الأسـماء العـبرية واليهـودية
Hebrew and Jewish Names
كانت للأسماء والأعلام في الحضارات القديمة دلالة وفحوى ليس لها ما يوازيها في عصرنا الحديث، فالاسم كان يُعَدُّ ممثلاً لجوهر صاحبه، ولذلك كان الإنسان يُعطى اسماً جديداً حينما يدخل مرحلة جديدة من حياته. وفي العهد القديم، نجد أن بعض الشخصيات كانت تغيِّر أسماءها عقب مرورها بتجربة مهمة. فبعد مصارعة الرب، يتحول اسم «يعقوب» إلى «يسرائيل». وفي الواقع فإن تغيير الاسم يُضفي دلالة خاصة على صاحبه.

وكثير من الأسماء العبرية يعود إلى جذر عبري، وبعضها يعبِّر عن عاطفة أو فكرة. فآدم يُسمِّي زوجته «حواء» أي «الحياة» لأنها أم المخلوقات، وحينما أنجبت راحيـل ابناً أسـمته «يوسـف» أي «سوف يزيد»، و«يتسـحاق» تعني «يضـحك»، أما «بنيامين» فهــو «ابن يدي اليمـين». وتتكون الأســماء في بعـض الأحيـان من كلمتين مثل «أب»، أي «أب» بالعربية، و«بر»، أي «ابن»، على أن تضاف إلى أي من الكلمتين كلمة أخرى تحمل دلالة خاصة. فإبراهيم سُمِّي كذلك لأنه «أبو الأمم»، وبرليف (أو بارليف) هو «ابن القلب»، أو «صاحب القلب». وبعض الأسماء العبرية تحتوي على اسم الخالق «إيل»، كما هو الحال في كلمة «يسرائيل»، أي المتصارع مع «إيل» (الرب). وإطلاق اسم الحيوانات والنباتات والجماد على الإنسان عادة يهودية قديمة، فالاسم «ديبورا» تعني «نحلة»، و«تامار» هي «النخلة»، و«بن تسفي» هو «ابن الظبي»، و«بركوخبا» هو «ابن الكوكب».

وليست كل أسماء أعضاء الجماعات اليهودية من أصل عبري، فالاسم «إستير» مثلاً مأخوذ من «عشتروت» زوجة بعل، واسم «موسى» نفسه ليس عبرياً ويُقال إنه اختصار لكلمة مصرية قديمة تعني «ابن». وقد اتخذ اليهود أسماء بابلية بعد التهجير من بابل، مثل «مردخاي»، من اسم الإله البابلي «مردوك». وكثير من قادة اليهود يحملون أسماء آرامية مثل «بركوخبا»، ويونانية مثل «أنتيجون»، ولاتينية مثل «يوسيفوس فلافيوس»، وعربية مثل «موسى بن ميمون» و«سعيد بن يوسف الفيومي» (الذي يُشار إليه في الكتابات العبرية باسم «سعديا جاؤون» أي «الفقيه سعيد»).

ويؤكد التلمود أن اسم الشخص يؤثر في مستقبله، كما يرى الحاخامات أن اليهودي الفاضل يجب ألا يُغيِّر اسمه العبري خارج فلسطين. وأيُّ يهودي يحمل اسم «كوهين»، أو أياً من أسماء الكهانة الأخرى، يُعتبَر من نسل كهنة المعبد وتسري عليه محظورات معيَّنة متصلة بالزواج والطلاق.

