دلائل النبوة

أخوانى فى البدايه انا اعلم ان الموضوع قد سبقنى اليه بعض الاخوة الافاضل بارك الله فيهم ولكن لاننى رأيت ان موضوعى سيضيف جديدا لذا آثرت ان اكتبه مرة أخرى لكى يكون موضوعا متكاملا.

أخوانى قرأت لكم هذا الكتاب لدكتور.منقذ بن محمود السقار وهو كتاب شيق وجميل ولا غنى عنه للمسلم الذى يرغب فى المزيد من المعرفه عن الرسول الكريم محمد بن عبدالله ولاننى اعرف كم هو متعب ان نقرأ كتاب الكترونى من على شاشة الكمبيوتر لذا اثرت ان اضعه فى سلسله من المقالات عسى ان ننتفع به ولقد ترك الصالحون من هذه الأمة كنوزا عظيمه وقيمه من الكتب تركناها وراء ظهورنا ولان أمة أقرأ لا تقرأ او بالاحرى لا تحب القراءة فقد وضعته كما اسلفت فى مقالات عسى ان ننتفع بما جاء بها والله من وراء القصد والسبيل


مقدمة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن قاعدة الإسلام وأصلَه الشهادتان، شهادةُ أن لا إله إلا الله ، والشهادة بأن محمداً رسول الله، وهما مفتاح الجنة، وباب كل خير، وهما أجلُّ ما يدين المسلم به لربه، وأشرف ما يحمله إلى العالمين.قال رسول الله : ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غيرَ شاكٍ فيهما إلا دخل الجنة)) ، فالذي يؤمن بهاتين الشهادتين من غير شك ولا مرية يدخل الجنة.
ويخبر النبي عن موعود آخر لهؤلاء المؤمنين ، ألا وهو الأمن من النار: ((ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبدُه ورسوله، إلا حرمَه الله على النار)). ولذلك فإن المسلم حين يُعنى بالحديث عن نبوة النبي ودلائلِها؛ فإنما يتناول باباً عظيماً من أبواب الإسلام، إنه الشق الثاني من الركن الأول للإسلام. إن المسلم حين يؤمن بنبوة النبي إنما يؤمن بعقيدة راسخة رسوخَ الجبال الرواسي، ورسوها مصدره أنها عقيدة قامت على العلم والدليل والبرهان، إن حاله ليس كحال أولئك الذين قالوا: ] إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون[ (الزخرف: 23)، فهؤلاء وأضرابهم حجبوا عقولهم عن النظر في الحق ودلائل صدقه ، وصمّوا آذانهم عن سماعه ، واكتَفوا بالقعود حيث تاهت عقول آبائهم الأولين، فأنكر القرآن عليهم هذا الجمود، وقبّحه ، ودعاهم لإعمال عقولهم والإفادة منها، فقال: ]قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون [ (يونس: 16).
وقد دعانا القرآن الكريم للتأمل في دلائل نبوة النبي في غير آية: ]قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد [ (سبأ: 46). ولسوف نعرض للأدلة التي تشهد بنبوة النبي، تثبيتاً لإيمان المؤمنين، وخروجاً به من التقليد إلى البرهان والدليل، وهو أيضاً دعوة للبشرية التائهة عن معرفة نبينا وجوانب العظمة في حياته ودعوته، دعوة لهم للتعرف على هذا النبي الكريم، والإيمان به نبياً ورسولاً.
ودلائل النبوة الشاهدةُ بنبوة نبينا متنوعةٌ وكثيرة، ويجمعها أقسام ستة:

الأول: الغيوب التي أخبر عنها النبي وتحققتْ حال حياته أو بعد وفاته كما أخبر عنها ، ومن هذا النوع أيضاً ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الإعجاز العلمي الذي شهد بصحته العلم التجريبي الحديث.

الثاني: المعجزات الحسية التي وهبها الله النبي كتكثير الطعام وشفاءِ المرضى وانشقاقِ القمر.

الثالث: الدلائل المعنوية، كاستجابة الله دعاءه، وعصمتِه له من القتل، وانتشارِ رسالته عليه الصلاة والسلام، فهذا النوع من الدلائل يدل على تأييد الله له ومعيِته لشخصه ثم لدعوته ودينه، ولا يؤيد الله دعياً يفتري عليه الكذب بمثل هذا.

