شبهات باطلة حول العقيدة:
الشبهة التاسعة (9):
- إن الثبات فى نواميس الكون لا يعنى القدرة الكاملة لله, لأنها لا تتغير, فهى رتابة وميكا###ية ثابتة, أما كمال القدرة وطلاقتها فهى فى الخروج عن هذه الميكا###ية, أما بقاء الثابت فى ثباته, والساكن على سكونه, فقد يعطى الدليل على دقّة القدرة, وإبداع الخالق, ولكنه لا يعطى الدليل على القدرة على الخروج عن النظام الذى خلقه, وكأن الصنعة قد حكمته!!

الرد:
- الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء, ولكنه سبحانه له الحكمة التامة فى كل شىء, فقد وضع نواميس للكون لا تتحمل التغيير, وهذا من كمال قدرته, وإلا- لفسد الكون, ولوقع الضرر على جميع المخلوقات, ومنها الإنسان {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِن} [المؤمنون:71] فلو بعدت الشمس - مثلاً - عن الأرض لتحولت إلى كرة من الجليد, ولدمرت جميع مظاهر الحياة, ولو اقتربت منها لأحرقت كل ما عليها, وغيرها الكثير من النواميس التى لو تغيرت لأحدثت خللاً رهيباً فى الكون, فهى ثابتة منذ ملايين السنين, لم يصبها عطب, ولم تحتجْ إلى راحة أو صيانة, فالشمس - مثلاً - مخلوقة منذ ملايين السنين, ولم تتعطل يوماً لحين إصلاحها, أو تركيب قطع غيار لها, أو غير ذلك, فى حين أن أدق ماكينة من صنع البشر لابد أن تتعطل, وتتآكل أجزاؤها, وتحتاج لقطع غيار وتشحيم وصيانة, أما الكون فلم يتعطل نظامه منذ خلقه الله سبحانه وتعالى, وما يطلبه الملحدون من خرق النواميس فهو عبث وتدمير للكون, وليس طلاقة قدرة, ولو حدث لقالوا: إن الكون تحكمه آلهة متعددة, وإن كل إله يغيّر ما يفعله الآخر {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22] إن النواميس التى خلقها الله جل وعلا لا تحكمه, أما البشر فتحكمهم قوانين صنعتهم, فلو ذهبت إلى خياط, وأعطيته متراً من القماش, وقلت له: اعمل لى بدلة وصديرى وبالطو.. لقال لك: لا أستطيع لأن الصنعة تحكمنى, أو قلت لنجار: اعمل لى غرفة نوم وسفرة وصالوناً وكذا وكذا من لوح خشبى.. لقال لك: لا أستطيع لأن قانون الصنعة يحكمنى, أما الله سبحانه وتعالى فلا تحكمه صنعته, فرغم ما جعله من هذا التناسق البديع, والتوازن والثبات فى الكون, فقد خرق بعض نواميسه فى بعض الأحيان, ولكن بحكمة, وبغير أن يفسد نظام الكون, ومن أمثلة ذلك ما حدث من سلب خاصية الإحراق من النار وإنجاء سيدنا إبراهيم منها, وإخراج الناقة العشراء من الصخرة لسيدنا صالح, وخلق سيدنا آدم بغير أب ولا أم, وخلق السيدة حواء بغير أم, وخلق سيدنا عيسى بغير أب, وتليين الحديد لسيدنا داود, وتسخير الرياح وتسييل النحاس لسيدنا سليمان, وقلب العصا إلى ثعبان وفلق البحر لسيدنا موسى, وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لسيدنا عيسى, وغير ذلك من المعجزات التى أيد الله بها الأنبياء والمرسلين, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وفى الْمُشاهد من واقعنا أمثلة أخرى على خرق النواميس, ففى بنى آدم - مثلاً - معروف أن الذرية تأتى من اتصال الذكر بالأنثى, ولكن أحياناً يكون الزوج سليماً, والزوجة سليمة, ليس بهما أى معوّقات عن الإنجاب, وكل فحوصاتهما الطبية سليمة, ولكن يقدر الله جل وعلا ألا يُنجبا, حتى أنهما لو افترقا وتزوج كل واحد منهما لأنجب {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير} [الشورى:49-50] وفى هذا حجة على الملاحدة الذين يقولون: إن كل شىء يسير بقانون لا يخرج عنه. فلو كان قولهم صحيحاً لَمَا وُجِد عقم على الإطلاق, إلا بما يعترفون به من حالات مرضية, ولكن هذه الآية تتحدى البشرية باستمرار وجود حالات عقم, مهما بلغت من تطور علمى فى اكتشاف وعلاج الأمراض, والمواليد التى لم تولد بنفس الصفات الخِلْقية لعامة البشر, والتى يقولون عنها إنها (عيب خِلقى) هى أيضاً من خرق النواميس, ولكن هذه التسمية خطأ, فلا يصح من مسلم أن يقولها على أيَّة حال, حتى لو قالها أكبر أساتذة الطب, لأنه فى هذه الحالة ينسب العيب للصانع وليس للمصنوع, فلو أتيتنى مثلاً - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - بكرسى له ثلاثة أرجل, كلما جلست عليه وقعت, أيكون العيب فى الكرسى, أم الذى صنعه؟ ولكن الله سبحانه ليس فى خلقه عيب {üالَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه} [السجدة:7] {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] ولكنه تغيير ربانى لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى, سواء علمناها نحن أم لم نعلمها, فالأفضل فى هذه الأحوال أن نقول: (مرض خِلْقى) أو كلمة تشابهها. ويقال إن سيدنا يونس - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - بعدما أمر الله الحوت أن يلقيه على الشاطئ, وجد أطفالاً يلعبون, ووجد طفلاً جالساً حزيناً لا يلعب معهم, وعندما حقق فيه النظر وجده أعمى, فدعا الله أن يردّ إليه بصره, فاستجاب لدعوته وردّ بصره, ولكن ماذا حدث؟ كان أول شىء فعله هذا الطفل بعد أن ارتد إليه بصره أن رمى سيدنا يونس بالحجارة, وحرض الأطفال الآخرين أن يفعلوا مثله, فدعا الله أن يعميه كما كان لأنه مفسد فى الأرض. هذه القصة لم نتأكد من صحتها, ولكن ذكرناها للاستئناس, وأنه لابد من وجود حكمة فى تغيير خِلْقة بعض البشر عن الآخرين, ونحن فى عالم للكفر فيه قدم وساق, فلو كانت كل الأطفال تولد بصفات خِلْقية ثابتة, لتطاول الجاحدون وقالوا: إن الذى يخلق ليس بوسعه أن يغير خِلْقته. وهناك الكثير والكثير من خرق النواميس, حتى لا نظن أننا قد ملكنا الدنيا بالأسباب, وأن كل شىء ثابت ولن يتغير, فيصيبنا الأمان من مكر الله, وعدم التوكل عليه, بل التوكل على الأسباب وحدها.

