وجوب الأذان على جماعة المسافرين:

وقد ورد ما يدل على وجوبه على جماعة المسافرين، منها:
1ـ قوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث : » إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما «(1).

وجه الاستدلال بالأحاديث المتقدمة على الوجوب:
ووجه الاستدلال بالأحاديث المتقدمة على وجوب الأذان على الجماعة في الحضر والسفر أنه أمر به فقال:
1ـ » قم فنادِ «
2ـ » أُمِر بلال «
3ـ » اتخِذ مؤذناً «
4ـ » أذِّنا وأقيما «
وقد ثبت في الأصول أن الأمر المطلق المجرد عن قرينة صارفة يدل على الوجوب، قال العمريطي في نظم الورقات بعد أن ذكر حدَّ الأمر:
بصيغة افعل فالوجوب حُققا
حيث القرينة انتفت وأُطْلِقا
ومن الأدلة على أن صيغة الأمر تقتضي الوجوب:
أ ـ قوله تعالى:  فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (2).
ووجه الاستدلال بالآية، أن الله حذّر المخالفين عن أمره أن تصيببهم فتنة أو عذاب أليم

وهذا لا يكون إلا على ترك واجب فدل على أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المطلق يقتضي وجوب فعل المأمور به .

ب ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كره تأخير الناس الحَلْق يوم الحديبية
لعدم امتثالهم للأمر، حتى دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس(1).

ج ـ قوله صلى الله عليه وسلم :» لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة «(2).
ولولا: حرف امتناع يفيد امتناع الثاني لوجود الأول، فلولا المشقة التي خافها علينا صلى الله عليه وسلم لأَمَرَنا، ولو أمرنا لكان السواك واجباً بنفس الأمر .
2ـ عن أبي ذر قال: » كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له: » أبرد «، ثم أراد أن يؤذن، فقال له، » أبرد « ثم أراد أن يؤذن فقال له: » أبرد «، حتى ساوى الظلُّ التلول، فقال صلى الله عليه وسلم : » إن شدة الحر من فيح جهنم «(3).
قال ابن حجر في الفتح تعليقاً على تبويب البخاري على هذا الحديث:
( باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعةً والإقامة ) .
قال: قوله: إذا كانوا جماعةً، هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد(4).


وجوب الأذان على المنفرد:
وأما ما يدل على وجوبه على المنفرد في الحضر والسفر:
1ـ ما رواه أبو داود(5)عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته: » فتوضأ كما أمرك الله عز وجل، ثم تشهد فأقم، ثم كبر

فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله « وقال فيه: » وإن انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك « . ووجه الاستدلال به: قوله : » ثم تشهد فأقم « فقوله: تشهد أي الأذان(1)، وكل ما جاء في حديث المسيء فهو واجب، قال ابن حجر العسقلاني: قال ابن دقيق العيد: تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر، أما الوجوب فلتعلق الأمر به، وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب، بل لكون الموضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر .
ثم قال: فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكوراً في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه(2).

2ـ ما رواه البخاري(3)عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري رضي الله عنه:
» إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك ـ أو باديتك ـ فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة « ال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال ابن حجر: قوله: (فارفع) فيه إشعار بأن أذان من أراد الصلاة كان مقرراً عندهم، لاقتصاره على الأمر بالرفع دون أصل التأذين(4).
3ـ وقد أخرج النسائي في سننه ( باب الأذان لمن يصلي وحده ) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: » يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظيّة الجبل، يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عزَّ وجلّ: انظروا إلى عبدي هذا، يؤذن ويقيم للصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة « (5).