وأما رابع أنواع دلائل نبوته فهو أعظمُها وأدومُها، إنه القرآن الكريم معجزة الله التي لا تبليها السُنونُ ولا القرون، هذا الكتاب معجزة خالدة ودليل باهر بما أودعه الله من أنواع الإعجاز العلمي والتشريعي والبياني، وغيرِها من وجوه الإعجاز، يقول رسول الله : ((ما من الأنبياء من نبي، إلا قد أُعطي من الآيات، ما مثلٌه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحياً أَوحى اللهُ إليّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعاً يوم القيامة)).

وخامس أنواع دلائل النبوة إخبار النبوات السابقة وتبشيرها بمقدمه ، فهو النبي الذي أخذ الله الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه حال بعثته: } وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين { (آل عمران: 81).

وأما سادس أنواع دلائل النبوة فأخلاق النبي وأحواله الشخصية الدالة على كماله ونبوته، إذ لم تجتمع فيه هذه الصفات وتلك الكمالات إلا من تأديب الله له، فقد أدّبه فأحسن تأديبه.
وما أعرض للحديث عنه من دلائل النبوة في بحثي؛ أقتصر فيه على الصحيح الذي روي وفق شروط المحدثين، وأكفّ القلم عن الضعيف والغريب الذي أثقل كتب السير والدلائل المختلفة.
ولست أزعم أني استوفيت هذه الدلائل، بل قد صح عندي منها ما تركته لشهرته أو لغيره من الأسباب، كما تغافلت عن كثير من وجوه الإعجاز كالعلمي والبياني، تاركاً ذلك لأهل الاختصاص، وفي كل ذلك أبذل وسعي آملاً من الله التوفيق والسداد.

