يروي القرطبي في كتابه "الأعلام" من غرائب التفسير
في قوله تعالى {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى} أقوالاً ذكرت في أحكام مخارج القرءان أحسنها ما ذكره بعضُ المتكلمنَ أنَّ العربَ كانت إذا وجدت شجرة منفردة في فلاة من الأرضِ لا شجرَ معَها سموها [ضالَّة] فيُهتدى بها على الطريق. فقالَ اللهُ تعالى لنبيّهِ صلى الله عليه وسلم {ووجدك ضالا فهدى} أي وجدتك لا أحد على دينك فهديت بك الخلقَ إليَّ.ا

أما البغوي في تفسيره فنجده يقول ( ووجدك ضالا فهدى ( 7 ) ووجدك عائلا فأغنى ( 8 ) )
( ووجدك ضالا ) يعني ضالا عما أنت عليه ( فهدى ) أي : فهداك للتوحيد والنبوة .

قال الحسن والضحاك وابن كيسان : " ووجدك ضالا " عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عنها ، فهداك إليها ، [ كما قال ] " وإن كنت من قبله لمن الغافلين " ( يوسف - 3 ) وقال : " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان " ( الشورى - 52 ) .

وقيل : ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب وروى أبو الضحى عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير ، فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه فرده إلى عبد المطلب .

وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق ، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة ، ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك . وقيل : وجدك ضالا [ ضال ] نفسك لا تدري من أنت ، فعرفك نفسك وحالك . ( ووجدك عائلا فأغنى ) أي فقيرا فأغناك بمال خديجة ثم بالغنائم .

وقال مقاتل : [ فأرضاك ] بما أعطاك من الرزق . واختاره الفراء . وقال : لم يكن غنيا عن كثرة المال ولكن الله [ أرضاه ] بما آتاه وذلك حقيقة الغنى . [ ص: 457 ]

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنه قال أخبرنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزغرتاني . أخبرنا أحمد بن سعيد أخبرنا أبو يحيى محمد بن عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " .

ونجد الحسين بن أحمد إبن خالويه المُتوفّى سنة 370 هجرية رحمه الله تعالى يعلق على هذه الأية في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم
فيقول :
ووجدك ضالاّ فهدى:فإن سأل سائل فقال:أكان رسول الله صلّى الله عليه وآله ضالاّ قبل ذلك فقل حاشاه مِنْ ذلك ،وفي ذلك اقوالٌ:أحدها أيْ وجدك يا محمد بين قوم ضُلاّل فهداهم الله بك . وقال آخرون :ضلّ ذات يوم عن عمّه أبي طالب فحزن ثمّ وجده.وقال آخرون هذا مثل قوله : وعلّمك ما لم تكن تعلم 113 النساء. فأمّا الضلال الذي هو ضدّ الإيمان فحاشاه صلّى الله عليه وسلّم أن يكون ضلّ طرْفة عين. ألم تسمعْ إلى قوله عزّ وجلّ: والنجمِ إذا هوى . ما ضلّ صاحبُكمْ وما غوى_ سورة الضحى