ولم يكن من عادة أعضاء الجماعات اليهودية، قبل الإعتاق، أن يحملوا اسم أسرة، فكان الشخص يُسمَّى فلان بن فلان، «يعقوب بن إسحق» مثلاً، وأحياناً كان يضاف اسم المهنة حتى يتم التمييز بين فرد وآخر في نفـس الجماعة، مثـل «صـندلر» أي «صانع الأحذية» في العبرية، و«جولدشميت» في الألمانية هو الصائغ. ولكن، بظهور حركة الإعتاق، أسقط كثير من اليهود أسماءهم العبرية، كما طلبت إليهم الحكومات أن يحملوا اسم أسرة بشكل ثابت، مثل بقية المواطنين، حتى يمكن الاحتفاظ بسجلات رسمية عنهم، ويمكن فرض الضرائب عليهم وتجنيدهم. وقد قاوم أعضاء الجماعات اليهودية من التقليديين هذا الاتجاه، ولكنهم رضخوا في نهاية الأمر. وكان اليهود يُسمَّون أحياناً باسم المدن، مثل: «أوبنهايمر» أي «من مدينة أوبنهايم» على نهر الراين، أو «شابيرو»، أي «من مدينة شبير». أو كانوا يُسمَّون بأسماء ذات دلالات جميلة مثل «بلومنفيلد» أي «حقل الزهور»، أو «روزنبرج»، أي «جبل الورد»، أو بترجمة أسمائهم من العبرية إلى لغة بلدهم، فالاسم «موسى بن مندل» يصير «موسى مندلسون» (فكلمة «سون» تعني «ابن»). كما أنهم كانوا يُسمَّون باسم الكاهن، مثل: «كوهين» و«كاتس» و«ليفي» و«هارون». وقد تمت ألمنة هذه الأسماء فأصبحت على التوالي: «كوهينشتاين» و«كاتسمان» و«ليفينتال» و«أرونشتين». وفي الحالات النادرة، كان أعضاء الجماعات اليهودية يحملون اسم عائلة، كما هو الحال مع العائلات اليهودية العريقة مثل «روتشيلد». ويحمل بعض أعضاء الجماعات اليهودية أسماء غير لائقة لأن الموظف الحكومي المسئول عن تسميتهم منحهم إياها بسبب عدم رضاه عنهم مثل: «جروس» أي «ضخم»، أو «كلاين»، أي «صغير»، أو «كالف»، أي «العجل»، أو «برونفن» أي «براندي»، أو «شفارتز» أي «الأسود» أو «العبد». ويستخدم الإشكناز هذه الكلمة الأخير للإشارة إلى يهود الشرق في العالمين العربي والإسلامي.

ومع تزايُد معدلات الاندماج في العالم الغربي، بدأ يهود العالم الغربي يبتعدون عن الأسماء اليهودية أو ذات النبرة اليهودية. وقد بدأت هذه العملية بإدغام الاسم فالاسم «أبراهام» يصبح «برام»، و«سولومونسون» (أي ابن سليمان) أصبح «سولمس»، و«صموئيل» أصبح «زيميل». وأحياناً أخرى، كان الاسم يُعلمَن بتبسيط طريقة كتابته لتبسيط نُطْقه، وذلك حينما يهاجر عضو الجماعة اليهودي من بلد لآخر. وأحياناً كان ثمة صعوبات تواجه أعضاء الجماعات اليهودية في تغيير اسم الأسرة، لأن هذا كان يستلزم إجراءات قانونية معقدة، ولكن الإجراءات كانت في واقع الأمر بسيطة في معظم الأحيان، ومن ثم قامت الأغلبية العظمى من يهود الغرب بتسمية أبنائهم بأسماء غير يهودية. وقد توقف يهود ألمانيا، قبل الحرب العالمية الثانية، عن اختيار أسماء توراتية. ومع هذا، فقد كانوا يختارون أسماء تبدأ بحروف تُذكِّر المرء بشخصية توراتية، فبدلاً من «موسى» كانوا يُسمَّون «موريتز»، وبدلاً من «سيمون» كانوا يقولون «سيجفريد»، وبدلاً من «موردخاي» «مارتن»، وبدلاً من «إسحق» «إيزيدور». وكان من المفهوم أن هذه أسماء يهودية، ولذا كان المسيحيون يتحاشونها. وتكررت الظاهرة في الولايات المتحدة في الفترة نفسها، فبدلاً من «إسرائيل» قالوا «إرفنج»، وبدلاً من «موسى» قالوا «مورتيمر» أو «موريتز» أو «موريس» أو «ماكس» أو حتى «مارفن» أو «مري»، وكان من النادر أن يتسمَّى غير اليهود بهذه الأسماء. ولكن كل هذه الظواهر قد اختفت مع الحرب العالمية الثانية، ومع تزايُد مستويات العلمنة. وفي الوقت الحاضر، لا يختار أعضاء الجماعات اليهودية أية أسـماء خاصة، ولم تَعُد أسـماؤهم تختلف عن بقية أسـماء أعضاء المجتمع، بل أحياناً نجد يهوداً يُسمَّون «كريستين»، و«كريستوفر»، وهي أسماء لها دلالة مسيحية واضحة. وقد تسمَّى يهود الدونمه المتخفون بأسماء عربية إسلامية يتعاملون بها مع أعضاء المجتمع التركي، ولكنهم تسمَّوا أيضاً بأسماء عبرية يتعاملون بها فيما بينهم.

