مختلف, تحية طيبة, وبعد:

1. تثبت النبوة بالمعجزة, والمعجزة هي الشيء الخارق للعادة, ولا يكون بمقدور الإنسان أن يأتي بها لا من نفسه, ولا من غيره. والمعجزة تكون سلطانًا مبينا, وحجة دامغة, ودليلا خريتا, وبرهانا ساطعا؛ لذلك هي حجة على من يراها, وهي حجة مادام البشر قاصرين عن مجاراتها, والإتيان بمثلها, وهم لم ولن يأتوا بمثلها؛ لأنها معجزة.

2. والمعجزة نوعان؛ معجزة تنتهي بموت صاحبها, ومعجزة خالدة, وهذه الأخيرة قد اختصَّ بها سيدنا محمد دون سائر الرسل والأنبياء؛ لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.

3. وقد كان الله سبحانه يؤيد نبيه بالمعجزات؛ ليقيم بها الحجة في الدنيا والآخرة, وقد كانت المعجزة في أعظم شيء اشتهر به قومه؛ لتقوم الحجة عليهم:
أ‌- قوم ثمود قد برعوا في النحت, وكانوا حاذقين, وقد دعاهم نبي الله صالح عليه السلام إلى ما أوحي إليه, فطلبوا منه آية معجزة ليعلموا صدقه من كذبه, فأشار كبراؤهم إلى صخرة, وطلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من صفتها كذا وكذا. فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به، فأنعموا بذلك. فقام نبي الله صالح، عليه السلام، فصلى، ثم دعا الله، عز وجل، أن يجيبهم إلى سؤالهم، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء، على الصفة التي وصفوها.
ب‌- قوم فرعون قد برعوا في السحر, وكانوا حاذقين, وقد دعاهم نبي الله موسى إلى ما أوحي إليه, فطلب منه فرعون معجزة تدل على صدق دعواه, وجمع له سحرة البلاد يوم الزينة, فلما ألقوا عصيهم سحروا أعين الناظرين, فخاف موسى عليه السلام, فثبته الله, وأمره أن يلقي عصاه, فصيرها الله إلى ثعبان مبين حقيقي, وابتلعت عصي السحرة, فعلم السحرة_ وهم أهل السحر _أنَّ ما فعله موسى ليس بسحر, بل هو معجزة من الله, فخروا ساجدين لله, ولم يأبهوا بما فعله بهم فرعون. وثمَّة معجزات أخر؛ انفلاق البحر فلقين, والبلاء الذي حل بفرعون وملئه.
ت‌- بنو إسرائيل قد برعوا في الطب, وكانوا حاذقين, وقد دعاهم نبي الله عيسى إلى ما أوحي إليه, وأيده الله بمعجزات أعجزت الطب: يخلق من الطين طيرا, ويبرئ الأكمه والأبرص, ويحييى الموتى.
هذه بعض النماذج التي تكون عليها المعجزة من حيث صفتها وكيفيتها.

4. زميلي مختلف, ترى ضرورة أن تكون المعجزة ساحقة بحيث لا يراها أحد إلا ويؤمن بها, وهذا باطل من وجوه:
أ‌- أنت تقرُّ أن هذا الكون العظيم معجزة ساحقة دامغة ساطعة مبينة, ومع هذا لم يؤمن بها الجميع على أنَّها تثبت وجود خالق؛ فمنهم من جعل نفسه إلها, ومنهم من جحد خالقه, وصار ملحدًا. إذن, لا يشترط بالمعجزة أن يؤمن بها الجميع؛ لأنَّه لو كان ذلك حقًّا وعدلا, لآمن من في الأرض كلهم جميعا بالله, وهذا الذي لم يكن!!
ب‌- بعض الناس يستحوذ عليه السوء, ويتحكم به الكبر والعناد؛ فلا يؤمن بالرسول؛ ليس لأنَّه لم يقتنع بمعجزته, بل لأنه تكبَّر وبغى في الأرض, وصدق الله العظيم: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا.
ت‌- بعض الناس سذج بسطاء, مردوا على دين آبائهم, وقلدوا بغير هدى ولا رشاد, وليسوا بأصحاب الرأي السوي, ومستمسكون بالقوي, وله تابعون؛ فيكفرون بالرسول؛ لأنَّ سيدهم على ذلك كان, وبه أمرهم.

5. زميلي مختلف, تشترط بالمعجزة أن تكون على مستوى خلق الله. ألا فاعلم أنَّ الشيء الخارق للعادة هو دالٌّ على قدرة الله؛ فمن الذي يحيى الموتى؟ ومن الذي يخلق من الجماد خلقا؟ ومن الذي يعلم غيب السموات والأرض؟ ومن الذي ينزع من الأشياء خاصياتها؟ ومن الذي يعلم كل شيء؟ إنَّه الله.
إذن, من أتى بإحدى هؤلاء المعجزات فإنَّه أتى بشيء يرقى إلى أمر الله من حيث قدرته وحكمته.

6. زميلي مختلف, تشترط ضرورة أن ترى المعجزة, وهذا الشرط حقٌّ لك في حالة واحدة, ألا وهي: أن لا تنقل المعجزة بشكل متواتر, فإن نقلت بشكل متواتر, يكون نقلها قد أفاد العلم, أي أنَّها حدثت بشكل قاطع, فعندها ليس بالضرورة أن تراها؛ لأنَّه نقلها لك جمع عن جمع يستحيل طواطؤهم على الكذب.

7. زميلي مختلف, ضربت مثلا: (شخص متطور من بلد متحضر, قادر أن يثبت بالدليل القاطع أنه رسول لمجموعة بشر بدائيين مازالوا في اﻷمازون! بمجرد جلبه لكاميراته!), لكن: مجموعة بشر بدائية, جلب لهم بدائي منهم الكاميرات والتلفون والكمبيوتر والإنترنت؛ فإنَّ ذووي الألباب منهم يقطعون أنَّ هذه الأمور ليست منه, بل هي من غيره. فإن لم يكن في الأرض من له قدرة على ذلك, علم أنَّها ليست من البشر, بل هي من غيرهم, وهو الله. ومَثَلُكَ فيه خلل؛ لأنَّ الذي جلب كاميراته ثمَّة كثير مثله, وبذلك لم تكن كاميراته معجزة؛ لأنَّها لم تعجز جنس البشر. فتأمَّل.

8. الآن, نشرع رسميًّا بإثبات نبوة خير الأنبياء والمرسلين, محمد بن عبد الله الأمي الأمين.