القدر اليهودي
Jewish Fate
عبارة مرادفة لعبارة»المصير اليهودي«
الاسـتمرار اليهـودي
Jewish Continuity
«الاستمرار اليهودي» نموذج تفسيري يفترض أن الجماعات اليهودية تكوِّن في العصرالحديث كلاًّ متجانساً عل مستوى العالم، وأن ثمة استمرارية تاريخية وثقافية (بلأحياناً عرْقية) تسم ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي»، ويُعَدُّ هذا النموذج عنصراًمحورياً في الفكر الصهيوني. وانطلاقاً منه، يذهب الصهاينة إلى أن اليهود المحدَثينهم ورثة العبرانيين القدامى، وأن حكومة إسرائيل الحالية في فلسطين المحتلة ما هيإلا الكومنولث اليهودي الثالث. ويرى بعض الصهاينة أن الصهيونية هي تعبير عن هذهالاستمرارية فأصولها تمتد بعيداً إلى أيام الأنبياء الأوائل وأن الدعوة الىالعودة شيء متصل منذ بداية التاريخ اليهودي إلى الآن من الأنبياء إلى هرتزل.
وفكرة الاستمرار هذه فكرة حلولية ذات أصول إنجيلية، إذ أن الوجدان الغربيينظر إلى أعضاء الجماعات اليهودية من خلال الكتب المقدَّسة، فيرى العبرانيينالقدامى يدخلون كنعان، ثم يرى حكم القضاة فالملوك، فالسبي البابلي، فعودة عزراونحميا، وبعد ذلك ثورة الحشمونيين، ثم هدم الهيكل على يد تيتوس، وهو ما أدَّى إلىنفي اليهود. وهذا ما يعني أنهم في حالة انتظار، قابعون داخل تاريخهم المقدَّس الذيحلّ فيه الإله. وتُستأنَف الحلقة بعودة اليهود مرة أخرى إلى فلسطين. وبالتالى، فإنالاستيطان الصهيوني تعبير عن نمط متكرر ومستمر ومتوقع. كما أن دخول المستوطنينالصهاينة إلى فلسطين، وقيامهم بذبح الفلسطينيين، ليس إلا اسـتمراراً وتكـراراًلدخـول العبرانيين إلى أرض كنعان وإبادتهم لأهلها.
ويُعبِّر نموذجالاستمرار هذا عن نفسه فيما يمكن تسميته القياس التاريخي الزائف الذي يفترض أنالظواهر المحيطة بيهود اليوم تشبه في كثير من الوجوه الظواهر التي واجهها اليهود فيماضيهم السحيق. فنجد، مثلاً، أن حاييم وايزمان يطالب العرب في خطابه أمام المؤتمرالصهيوني العشرين (1937) بالتفاوض مع اليهود مذكراً إياهم بأنه، في الفترات العظيمةمن التاريخ العربي، تعاون الشعبان معاً في بغداد وقرطبة على حفظ كنوز الثقافةالعربية. فالعرب في نظره ما زالوا كما كانوا، واليهود أيضاً لم يتغيروا، أما الظروفالتاريخية المتغيرة فهي أمر ثانوي يحسن التغاضي عنه كلية. ومن أطرف الأمثلة على هذاالإيمان باستمرار إسرائيل، وعلى القياس التاريخي الزائف، ما صرح به أستاذ للتاريخبالجامعة العبرية من أن جنود إسرائيل رأوا البحر الأحمر لأول مرة في يونيه عام 1967بعد غياب دام بضعة آلاف من السنين، أي بعد عبورهم إياه مع موسى حينما كان يطاردهمفرعون مصر! وقد كان من الشائع في الولايات المتحدة، بعد حرب 1967 مباشرة، أن يحاولبعض الحاخامات تفسير أسفار العهد القديم، مبينين أن معارك يونيه ليست إلا تكراراًلمعارك حدثت من قبل. ويحاول بن جوريون تبرير عسكرة المجتمع الإسرائيلي باللجوء إلىأسطورة الاستمرار، فيقول: « إن جنود موسى ويوشع وداود لم يكفُّوا عن القتال... وكذلك جنود صهيون [أي دولة إسرائيل] لن يتوقفوا عن القتال ». ويقوم بعض المعلقينالعسكريين الإسرائيليين بعقد المقارنات بين فرسان داود وسليمان ودبابات الجيشالإسرائيلي، كما يقيمون الندوات لبحث أوجه الشبه والخلاف بين أساليبب جدعونوتكتيكات ديان. بل إن الصراع العربي الإسرائيلي بأسره ينظر إليه على أنه استمرارلصراع العبرانيين مع الفراعنة والآشوريين والبابليين والفينيقيين. ويتبدَّى نموذجالاستمرار اليهودي في فكرة النقاء العرقي والحضاري لليهود، لأن فكرة الاندماجوالاختلاط بالآخرين تنسف فكرة الاستمرار من جذورها.
