التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية فيالعالم الإسلامي والهند وإثيوبيا حتى الحرب العالمية الأولى
Education of the Jewish Communities in the Moslem World, India and Ethiopia to the First World War
1 ـ العالم الإسلامي:
بدأت عملية تحديث المؤسسات التعليمية فيالعالم الإسلامي في مرحلة متأخرة، وقد سبقها وصول القوات الإمبريالية التي عادةً ماكانت تستقطب أعضاء الجماعات اليهودية لصالحها.
وحتى منتصف القرن التاسععشر، لم تختلف المؤسسات التربوية اليهودية في بلاد العالم الإسلامي، لا في شكلهاولا في بنيتها، عن المؤسسات التعليمية التقليدية التي كانت سائدة في هذه البلاد مثلالكُتَّاب. وقد حمل الاستعمار الأوربي معه إلى هذه البلاد، حينما جاء، نظماً تربويةذات توجُّه علماني أوربي عملت على علمنة أعضاء الجماعات اليهودية وصبغهم بالثقافةالأوربية وتحويلهم إلى جماعات وظيفية تابعة للحضارة الغربية وإلى مادة استيطانية.
وكان هذا التطور أكثر حدة في بلاد المغرب العربي منه في بقية العالم العربيحيث نجحت منظمة الأليانس إسرائيليت يونيفرسل، في ظل الاحتلال الفرنسي، في تأسيسشبكة واسعة من المدارس. وقد أسَّست هذه المنظمـة أول مدرسـة لها في مدينة تطوانبالمغرب عام 1862، لحقتها مدارس أخرى في طنجة ودمشق وبغداد وتونس، وقد وصل عددهاإبَّان الحرب العالمية الأولى إلى نحو مائة مدرسة أغلبها في المغرب.
2 ـالهند (بني إسرائيل):
توجد جماعات يهودية عديدة في الهند، ولكن أهمها جماعةبني إسرائيل في بومباي التي استقرت في الهند منذ عدة قرون. وأعضاء هذه الجماعات لايختلفون في عاداتهم ولغتهم وملبسهم عن جيرانهم من سكان منطقة الكونكان بالهند حيثكانوا يعيشون فيها رغم احتفاظهم ببعض الشعائر الدينية اليهودية مثل قوانين الطعاموالسبت والختان، إلا أنهم ظلوا بعيدين عن أية معرفة حقيقية بكثير من أساسياتالديانة اليهودية المتضمنة في التوراة والتلمود والشريعة.
وقد حصل أعضاءالجماعة اليهودية على أول معرفة حقيقية لهم بالعهد القديم واللغة العبرية في القرنالتاسع عشر وذلك بفضل مجهودات البعثات التبشيرية البروتستانتية التي أسست بعضالمدارس في بومباي، وقامت بترجمة العهد القديم إلى الماراثي (اللغة المحلية التييتحدث بها أعضاء الجماعة). كما أصدر أحد المبشرين البروتستانت، وهو القس جونويلسون، في عام 1832، أول كتاب لقواعد اللغة العبرية بالماراثية، وأسس مدرسة ثانويةوكلية درس فيها أعضاء الجماعة اللغة العبرية. ومما يُذكَر أن أعضاء الجماعة تلقواتعليمهم العلماني أيضاً في المدارس التبشيرية المسيحية وفي المدارس العامة التيتوافرت في ظل الحكم البريطاني في بومباي.
ومع مرور الوقت، بدأ أعضاءالجماعة يتولون مسئولية تعليم أنفسهم بأنفسهم حيث أقاموا أول مدرسة ابتدائية عام 1875، والتي أضيفت لها المرحلة الثانوية لتدرس فيها اللغات العبرية والإنجليزيةوالماراثية بفضل دعم الجماعات اليهودية في إنجلترا وفرنسا وكذلك دعم حكومة بومباي.
3 ـ يهود إثيوبيا (الفلاشاه):
كان التعليم الأداة التي حافظت علىالطابع الخاص لديانة يهود إثيوبيا التي تأثرت بالبيئة المسيحية في إثيوبيا، فكانلهم رهبان وقساوسة.
