً من الرومان المتعلمين كانوا يعجبون باليهودية نظراً لطبيعتهاالتوحيدية بالقياس إلى التعددية والشرك اللذين يسمان العبادة الوثنية في روما. أماطرد اليهود عام 19 ميلادية، فقد تم بتحريض من سيجانوس رئيس الحرس الإمبراطوري، غيرأن الإمبراطور تايبريوس الذي أصدر أمر الطرد عاد وألغاه بعد اثنى عشر عاماً، وأمربألا يُساء إلى اليهود أو إلى شعائرهم الدينية، وأعلن أن سيجانوس كان قد ضللهلتحقيق مآربه الخاصة. ورغم أن روما اتسمت بالتسامح، فإن التهود بأعداد كبيرة كانيهدد سلطة الدولة، ذلك أن شرعية الدولة تستند إلى العبادة الوثنية، كما أن كثيراًمن الوظائف الإدارية كان مرتبطاً بهذه العبادة، وبالتالي فإن التهود كان يعني ضعفالولاء وأزمة الشرعية، كما كان يهدد ثبات موارد الهياكل المقدَّسة من هبات وقرابين. ويبدو أن رجال المال الرومان كانوا أيضاً وراء طرد اليهود، حيث كانوا يمارسون الربابالتحايل على القانون ويودون التخلص من المرابين اليهود الذين يشكلون منافساً قوياًلهم.

أما طرد اليهود من القدس، فلم يكن جزءاً من سياسة روما الداخلية وإنماجاء في إطار سياستها الإمبراطورية وكمحاولة لتهدئة المنطقة. وكان طرد اليهود منالمدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يعود إلى أسباب خاصة بحركياتالدين الجديد ومحاولة الدولة الإسلامية الجديدة تأمين مركزها وقلبها بضمان عدم وجودأقليات لا تدين لها بالولاء. وحينما قام شميلنكي بالهجوم على الجماعات اليهودية،فإنه كان يفعل ذلك في إطار حركة تحرُّر وطني وثورة فلاحية ضد المستغلين البولنديينالذين تَصادَف وجود اليهود كوكلاء لهم. وحينما كتب شميلنكي إلى كرومويل، في محاولةلتوحيد القوى الأرثوذكسية والبروتستانتية ضد الكاثوليكية، فإنه لم يذكر اليهود منقريب أو بعيد.

وإن أردنا أن نجد نمطاً متكرراً في ظاهرة طرد اليهود، فإننالن نجده على صعيد العالم وإنما داخل التشكيل الحضاري الغربي، وبخاصة في العصرالوسيط.وسنجد أن السبب وراء طرد اليهود لم يكن كُرههم وإنما كونهم جماعة وظيفيةوسيطة تشكل عنصراً استيطانياً غريباً، يُوطَّن (أي يُستورَد) ويُصدَّر ولا يضرببجذوره في أي مكان،تماماً مثل الجنود المرتزقة.والجماعة الوظيفية الوسيطة تلعبدورها،ثم يستغنى عنها المجتمع فينبذها،فتنتقل إلى مجتمع آخر،وهكذا. وعادةً ماتستغني المجتمعاتعن الجماعة الوظيفية الوسيطة حينما تظهر هياكل مركزية للإدارة (وهذا ما حدث في حالة إنجلترا عام 1290 وفي فرنسا في أواخر القرن الرابع عشر وفيإسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر) أو حينما تظهر طبقات محلية بديلة (وهذا ما حدثفي معظم أوربا بالتدريج ابتداءً من القرن الثاني عشر).

والجدير بالملاحظةأن المدن في العصور الوسطى كانت صغيرة للغاية وأن عدد أعضاء الجماعات اليهودية فيكل مدينة كان صغيراً ولا يُُعتد به من الناحية الإحصائية. إذ كان عدد يهود إنجلترالا يزيد، حسب إحدى الروايات، على أربعة آلاف. وكانت أية جماعة يهودية لا تزيد علىألفين، وكانت الجماعة اليهودية تُعدُّ كبيرة إن زاد عدد أعضائها على بضع مئات. ومنهنا، فإن الحديث عن الطرد هو حديث عن طرد بضع مئات من التجار الغرباء. وكانالاستثناء الوحيد من القاعدة هو طرد اليهود من شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث بلغعددهم مائة وخمسين أو مائة وعشرين ألفاً، وقد طُردوا مع مئات الألوف (ويُقال أكثرمن مليونين) من المسـلمين الذين رفضـوا التنصر وفاقت أعدادهم أعداد اليهود. ويُلاحَظ أن اليهود كانوا، في كثير من الأحيان، يُطردون أو يفرون لبضعة أشهر ثميعودون إلى مواقعهم مرة أخرى. ولابد من الإشارة إلى أن اليهود لم يكونوا الجماعةالوحيدة التي يتم طردها، فقد كان يتم طرد مختلف أعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطةالأخرى، مثل اللومبارد والكوهارسين. وأحياناً، كان يتم طرد إحدى الجماعات لتحلمحلها جماعة أخرى تقدم شروطاً ائتمانية أفضل، فهذه الجماعات لم يكن يُنظَر إلىأعضائها باعتبارهم بشراً وإنما كان يُنظَر إليهم كأدوات إنتاج يمكن أن تحل الواحدةمحل الأخرى.