اولا:إخباره بغيوب تحققت في حياته

الغيب سر الله ، فهو وحده تبارك وتعالى الذي يعلم السر وأخفى } وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ { (الأنعام: 59).
والنبي كسائر البشر لا يعلم الغيب } قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملكٌ { (الأنعام: 50)، } قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون { (الأعراف: 188).
فإذا ما أخبر النبي عن شيء من الغيوب؛ فإنما يخبر بشيء من علم الله الذي خصه به وأطلعه عليه، ليكون برهان نبوته ودليل رسالته. ولقد أخبر النبي عن زهاء ألف أمر غيبي، بعضها في القرآن، وبعضها في السنة، وكل منها دليل على نبوته ورسالته. والغيوب التي أخبر بها على ضروب، فمنها ما تحقق حال حياته ، ومنها بعده ، ومنها ما يكون قريباً من الساعة، وفي كل ذلك دلائل على نبوته ورسالته. ومن الغيوب التي تنبأ بها ووقعت حال حياته خبر الريح التي تنبأ بهبوبها وهو منطلق وأصحابُه إلى تبوك فقال: ((ستهبُّ عليكم الليلة ريحٌ شديدة، فلا يقُمْ فيها أحدٌ منكم، فمن كان له بعيرٌ فليشُدَّ عِقاله)). قال أبو حميد t راوي الحديث: فهبَّت ريحٌ شديدة، فقام رجلٌ، فحملته الريح، فألقته بجبلي طيء. فمن الذي أخبر النبي بهبوب هذه الريح في زمن ما كان الناس يقدرون على التنبؤ بالطقس وحركات الرياح؟ إنه الله الذي لا تغيب عنه غائبة.
قال النووي: "هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة؛ من إخبارِه عليه الصلاة والسلام بالمغيَّب، وخوفِ الضرر من القيام وقت الريح .. وفيه ما كان عليه من الشفقة على أمته , والرحمةِ لهم , والاعتناءِ بمصالحهم , وتحذيرِهم مما يضرُّهم في دين أو دنيا". ومن إخباره بالغيوب تنبؤه بهزيمة الفرس وغلب الروم ، في وقت كادت دولة الفرس أن تزيل الإمبرطورية الرومانية من خارطة الدنيا، فقد وصلت جيوش كسرى أبرويز الثاني إلى وادي النيل، ودانت له أجزاء عظيمة من مملكة الرومان.
سنواتٌ معدودة تمكن فيها جيش الفرس من السيطرة على بلاد الشام وبعض مصر، واحتلت جيوشهم أنطاكيا شمالاً، مما آذن بنهاية وشيكة للإمبرطورية الرومانية. وأمام هذا الطوفان الفارسي أراد هرقل ملك الروم أن يهرب من عاصمة ملكه القسطنطينية، وكاد أن يفعل لولا أن كبير أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس. ووسط هذه الأحداث - وخلافاً لكل التوقعات - أعلن النبي في أجواء مكة المتربصة به وبدعوته أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، أي فيما لا يزيد عن تسع سنين، فقد نزل عليه قول الله تعالى: ]غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله[ (الروم: 2-5).
يقول المؤرخ إدوار جِبن في كتابه "تاريخ سقوط وانحدار الإمبراطورية الرومانية": "في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءةٍ أبعدَ منها وقوعاً، لأن السنين العشر الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبرطورية الرومانية".
لقد كان النبي يتنبأ بانتصار المهزوم الذي يكاد يستسلم لخصمه، ويحدد موعداً دقيقاً لهذا النصر الذي ما من شيء أبعد في تحققه منه. وتناقلت قريش هذه النبوءة الغريبة التي خالفت أهواءهم التي مالت إلى جانب الفرس إخوانِهم في الوثنية، بينما أحب المسلمون انتصار الروم لأنهم أهل كتاب، واستبشروا بالخبر. قال ابن عباس: (كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم، لأنهم وإياهم أهلُ أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهلُ كتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله فقال: أما إنهم سيَغلبون. فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا [أي بدوام انتصار الفرس] كان لنا كذا وكذا [أي من الرهن]، وإن ظهرتم [أي بانتصار الروم] كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهر الروم [أي في هذه السنينِ الخمس]. فذكروا ذلك للنبي فقال: ألا جعلته إلى دون العشر [أي طلب منه زيادة الأجل إلى تسع سنين، لأن البضع في لغة العرب ما دون العشر]، والله قد وعد بظفر الروم في بضع سنين.
قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر. قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال ابن عباس: فذلك قوله تعالى: ]غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين [.
لقد كان الأمر كما تنبأ عليه الصلاة والسلام، ففي عام 623م وما بعدها استطاع هرقل أن يتخلص من لهوه ومجونه، وشن ثلاث حملات ناجحة أخرجت الفرس من بلاد الرومان.
وفي عام 626م واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان بعد هزيمتهم في معركة نينوى، وأعادوا لهم الصليب المقدس - عندهم - وكان قد وقع بأيديهم. فمن ذا الذي أخبر محمداً بهذه النبوءة العظيمة؟ إنه وحي الله، وهو دليل رسالته ونبوته عليه الصلاة والسلام.
ولو تأملنا قوله تعالى: ]غلبت الروم في أدنى الأرض [ فإن أعيننا لن تخطئ برهاناً آخر من براهين نبوته ، فقوله تعالى: ] في أدنى الأرض [ يشير إلى حقيقة علمية كشف عنها العلم الحديث، وهي أن البقعة التي انتصر فيها الفرس على الروم في منطقة الأغوار قريباً من البحر الميت هي أدنى الأرض، أي أخفض مكان في الأرض كما تؤكده الموسوعة البريطانية وغيرها، إنه بعض علم اللطيف الخبير. ومما أطلع الله نبيه عليه من الغيوب التي لا يعرفها لولا إخبار الله له؛ خبر كتاب حاطب بن أبي بلتعة t الذي أرسله إلى قريش مع امرأة، يخبرهم فيه بعزم النبي على غزو مكة.
فلما كشف الله ذلك لنبيه؛ بعث علياً والزبيرَ والمقدادَ بنَ الأسود، وقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب، فخذوه منها))، يقول علي: فانطلقنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب.
قال ابن حجر: "وفيه من أعلام النبوة إطلاعُ الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة".
ومثله من الإخبار المعجِز نعْيُه لقادة مؤتة الثلاثة - وقد استشهدوا في الشام - وهو في المدينة ، يقول أنس: نعى النبي زيداً وجعفراً وابنَ رواحة للناس قبل أن يأتيَهم خبرُهم ، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان؛ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم)). فالذي أعلم النبيَّ بمقتلهم قبل أن يأتي خبرهم إلى الناس هو الله علام الغيوب، قال الطحاوي: "وفيه عَلَمٌ ظاهر من أعلام النبوة".
ومن إخباره بالغيوب؛ تعريفه أبا هريرة بحقيقة الشيطان المتمثل في صورة رجل، ، وتنبؤه بأنه سيأتي مرة بعد مرة، فقد جاءه شيطان، يسرق من طعام الزكاة، فأمسك به أبو هريرة، ثم خلّى عنه لما شكى الفقر والعَيْلة.
يقول أبو هريرة: فخليتُ عنه، فأصبحتُ، فقال النبي: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟)) فقلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعِيالاً، فرحمته، فخليتُ سبيله، قال: ((أما إنه قد كذَبك, وسيعود))، قال أبو هريرة: فعرَفتُ أنه سيعود لقول رسول الله : ((إنه سيعود)) ...
وعاد الرجل كما أخبر النبي ، وأطلقه أبو هريرة ثانية, فأخبره النبي بمقدَمِه ثالثة، فكان كما أخبر.
فلما غدا إلى النبي قال له : (( تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟)) قال: لا، قال: ((ذاك شيطان)). قال ابن حجر: "وفيه إطلاع النبي على المغيَبات". فهذه الغيوب وغيرَها مما أخبر به أدلةٌ واضحة وبراهينُ ساطعة على نبوة النبي ، فهي غيوب أخبره بها عالمُ السر والنجوى.