والأسماء التي يتسمَّى بها أعضاء الجماعات اليهودية متنوعة وعديدة، ولذا يَصعُب تحديد هوية الشخص بناء على اسمه. وحسب بعض التقاليد الدينية، كان يتحتم على اليهودي (خارج فلسطين) أن يتخذ لنفسه اسماً عبرياً إلى جانب اسمه الأصلي إن لم يكن عبرياً، وذلك لاستخدامه في الشعائر الدينية وليوضع على شاهد قبره بعد موته. وكان على اليهود، أثناء حكم النازي، أن يستخدموا أسماء عبرية، وهي عادة بُعثت أيضاً في إسرائىل حيث ينص القانون على أن من واجب الشخصيات المهمة في الدولة أن تغيِّر أسماءها، ومن ثم فقد غيَّر ديفيد جرين اسمه إلى «دافيد بن جوريون»، أي «ابن الشبل». ومع هذا، يُلاحَظ أن ثمة اتجاهاً ظهر مؤخراً، خصوصاً بين الإشكناز، للاحتفاظ بالأسماء الأصلية (اليديشية). وقد سقط الحظر حينما رفض يوسف سياشاتوفر (مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية) أن يُعبرن اسمه في السبعينيات، وأيَّده في ذلك الكاتب الإسرائيلي عاموس آلون (الذي كان قد عبرن اسمه من قبل).

وتمتد عبرنة الأسماء إلى المدن والقرى العربية التي تغزوها القوات الإسرائيلية، فأم الرشراش أصبحت «إيلات»، وشرم الشيخ أصبحت «أوفير»، والضفة الغربية يُشار إليها باسم «يهودا والسامرة»، وفلسطين تذوب وتختفي لتصبح «إسرائيل»، أو «إرتس يسرائيل». ولا يختلف هذا كثيراً عن محاولات الدول الاستعمارية فرض أسماء جديدة على الأراضي التي تفتحها فيُعاد تسمىة «زمبابوي» باسم «روديسيا» نسبة إلى سيسل روديس، ويُفرَض على «إندونسـيا» اسـم «جزر الهند الهولندية».

إليــعازر بــن يهــودا (1857-1922)
Eliezer Ben Yehuda
رائد حركة إحياء اللغة العبرية الحديثة، واسمه الأصلي إليعازر بيرلمان. وُلد في إحدى قرى ليتوانيا وتلقى تعليماً دينياً تقليدياً، وقضى بعض سني شبابه في مدرسة تلمودية، ولكنه وقع تحت تأثير حركة التنوير اليهودية فالتحق بمدرسة علمانية وانقطع بشكل جذري عن موروثه اليديشي، واستهوته الأفكار الاشتراكية والعدمية والأفكار القومية العضوية (ذات الطابع الفاشي) التي انتشرت في أوربا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والتي نشأت في تربتها أفكار مثل «روح العصر»، و«روح الشعب»، و«الشعب العضوي» الذي لا يمكن أن يحقق ذاته إلا في أرضه ومن خلال خصوصيته الثقافية والذي يحوِّل الآخر إلى شعب عضوي منبوذ. وقد تأثر بن يهودا في بادئ الأمر بالحركة الشعبوية الروسية وبندائها بالعودة إلى الشعب، وهي حركة حملت ملامح النزعة السلافية القومية الروسية، ومن هنا جاء تبنِّيه الكامل للفكرة السلافية ومناداته بترويس اليهود.