وقد عمَّقت عمليات الطرد عدم تجذر اليهود في الحضارةالغربية وزادت هامشيتهم، وهي التي حددت إدراك العالم الغربي لهم. وتبدَّى هذاالإدراك في صورة «اليهودي التائه». ومن هنا، فإن الحل الصهيوني للمسألة اليهودية (الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة) يَصدُر عن قبول فكرة طرد اليهود من أورباوحتميتها. ويُعَدُّ وعد بلفور النقطة التي اتفقت فيها أوربا مع قيادات الجماعةاليهودية على أن يتم نقل اليهود من العالم الغربي إلى فلسطين (أي طردهم بطريقةسلمية مؤسسية) باعتبارهم عنصراً نافعاً يمكنه الاضطلاع بوظيفة قتالية دفاعاً عنالمصالح الإمبريالية الغربية داخل إطار الدولة الوظيفية. كما أن الإبادة على يدالنازيين، هي الأخرى، شكل من أشكال الطرد (من العالم الغربي إلى العالم الآخر) أخذشكل التصفية الجسدية، وذلك بسبب عدم وجود مستعمرات ألمانية يُطرَدون إليها، وبسببرفض بولندا السماح بدخول قطارات اليهود المطرودين إليها.

ويتضح قبول الطرد،كنقطة انطلاق في صهيونية يهود الغرب التوطينية، من واقع أن اللجان (الأليانسوغيرها) كانت تُشكَّل لنقل اليهود إلى أي مكان في العالم ماعدا المكان الذياستوطنوا فيه بالفعل (في بلاد غرب أوربا). وقد أيد يهود الغرب الصهيونيةالاستيطانية من منظور توطيني. كما أن المنظمات الصهيونية مازالت تشجع اليهود علىالهجرة من روسيا وأوكرانيا بدلاً من الدفاع عن حقوقهم السياسية والمدنية وحقهم فيالتمتع بحياة كريمة في أوطانهم. ومن ثم، يمكن أيضاً تصنيف ذلك على أنه تقبُّللحتمية خروج أو طرد اليهود من تلك البلدان، ويمكننا تصنيف الصهيونية على أنها حركةطاردة لليهود من أوطانهم المختلفة بهدف تجميعهم في بلد واحد، ويُطلَق على هذهالعملية مصطلح «تجميع المنفيين».

ومما يجدر ذكره أن أعضاء الجماعاتاليهودية أنفسهم اشتركوا، أحياناً، في عملية طرد اليهود. وكان ضمن حقوق الجيتوات،في العصور الوسطى، ما يُسمَّى «تحريم الاستيطان» (بالعبرية: حيريم هايشوف)، أيتحريم استيطان أي يهودي غريب على الجيتو فيه. ومن ثم، كانت هذه الجيتوات تطرداليهود الغرباء منها. كما كانت هناك حالات في القرن الثامن عشر طالب فيها اليهودبطرد جماعات يهودية أخرى. فقد قدم يعقوب رودريجيز في عام 1760 التماساً إلى لويسالخامس عشر لطرد اليهود الألمان (الإشكناز)، وأيده في ذلك الطلب المفكِّر والمموِّلاليهودي السفاردي إسحق دي بنتو. ووافقت الحكومة الفرنسية على الطلب ونُفِّذالاقتراح في العام التالي.

ومن الظواهر التي تُفسَّر على أنها طرد لليهود،نتيجة العداء الكامن تجاههم، خروج اليهود من بلاد تأخذ بالنمط الاشتراكي فيالتنمية. ولعل أكثر الأمثلة بروزاً في هذا المجال هو كوبا. فبعد استيلاء كاسترو علىالحكم، خرجت أعداد هائلة من اليهود حتى أوشكت الجماعة اليهودية على الاختفاءالكامل. وقد حدث الشيء نفسه في البلاد العربية التي نحت منحى اشتراكياً.