وتذهب الرؤية الصهيونيةفي تفسير هذا الاستمرار اليهودي إلى أن الوجود اليهودي عبر التاريخ اتبع نمطاًواحداً، وعبَّر عن جوهر يهودي واحد، فهو أقرب إلى التكرار منه إلى الاستمرار ويأخذشكلاً هندسيٍّا متسقاً يشبه إلى حدٍّ كبير الأساطير البدائية التي تصل إلى درجةعالية من الاتساق العضوي مع نفسها. وعلى أية حال، فإن هذا الاتساق يجعل الصهيونيةنظاماً مغلقاً مكتفيًّا بذاته لا علاقة له بالواقع المتعيِّن الحي، وهي في هذا تشبهكثيراً من الأساطير الشمولية مثل الأسطورة النازية. ويجد الصهاينة نفس القدر منالاستمرارية في ظاهرة معاداة اليهود، إذ يرون أنها دائمة ما دام اليهود في المنفى.
وكما هـو الحـال مع «البقاء اليهودي» وغيره من المفاهيـم الصهيونية، نجد أنمفهوم الاستمرار اليهودي يعطي اليهودي حقوقاً مطلقة مستمرة لا تنقطع، ويسقط الحقوقالقائمة للآخرين. فباسم هذا الاسـتمرار يدَّعـي الصهاينة لأنفسـهم شرعية احتلالفلسطين وطرد أهلها. فالدولة اليهودية، حسب رؤيتهم، هي وريثة الدويلات اليهودية التيقامت منذ آلاف السنين.
الاســتمرار اليهـــودي: منظــــورإســلامي
Jewish Continuity: An Islamic Perspective
من المفاهيم الصهيونيةالمحورية مفهوم الاستمرار اليهودي، ويُقصَد به أن ثمة استمرارية في الصفات الأساسية (الثقافية والدينية بل والعرْقية أحياناً) التي تسم أعضاء الجماعات اليهوديةوتفصلهم عن غيرهم من الشعوب والجماعات. وانطلاقاً من هذه الاستمرارية يرى المؤمنونبها أن كلمة «يهودي» تشير إلى يهود العالم في الحاضر والماضي والمستقبل، وأن كلمة «يهودية» تشير إلى نظامهم العقدي، وكأن سمات اليهود الثقافية لم يطرأ عليها أيتَغيُّر جوهري، وكذلك موروثهم الديني.
ونحن نرى أن مثل هذا التصور يتنافىتماماً مع الواقع التاريخي ومع الرؤية الإسلامية، ويمكن أن نسجل الملاحظات الآتية:
1 ـ لا يملك الدارس المتأني إلا أن يُلاحظ وجود تَنوُّع هائل بين أعضاءالجماعات اليهودية على المستوى العرْقي، فهناك يهود بيض ويهود سود ويهود صفر،وتختلف أحجام الرأس باختلاف انتماء اليهودي، كما يظهر الاختلاف والتباين علىالمستوى الثقافي/الإثني (انظر الباب المعنون «إشكالية العزلة والخصوصية اليهودية»).