ومع تزايد النزعات القومية والإمبريالية والعنصرية في أنحاء أوربا (وكلها حركات حلولية كمونية مادية تجعل الشعب العضوي هو الركيزة النهائية المكتفية بذاتها)، اتجه بن يهودا إلى تبنِّي الحل الإمبريالي للمسألة اليهودية أي الحل الصهيوني (تصدير مشاكل الغرب، ومنها المسألة اليهودية، إلى الشرق). ومما ساعد على ذلك أن بن يهودا تعرَّف إلى المفكر الصهيوني بيريتس سمولنسكين (وقد أسهم بن يهودا لمجلته بعدة مقالات ذات طابع صهيوني ابتداءً من عام 1879).

وفي عام 1878، ذهب بن يهودا إلى باريس لدراسة الطب ولكنه اضطر إلى قطع دراسته لإصابته بالسل وانتقل إلى الجزائر للاستشفاء (1880 ـ 1881) ثم استقر عام 1881 في فلسطين مع زوجته حيث قام بالتدريس في مدارس الأليانس بعد أن أُعطي تصريحاً بتدريس الموضوعات اليهودية بالعبرية. وفي العام نفسه، اشترك في تأسيس جمعية صهيونية دعت إلى العمل في الأرض، أي فلسطين، وإلى إحياء اللغة العبرية وبناء أدب عبري حديث وغرس الروح القومية في الشباب. وفي عام 1884، نشر بن يهودا مجلة هاتسفي الأسبوعية والتي أصبحت فيما بعد جريدة يومية وحملت اسم هاأور منذ عام 1910. وقد نشر أفكاره الصهيونية فيها فهاجم نظام الصدقة (حالوقه) ودعا إلى العمل الزراعي.

أدرك بن يهودا ارتباط إحياء اللغة العبرية بالتجربة الاستيطانية الصهيونية، وأنه لا يمكن إنجاز الواحد دون الآخر، فبقاء أعضاء الجماعات اليهودية داخل التشكيل الحضاري الغربي كان يعني في واقع الأمر اندماجهم الثقافي ومن ثم اللغوي، أما استيطانهم في فلسطين فيعني عزلتهم ومن ثم وجود إمكانية حقيقية لظهور لغة مستقلة واستمرارها. وقد أكدت التطورات اللاحقة صدق حدس بن يهودا، فاللغة اليديشية قد اختفت ولم يعد أحد يكتب أو يتحدث بها. ولا يختلف الأمر كثيراً عن العبرية، فمعظم المفكرين الدينيين اليهود في العالم لا يكتبون بها، فالجميع يكتب بلغة الوطن الأم. هذا بالنسبة ليهود العالم، أما بالنسبة للاستيطان في فلسطين، فالأمر جد مختلف، فالدعوة للاستيطان كان لابد أن تستخدم ديباجات يهودية وأن تتم من داخل منظومة يهودية يمكنها اجتذاب الجماهير التي ستتحول إلى مادة استيطانية. وهذا ما أنجزه بن يهودا للحركة الصهيونية فقد فرَّغ اليهودية من محتواها الديني بأن أعاد تعريف الخلاص بحيث أصبح الخلاص الصحـيح هو العـودة الحرفية إلى فلسطين للاسـتيطان فيـها لا " الانتظار السلبي " لمجئ الماشيَّح (وقد ذهب بن يهودا من هذا المنظور إلى أن النبي إرميا كان خائناً لوطنه حين قام بتسليم هذا الوطن للأجنبي). واليهود الذين سيعودون إلى فلسطين لن يؤسسوا جماعة دينية تلتزم بقيم أخلاقية، ذلك أن المُثُل الدينية (حسب رؤيته) لم تنجح إلا في إنتاج أمة يهودية ميتة، لا أرض لها ولا لغة، أمة روحية ناقصة تثير ضحك الأمم الأخرى. إن اليهود الذين سيعودون هم نخبة من يهود المنفى الذين يرفضون وجودهم الهامشي، ولذا فإنهم سيتحولون إلى مستوطنين يزرعون الأرض ويشكلون أغلبية فيها، ثم يصبحون شعباً مثل كل الشعوب ويتخلون عن هامشيتهم وطفيليتهم ويصبحون أمة عضوية (على نمط الأمتين السلافية والجرمانية) وستعبِّر المؤسسات الثقافية لهؤلاء المستوطنين عن روح الشعب العضوي اليهودي. وبذا يمكن بعث اللغة العبرية، أهم أوعية الهوية العضوية اليهودية، كما يمكن ضمان استمرار هذه اللغة ومن ثم استمرار الهوية اليهودية.

