أم سلمة تنقذ الموقف


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

ففي السنة السادسة من الهجرة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وطافوا به معتمرين فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة ففرحوا بذلك وحسبوا أنهم يدخلون مكة فى عامهم هذا . وتحرك الرسول والمسلمون معه إلى مكة فلما كان بذي الحليفة – ميقات أهل المدينة – قلد الهدى وأشعره وأحرموا بالعمرة ، وساروا حتى وصلوا الحديبية على مقربة من مكة أعلنت قريش أنها مانعة رسول الله والمسلمين عن دخول مكة ولو اقتضى الأمر قتالهم ، وتحركت الرسل بين أهل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخبرهم أنه لم يأت لقتال ، وانتهى الأمر إلى توقيع صلح الحديبية ، وكان من بين شروط هذا الصلح : أن يرجع الرسول من عامه هذا فلا يدخل مكة ، فإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً معهم سلاح الراكب : السيوف فى قرابها ، ولا تتعرض لهم قريش بأي نوع من أنواع التعرض .

وأحزن المسلمين أن يرجعوا دون أن يدخلوا مكة ويؤدوا مناسك عمرتهم ، وعز ذلك على عمر بن الخطاب وأظهر حزنه فى مناقشة صريحة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عمر : يا رسول الله – ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى . أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار ؟ قال : بلى . قال ففيم نعطى الدنية فى ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا بن الخطاب إني رسول الله ولست أعصيه ، وهو ناصري ولن يضيعني أبداً – قال أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ قال : لا . قال فإنك آتيه ومطوف به . وانطلق عمر إلى أبى بكر وقال مثل هذا القول . وأجابه أبو بكر كما أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فوالله إنه لعلى الحق .

فى هذا الجو الحزين أمر رسول الله أصحابه أن ينحروا هديهم ويحلقوا رؤوسهم ويتحللوا من إحرامهم ، وكرر ذلك ثلاثاً وما منهم من مستجيب ، فدخل على زوجه أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس فقالت : ( يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج إليهم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حلاقك فيحلقك ) وفعل الرسول ما أشارت به أم سلمة فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً وندماً ، وثابوا إلى رشدهم بعد أن غلبتهم عواطفهم ، وأنقذ الله بمشورة أم سلمة موقفاً كاد أن يهلك فيه المسلمون بمخالفتهم أمر نبيهم ، وما قصدوا مخالفة ولا إباء ، وهم الذين بايعوه تحت الشجرة على الموت فى سبيل الله لما أشيع أن قريشاً قتلوا عثمان بن عفان الذي أرسله النبي إليهم ، ورضي الله عنهم بهذه البيعة ، وإنما هي صدمة المفاجأة بانهيار أملهم فى الطواف بالبيت ، والحزن الذي أصابهم لعدم إتمام عمرتهم ، ثم ثابوا إلى رشدهم ، وكشفت الأيام بعد ذلك أن صلح الحديبية كان فتحاً من الله عظيماً .