وإذا وضعنا هذه الظاهرة في سياقها التاريخي، يمكننا أن نفسر خروج اليهودبالأسباب التالية:

1
ـ يُلاحَظ أن النمط التنموي الاشتراكي يلجأ إلى تأميمقطاعات من الاقتصاد مثل المصارف ومنافذ التسويق حتى يمكنه التحكم في آليات السوق. ومثل هذه القطاعات هي التي يتركز فيها عادة أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة، ومنبينهم أعضاء الجماعة اليهودية بطبيعة الحال. كما أن الوضع نفسه ينشأ حينما تظهرالطبقات المحلية الوطنية وتشارك في العملية الاقتصادية وتُسيِّرها كما ترغب.

2
ـ ويُلاحَظ أن الهجرة اليهودية في العالم، منذ نهاية القرن الماضي، تتجهمن بلاد متخلفة مثل روسيا إلى بلاد متقدمة تتبع الاقتصاد الحر مثل الولايات المتحدةوغيرها من البلاد الاستيطانية (أستراليا وكندا وجنوب أفريقيا). ومن هنا يمكن تفسيرخروج يهود كوبا.

3
ـ كما يُلاحَظ أن دول العالم الثالث، التي تخرج عنالمسار الغربي، تمارس نوعاً من التضامن فيما بينها، وبالتالي فهي تأخذ موقفاًمتعاطفاً من الدول العربية ومن منظمة التحرير الفلسطينية ومن كفاح الشعب الفلسطينيضد الاستعمار الغربي والصهيوني. وقد نجحت المنظمة من جانبها في أن تقيم علاقات معالحركات الثورية في الأرجنتين ونيكاراجوا واليابان، وهو ما يخلق خطاباً سياسياًيولد إحسـاسـاً بعـدم الأمن لدى أعضاء الجماعات اليهودية فتهاجر أعداد منهم، وتقعكوبا داخل هذا النمط . ومن المعروف أن نظام كاسترو بذل جهوداً غير عادية للدفاع عنحقوق المواطنين اليهود في كوبا، ولتيسير السبل لهم للتعبير عن هويتهم الدينية، وهذايبين مدى تهافت فكرة كره اليهود.

وإذا قبلنا المقولة السابقة، فمن الممكنإعادة تفسير خروج اليهود من بعض البلاد العربية، مثل مصر وسوريا والجزائر، لاباعتباره طرداً وإنما باعتباره اتجاهاً ينتمي إلى الظاهرة نفسها، أي ظهور حكـوماتقـومية محلية تستولي على الحكم وتعادي الاستعمار. والواقع أن ظهور مثل هذه الحكوماتيجىء عادةً تعبيراً عن ظهور قوى محلية تشـارك بشـكل أكثر نشـاطاً في الاقتصادالوطني، وهو ما نجم عنه تأميم (تمصير وتعريب) بعض القطاعات التي كان يتركز فيهاأعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة (اليهود، واليونانيون، والإيطاليون). كما أنكثيراً من الدول العربية دخلت في صراع ضد الاستعمار الغربي وضد الدولة الصهيونيةحليفته الأساسية في المنطقة، الأمر الذي خلق توتراً شديداً بين الأغلبية وأعضاءالجماعة اليهودية الذين تدَّعي الدولة الصهيونية تمثيلهم. وفي بعض الأحيان، كانأعضاء الجماعة اليهودية يتعاونون مع الدولة الصهيونية ـ كما حدث في حادثة لافون ـكما أن الأغلبية العظمى من يهود العالم العربي، جاءوا إما من العالم الغربي (أساساً) مع الموجة الاستعمارية أو حصلوا على جوازات غربية للاستفادة من قوانينالامتيازات، ليلعبوا دور الجماعة الوسيطة بين الاستعمار والسكان المحليين. ومعتراجُع الاستعمار، كان لابد لهذه الجماعات (مثل اليونانيين والإيطاليين) أن يخرجوامعه. كما أن الدولة الصهيونية، بالقياس إلى كثير من دول العالم، تتمتع باقتصادمتقدم توجد فيه فرص كثيرة للنشاطات الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد الحر، وبالتاليفهي تمثل نقطة جذب بالنسبة إلى يهود العالم العربي، تماماً كما تمثل الولاياتالمتحدة نقطة جذب بالنسبة إلى اليهود الروس (ولذا، فهم لا يهاجرون إلى إسرائيل التيلا يمكنها أن تحقق لهم حراكاً اجتماعياً مماثلاً). والواقع أن خروج اليهود منالبلاد العربية هو جزء من حركية مركبة ولا يمكن أن يُسمَّى «طرداً» ببساطة وآلية.

أما يهود العراق، فإن الأوضاع نفسها السابقة تنطبق عليهم، إلى جانب قيامالعملاء الصهاينة بارتكاب أعمال تخريبية لإجبارهم على الهجرة . وقد نجحت المنظمةالصهيونية، بسعيها الحثيث، في تهجير يهود اليمن. ولا يمكن أن نعتبر كل هذه العملياتعمليات طرد!