ولم يعرف يهود إثيوبيا التلمود، وظلت الأمهرية لغتهم (اللغة الرسمية في إثيوبيا) كما كانت لغة العبادة التي يستخدمونها الجعزية (اللغةالمقدَّسة للكنيسة الإثيوبية). واحتفظ الرهبان اليهود بمكانة مميَّزة ومركزية داخلمجتمعات الفلاشاه حتى القرن التاسع عشر، ولكن مع وصول البعثات التبشـيريةالبروتسـتانتية ضعـف مركزهم فقوِّضت مكانتهم، واحتل مراكز القيادة من بعدهمالقساوسة اليهود وكبار السن من أعضاء الجماعة.
وظل يهود إثيوبيا يشكلونجماعات متناثرة ومتفرقة غير مترابطة جغرافياً أو سياسياً ولا تجمعهم قيادة أو تنظيمموحَّد. وقد اهتموا بتعليم أولادهـم، فكانت كل قرية تضم مدرسـةً حيث يقوم مسـاعدالقسيس بتعليم الأطفال الصلوات والإنجيل واللغة الجعزية وقراءة وكتابة الأمهرية.
ويُمثل مجيء جاك فيتلوفيتش إلى إثيوبيا عام 1904 نقطة التحول في مجال تعليمأعضاء الجماعة. كان فيتلوفيتش تلميذاً ليوسف هاليفي الذي أرسلته الأليانس إسرائيليتيونيفرسل إلى إثيوبيا عام 1867 لتَقصِّي أوضاع الجماعة اليهودية هناك. وعملفيتلوفيتش على تأسيس مدارس في أديس أبابا وأسمرة، كما أتاح لبعض الشباب من أعضاءالجماعة السفر إلى أوربا للدراسة. وساهمت مجهودات فيتلوفيتش وتلاميذه، ومبعوثيالوكالة اليهودية فيما بعد، في نشر تعليم العبرية إلى حدٍّ ما. إلا أن عدد الطلابفي هذه المدارس لم يكن أبداً كبيراً كما لم يعد أغلب الخريجين إلى قراهم مرة أخرى. بل نجح كثير منهم في الحصول على وظائف حكومية مهمة بفضل تعليمهم. وبالتالي، أدَّىهذا النوع من التعليم إلى تحديث شريحة صغيرة من أعضاء الجماعة انفصلت عن سائر أعضاءالجماعة.
جوزيـــف فرتايمـــر (1800-1887(
Joseph Wertheimer
تربوي نمساوي كان يعمل بالتجارة. وُلد في فيينا لأسرة يهودية موسرة،وعمل ككاتب حسابات في الأنشطة التجارية الخاصة بوالده، ثم تحوَّل إلى شريك له فيمابعد. ورغم انشغاله بالتجارة، إلا أنه درس علم التربية خلال وقت فراغه. وفيالعشرينيات من عمره، قام برحلة إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا بهدف توسيع ثقافتهالعامة. وقد أبدى اهتماماً خاصاً بدور الحضانة الإنجليزية، وحينما عاد إلى النمساحاول تأسيس دور حضانة مماثلة.
بدأ فرتايمر نشاطه التربوي بترجمة بعضالأعمال الأوربية عن دور الحضانة إلى اللغة الألمانية. وقام بتأسيس أول دور حضانةفي النمسا عام 1830 بمساعدة قسيس كاثوليكي يُدعَى يوهان لندر. وفيما بعد، أسس عدداًمن دور الحضانة في المدن النمساوية، كذلك قام بتأسيس جمعية لمساعدة المجرمين بعدالإفراج عنهم ولتوجيه الأحداث الجانحين.
كما كان له نشاط موجه إلى يهودالنمسا، حيث قام عام 1840 بتأسيس منظمة لتدريب عدد كبير من الأطفال اليهود علىالحرف اليدوية المختلفة كجزء من الاتجاه الرامي آنذاك إلى تحويل اليهودإلى قطاعاقتصادي منتج وعنصر نافع. وفي عام 1843، أسس دور حضانة خاصة بالأطفال اليهود، وفيعام 1860، كوَّن جمعية للعناية بأيتام اليهود المحتاجين وقامت هذه الجمعية بتأسيسملجأ للفتيات اليتيمات. كذلك لعب فرتايمر دوراً مهماً في الكفاح من أجل إعطاء أعضاءالجماعات اليهودية حقوقهم السياسية والاجتماعية.