ويمكن القول بأن إسهام بن يهودا الأساسي في الحركة الصهيونية هو تأكيد عنصر اللغة في التشكيل القومي الاستيطاني العضوي المُقتَرح، فالأرض والأغلبية اليهودية هي الإطار اللازم لولادة اللغة العبرية بعد تحديثها. وقد انصبت معظم جهوده على إحياء اللغة العبرية، فبَحَث في أدب العبرية الكلاسيكي عن الألفاظ التي تصلح للاستعمال في الحياة اليومية في العصر الحديث، وقام باشتقاق كلمات عبرية جديدة واستعار بعض الألفاظ والعبارات من اللغة العربية وقام بتطوير أسلوب عبري جديد وبسيط. وحارب بن يهودا اللغة اليديشية، وعارض محاولات بعض الجماعات اليهودية الألمانية التي كانت تهدف إلى جعل الألمانية اللغة الرسمية للمستوطنين الصهاينة (فيما يُسمَّى «معركة اللغة») وأصر على اعتبار العبرية لغة اليهود الوحيدة. ولكن أهم أعمال بن يهودا إخراجه المعجم العبري القديم والمعجم الحديث بعد أن ظل يعمل فيه زهاء أربعين عاماً وإن لم يستطع أن يصدر أكثر من تسعة مجلدات. وهذا المعجم لا يتضمن أياً من الكلمات الآرامية التي ورد ذكرها في العهد القديم أو التلمود أو المدراش، كما لا يتضمن أية كلمة عبرية من أصل أجنبي.

وقد أسس بن يهودا جمعية اللغة العبرية عام 1889 وعمل رئيساً لها حتى وفاته. وتحولت هذه الجمعية عام 1953 إلى أكاديمية اللغة العبرية التي قامت بإكمال مشروع بن يهودا وأصدرت المعجم كاملاً (سبعة عشر جزءاً) عام 1959.

وبعد سقوط فلسطين تحت الاحتلال البريطاني في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حث بن يهودا المندوب السامي البريطاني على إعلان اللغة العبرية كواحدة من اللغات الثلاث الرسمية في البلاد. كما قام بتأسيس جمعية سيفاتينو لنشر اللغة العبرية واحتل منصب أمين لجنة التخطيط في الجامعة العبرية.

ورغم إصرار بن يهودا على فكرة القومية العضوية المرتبطة بالأرض، إلا أنه لم يكن متصلباً في ممارسته. وعلى سبيل المثال، فإنه لم يتردد في مناقضة نفسه إذ أيَّد مشروع شرق أفريقيا، أي إنشاء المُستوطَن الصهيوني في شرق أفريقيا بدلاً من فلسطين، وهو في هذا لم يختلف كثيراً عن معظم المستوطنين الصهاينة الذين أرهقتهم السكنى في أرض الميعاد والحرب ضد أهلها (وقد لقي أحد أحفاد بن يهودا حتفه في إحدى العمليات الفدائية، إذ سقط ضمن الحافلة التي دفع بها أحد المنتفضين الفلسطينيين عام 1990 من على قمة أحد التلال العالية). بل إن بن يهودا رغم إصراره العقائدي على القومية العضوية كان من أوائل الداعين إلى تقبل وجود اليهود خارج فلسطين (الشتات) على أن تربطهم رابطة ثقافية مع « وطنهم » بحيث يتحول هذا الوطن إلى مركز روحي.

وجدير بالذكر أن اهتمامه بالعبرية قد جلب عليه لعنة اليهود الأرثوذكس الذين كانوا يعتبرون العبرية لغة مقدَّسة لا تُستخدَم إلا في الصلاة.