ونذكر من أمثلة خرق النواميس: بعض المناطق المعروفة بهطول الأمطار الغزيرة وبالشلالات التى تمد البلدان الأخرى بالمياه - مثل بعض منابع النيل فى أفريقيا - تأتى عليها فترة لا تمطر قطرة واحدة, حتى يكاد الحرث والنسل يهلك من شدة العطش, ولا يستطيع الإنسان بكل ما أوتى من علم أن يتنبأ بوقت الجفاف, أو يأخذ حذره فيعد لذلك عدته, فلو كانت الأسباب وحدها هى المسَيِّرَة لهذا الكون لَمَا انقطعت هذه الأمطار عن تلك المناطق. وعلى العكس من ذلك, قد تهطل الأمطار على مناطق صحراوية جافة, لم تعهد المطر قط, أو يأتى المطر فى الحر (كما يحدث عندنا فى بعض الأحيان) ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إثر سماء كانت من الليل (أى فى صبيحة ليلة ممطرة): ((هل تدرون ماذا قال ربُّكم الليلة؟ قال الله: أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر, فأما من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته, فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب, وأما من قال: مُطِرنا بنوء كذا وكذا, فذلك كافر بى ومؤمن بالكواكب)) [متفق عليه] وأحيانا تأتى ليالٍ باردة فى الصيف, وليالٍ حارة فى الشتاء.