2 ـ يُلاحَظ أن اليهودية ليست عقيدة متكاملة محددة المعالم بشكل معقول فهيأساساً تركيب جيولوجي تراكمي يحوي داخله طبقات عقيدية مختلفة ومتناقضة، بعضها يقتربمن الشرك الصريح وبعضها يصل إلى التوحيد الكامل، وهذه الطبقات جميعاً جزء مناليهودية. وإن آمن اليهودي بطبقة دون أخرى، فهو مع هذا يظل يهودياً من منظور الشرعاليهودي. وفي عهد الهيكل الثاني، كان الصدوقيون الذين لا يؤمنون باليوم الآخريجلسون في السنهدرين جنباً إلى جنب مع الفريسيين الذين يؤمنون بالبعث واليوم الآخر. وإلى جانب هؤلاء توجد بعض كتب الأنبياء في العهد القديم التي تقترب من التوحيدالخالص، بل تصل إليه أحياناً. وقد جاء في القرآن الكريم « قالت اليهود عزير ابنالله » (التوبة: 30) وبالفعل، هناك من اليهود من يستخدم مفهوم ابن الله باعتبارهمفهوماً محورياً (انظر: «ابن الله»)، ولكن هناك من يُهمِّش هـذا المفهـوم بل يرفضـهتماماً، ويـصر على قدر عال من التوحيد. وهناك العشرات من اليهود في العصور الوسطىفي الغرب ممن تقدموا إلى النار التي أُضرمت لإرغامهم على الرجوع عن التوحيد ولاقواحتفهم وهم يرددون أن الإله واحد.
وقد جمع حاخامات اليهود تفسيراتهم للعهدالقديم في التلمود الذي يُسمَّى أيضاً «الشريعة الشفوية»، وجعلوا الإيمان بهذهالشريعة الشفوية أساساً للعقيدة اليهودية يفوق في الأهمية الإيمان بالتوراة (الشريعة المكتوبة). والتلمود يحوي آراء أقل ما تُوصَف به أنها تُناقض أية رؤيةتوحيدية. وقد ازداد الأمر سوءاً بظهور تراث القبَّالاه التي وصفها بعض الحاخاماتبأنها شرك صريح. وكان هناك إلى جوار هذا كله أشكال من اليهودية غير الحاخامية مثليهودية الفلاشاه في إثيوبيا ويهودية بني إسرائيل في الهند. وازدادت المسألةارتباكاً في العصر الحديث مع ظهور اليهودية الإصلاحية واليهودية التجديديةواليهودية المحافظة، وهي صيغ مخفَّفة من اليهودية بعضها لا يؤمن أتباعه بأن التوراةمُوحىً بها، وبعضها لا يؤمن بالبعث، وهكذا. ثم ظهر لاهوت موت الإله الذي ينطلق منفكرة أن الإله مات مع الإبادة النازية (ليهود الغرب)، وأن الدولة اليهودية حلت محلالإله! ثم ظهر أخيراً اليهود الملحدون والإثنيون الذين يرون أن يهوديتهم تكمن فيخواص عرْقية أو إثنية أو حتى نفسية لا علاقة لها بالدين.
3 ـ كل هؤلاء يعتبرون أنفسهم « يهوداً » وهذا أمر يحدث في كثير من العقائد حين يرفض شخص ما معيارية عقيدة ما ويرفض الاحتكام لها (مثل الإيمان بالإله في الإسلام والمسيحية واليهودية) ومع هذا يستمر في ادعاء الانتماء لها. ويُلاحَظ أن المسيحية والإسلام لا يمكن أن يقبلا مثل هذا الشخص في حظيرة الدين. فرغم وجود قدر من الاختلاف والتنوع وعدم التجانس يسمح به النسق الديني الإسلامي والمسيحي إلا أن ثمة معيارية نهائية لابد من قبولها. هذا على عكس اليهودية التي تفتقر إلى مثل هذه المعيارية، فلم تتبن تعريفاً عقيدياً وحسب (اليهودي هو من يؤمن باليهودية)، ولكنها تبنت أيضاً تعريفاً بيولوجياً مادياً (اليهودي هو من وُلد لأم يهودية)، وفي الآونة الأخيرة تبنت تعريفاً نفسياً (اليهودي هو من يشعر بذلك في قرارة نفسه، ومن قَبل أن يربط مصيره بمصير الشعب اليهودي)، وهذه تعريفات تُسقط المعيارية وتفتح الباب على مصراعيه لكل من يريد أن يُسمِّي نفسه يهودياً. فالتعريفان الثاني والثالث لا علاقة لهما بأية معيارية عقيدية. ولذا يمكن الحديث عن «يهودي ملحد»، أي يهودي لا يؤمن بالإله، ولكن لا يمكن أن نتحدث عن «مسلم ملحد» أو عن «مسيحي ملحد».
المفضلات