ثانيا:إخباره بالغيوب المستقبلة التي تحققت بعد وفاته

ولئن دلت الغيوب التي ذكرناها قبل على نبوة النبي فإن ما بين أيدينا من الغيوب أعظم دلالة، إذ سنتناول ما أخبر به وتحقق بعد موته ، فكان أيضاً برهاناً صادقاً على نبوته .
وقف النبي يوماً خطيباً بين أصحابه، ولنسمع إلى حذيفة وهو يقص علينا الخبر.
يقول حذيفة: "خطب خطبة، ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علِمه من علِمه، وجهِله من جهِله"، يقول حذيفة: (إنْ كنت لأرى الشيء قد نسيتُ، فأعرِف ما يعرِف الرجل إذا غاب عنه، فرآه فعرَفه).
قال ابن حجر: "دل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتُدئت إلى أن تفنى، إلى أن تُبعث , فشمل ذلك الإخبارَ عن المبدأ والمعاش والمعاد , في تيسير إيراد ذلك كلِّه في مجلس واحد من خوارق العادة أمرٌ عظيم , ويقْرَب ذلك - مع كون معجزاته لا مرية في كثرتها - أنه أعطي جوامع الكلم".وهذا الذي رواه حذيفة مجملاً؛ فصّله عمرو بن أخطب الأنصاري، فقال: (صلى بنا رسول الله الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطَبَنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، فأعلمُنا أحفظُنا).
قال القاضي عياض: " من ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون، والأحاديث في هذا الباب بحر لا يُدرك قعره، ولا ينزَف غمْرُه، وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع، الواصلِ إلينا خبرها على التواتر، لكثرة رواتها واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب".
ومن الغيوب الباهرة التي كشفت لنبينا خبر أم حرام بنت ملحان ، فقد سمعت النبي يقول: ((أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)).
قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: ((أنتِ فيهم)).
ثم قال النبي : ((أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم)).
فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: ((لا)).
قال ابن حجر: " وفيه ضروب من إخبار النبي بما سيقع، فوقع كما قال , وذلك معدود من علامات نبوته: منها إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحابُ قوةٍ وشوكة ونِكاية في العدو, وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر, وأن أمَّ حرام تعيش إلى ذلك الزمان, وأنها تكون مع من يغزو البحر, وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية ".
وفي حديث يرويه الشيخان أنه نام يوماً في بيتها، ثم استيقظ وهو يضحك، فسألَتْه: ما يضحكك يا رسولَ الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرضوا عليّ غُزاة في سبيل الله، يركبون ثبج [ظهر] هذا البحر، مُلوكاً على الأَسِرّة، أو مثل الملوك على الأَسرّة)). قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها. ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فسألته أم حرام: ما يضحكُك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرِضوا عليّ غُزاة في سبيل الله )) فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنت من الأولين)). فركبت أمُّ حرامٍ بنتِ مِلحانٍ البحرَ في زمن معاوية، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. وقد نقل الطبراني وغيره أن قبرها معروف في جزيرةقبرص. فمن الذي أعلم النبي بما يكون بعده؟ من الذي أعلمه بأن أمته سوف تغزو البحر من بعده، وأن أم حرام بنت ملحان ستعيش حتى تدرك هذا الغزو، فتشارك فيه؟

lk ]ghzg hgkf,m