مـاكـسليلينتـال (1815-1882(
Max Lilienthal
تربوي وحاخام إصلاحي ألماني. وُلد فيميونخ، وأتم دراسته هنـاك. ثم عُـيِّن عام 1839 مديراً للمدرسـة اليهودية الحديثـةفي ريجا، حيث ذاع صيته كداعية قدير لتحديث تعليم الجماعات اليهودية. فدعته حكومةروسيا القيصرية عام 1841، بتوصية من وزير التعليم أوفاروف، لوضع مشروع لتأسيس مدارسحديثة حكومية لليهود على غرار النموذج الألماني، الذي حرص على الأخذ بالعلومالحديثة واللغات الأوربية كما حرص على تهميش الدين. ووضع ليلينتال الخطوط العريضةلهذا المشروع، وحاول إقناع قادة الجماعة اليهودية في منطقة الاستيطان بقبوله، ولكنهلقي معارضة شديدة من جانب اليهود الأرثوذكس، كما عبَّر دعاة التنوير من اليهود عنتشككهم في جدوى المشروع وأغراضه، بينما اعتبره الحسيديون محاولة سلطوية لتدمير أسسالتعليم اليهودي التقليدي وتحويل اليهود عن دينهم. وزاد إعلان ليلينتال اعتزامهاستقدام مدرسين من ألمانيا للمدارس المقترحة حدة المعارضة، فزاد هذا من شكوك يهودروسيا الذين كانوا يُكنِّون الاحتقار ليهود ألمانيا على اعتبار أنهم فقدوا هويتهماليهودية تماماً كما فقدوا انتماءهم الديني. وكان يهود روسيا يعرفون أن يهودألمانيا المندمجين كانوا ينظرون إلى يهود الشرق (شرق أوربا) باعتبارهم نفاية بشريةتهدِّد مكانتهم الاجتماعية كما تهدِّد مواقعهم الطبقية بالخطر.
وإزاء هذاالموقف، اقترح ليلينتال على أوفاروف عام 1842 أن يتم فرض الإصلاح التعليمي علىاليهود من خلال إجراءات قانونية. ولكن الوزير رفض هذا الاقتراح خشية تضاعف الصداممع الجماعة اليهودية، ولجأ إلى استصدار مرسوم في العام نفسه يوصي بتأييد القيصرنفسه للمشروع التعليمي المقترح. وفي الوقت نفسه، سعى أوفاروف إلى امتصاص المعارضةاليهودية وتفتيت وحدتها، فتخلى عن الاقترح الرامي إلى استقدام مدرسين من الخارج،وفرض ضرائب على المدرسين المحليين، وعمل بعلم ليلينتال على كسب عطف اليهودالأرثوذكس والحسيديين في مواجهة دعاة التنوير، كما قام بتشكيل لجنة من اليهودلدراسة المشروع. وأتمت اللجنة عملها عام 1843، وصدر قانون تأسيس المدارس عام 1844. غير أن ليلينتال الذي تحمس للمشروع ووضع أسسه، وكان طرفاً رئيسياً في كل المنازعاتالرامية إلى فرضه، ما لبث أن تراجع عن موقفه بعد أن طلبت الحكومة القيصرية استبعاددراسة التلمود من مدارسها، حيث رأى في ذلك مصداقاً لما تردَّد من أن هدف المشروع هوصرف اليهود عن دينهم، وهو ما دفعه إلى مغادرة روسيا سراً في عام 1844.
وقدهاجر ليلينتال إلى أمريكا عام 1845 حيث أدار مدرسة خاصة لعدة سنوات. وفي عام 1849،أصبح ليلينتال حاخاماً للأبرشيات الألمانية في نيويورك. ومنذ عام 1855 وحتى وفاته،عمل حاخاماً لأبرشية بني يسرائيل في مدينة سينسناتي (أوهايو). كما كان محاضراً فيكلية الاتحاد العبري. كما أسس الجمعية الحاخامية الأدبية.
المفضلات