أبا علي الفلسطيني, بارك الله بك, ونفع بما تضع.
1. قولك: (لو كان هناك نازلةٌ فقهية_ مثلا _لم يوجد فيها قول عن الرسول e, ولا عن أصحابه y, وأفتى فيها التابعون بالاجتهاد أو القياس, وأجمعوا عليها, هل نأخذ بإجماعهم ونعتبره حجة؟):
2. التفصيل:
- لم تقع واقعة ولا تطرأ مشكلة ولا تحدث حادثة إلاّ ولها محل حكم؛ فقد أحاطت الشريعة الإسلامية بجميع أفعال الإنسان إحاطة تامة شاملة، فلم يقع شيء في الماضي، ولا يعترضه شيء في الحاضر، ولا يحدث له شيء في المستقبل إلاّ ولكل شيء من ذلك حكم في الشريعة، قال الله Y: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾, (النحل: 89)، وقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾, (المائدة: 3).
- إذن, فالشريعة لم تُهمِل شيئا من أفعال العباد مهما كان، فهي إما أن تنصب دليلاً له بنص من القرآن والحديث، وإما أن تضع أمارة في القرآن والحديث تنبِّه المكلَّف على مقصدها فيه وعلى الباعث على تشريعه، لأجل أن ينطبق على كل ما فيه تلك الأمارة أو هذا الباعث.
- ولا يمكن شرعا أن يوجد فعل للعبد ليس له دليل أو أمارة تدل على حكم، لعموم قوله: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، وللنص الصريح بأن الله قد أكمل هذا الدين.
- المشرع واحد, وهو: الله Y: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾, (الأنعام: 57). مصادر التشريع اثنان, وهما: القرآن والسنة: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾, (النساء: 59). والأدلة الشرعية أربعة, وهي: القرآن والسنة, وما أرشدا إليه من إجماع صحابة أو قياس.
- الاجتهاد لا يكون إلا بنصٍّ شرعي, وليس تشريعًا عقليًّا, بل هو استنباط شرعي.
- نحن نأخذ بإجماع الصحابة y, ولكن؛ ليس بوصفه اتفاقًا لهم, بل بوصفه حكمًا شرعيًّا, حيث الصحابة y يروون الحكم من دون دليله؛ لاشتهار الدليل بينهم, فهم من شهدوا السنة, قولا وعملا وتقريرا وصفة.
- قولك: (وأفتى فيها التابعون بالاجتهاد أو القياس, وأجمعوا عليها, هل نأخذ بإجماعهم ونعتبره حجة؟):
· إجماع من بعد الصحابة ليس حجة؛ لأنه لم يثبت دليل قطعي في ثبوته ودلالته يدل على ذلك.
· أمَّا الأخذ بإجماعهم فهو جائز, ولكن ليس بوصفه دليلا شرعيًّا, بل بوصفه رأيًا شرعيًّا يجوز تقليده, والعمل به.
· يقول الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الواقع: (وَهُوَ_ أي الإجماع _فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ).
· يقول أبو حنيفة عن هذا الواقع: (وَإِذَا أَجْمَعَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ).
المفضلات