-ص 453 -
والذين ركبوا صعب ابن حجر كثيرون ، فقبلوا الروايات والتمسوا لـها الوجوه والتخريجات ، نحو هذا التأويل الذي شاع وذاع مع أنه أكثر تفاهة من السابق ، وقد ذكره القرطبي في تفسيره ثم رده في وجه صاحبه:
" وقال بعض الناس : لم يكتب عبد الله المعوِّذتين لأنّه أمن عليهما من النسيان فأسقطهما وهو يحفظهما كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه وما يُشكّ في حفظه وإتقانه لها . فرُدّ هذا القول على قائله وأقبح عليه بأنّه قد كتب : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} و{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وهنّ يجرين مجرى المعوذتين في أنـهن غير طوال والحفظ إليهن أسرع ونسيانـهن مأمون وكلّهن يخالف فاتحة الكتاب إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتـها وسبيل كل ركعة أن تكون المقدّمة فيها قبل أن يقرأ من بعدها فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف على معنى الثقة ببقاء حفظها والأمن من نسيانـها صحيح وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها ولا يسلك به طريقها وقد مضى هذا المعنى في سورة الفاتحة والحمد لله " ( 1 ) .
ثم ذكر القرطبيفي موضع آخر من تفسيره تأويلا يتخلص به من إشكال الكفر الذي ذكره الفخر الرازي ، فعن يزيد بن هارون أنه قال :
" المعوّذتان بمنـزلة البقرة وآل عمران من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر بالله العظيم ، فقيل له : فقول عبد الله بن مسعود فيهما ؟ فقال : لا خلاف بين المسلمين في أن عبد الله بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله " ( 2 ) .



رد مع اقتباس
المفضلات