وفى عالم الحيوان تجد صَبيّاً, لا يتجاوز عمره بضعة أعوام, يسحب جملاً أو ثوراً كبيراً, لو وقع على سيارة لحطمها. وفى الهند تجد الطفلة الصغيرة تركب فوق ظهر الفيل الضخم, دون أن تخاف منه, وتمسك بزمامه وتضربه, وتجعله يعمل فى الحقل حيث شاءت, مَن الذى سخر لنا هذه الكائنات العملاقة, التى لو ثارت لَمَا وقف فى طريقها أحد؟ إنه القادر على كل شىء, الذى لا يعجزه شىء. ولا يظن أحد أن هذا ذكاءً من ابن آدم أو مهارة, فإنه يعجز عن السيطرة على ما هو أضعف منها بكثير, فلا يستطيع أن يسيطر على ثعبان أو فأر أو ذئب أو ثعلب... إلخ, ويَحَار فى السيطرة على ذبابة أو بعوضة أو برغوث أو بقَّة تقلقه.

وفى عالم النبات.. تجد الفلاح يبذر الحبوب, ويسقيها بالماء, ويفعل كل ما كان يفعله من قبل, ثم تأتى آفة أو صاعقة على هذا الزرع فتهلكه, دون أن يعرف لها أى سبب {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} [الكهف:42] {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ{19} فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 19-20] أو يخرج النبات ولكنه أردأ بكثير مما كان متوقعاً {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} [الأعراف:58] فى حين أن هناك مناطق أخرى جدباء, يخرج النبات فيها بإذن ربها, دون بذر ولا حرث, مثل بعض الجبال الصخرية, والمناطق الصحراوية, حتى إن البعض يسمى هذا النبات (زرع شيطانى) ولكن هذه التسمية خطأ.. لأن كل شىء بأمر الله جل وعلا, فالأرض والمطر والرياح والزرع وكل شىء لا يفعل بذاته, ولكن بقدرة الله, حتى لا نتوكل على الأسباب وننسى الخالق سبحانه وتعالى.

وفى الجماد نرى ما يطرأ على الكرة الأرضية من زلازل, وبراكين, وانزلاقات أرضية, وأعاصير, وغير ذلك, والله سبحانه وتعالى لا يخلق هذه الأشياء عبثاً, ولكنها بذنوب العباد, ففى الزلزال الذى حدث فى مصر عام 92 ارتعدت قلوب الكثير من العباد, وعادوا إلى ربهم, وفى اليوم الذى غامَت فيه السماء نهاراً, حتى أظلمت الدنيا تماماً وكأنه الليل, أصاب الكثيرَ من سكان القاهرة الرعبُ والفزع, وظنوا أن القيامة قد قامت, أليس هذا خرقاً للنواميس؟ وسبحان الله.. تجد الإنسان الذى بلغ من العلم ما بلغ لا يستطيع أن يتنبأ بوقوع الزلازل, ولا يُقدِّر شدتها بمقياس (ريختر) إلا بعد حدوثها, فى حين أن الذى يشعر بقرب وقوعها بعض الحيوانات, وخاصة الفِئران والكلاب والحمير, فتراها تهرب فى اتجاه بعيد عن مصدرها, حتى إن الحيوانات المحبوسة فى الأقفاص يصيبها حالة من االهياج, لأنها مقيدة لا تستطيع الفرار, وقد بدأوا فى عمل أبحاث باستخدام الفِئران فى المناطق التى تكثر فيها الزلازل, كمحاولة للتنبؤ بوقوعها, وفى هذه الزلازل تحدث الأعاجيب, ففى حين أن المرء لا يقاوم العطش أكثر من ثلاثة أيام وبعدها يموت, فقد وجدوا فى الزلزال الذى حدث فى منطقة قُمْ الإيرانية (فى أوائل القرن الحادى والعشرين) امرأة عجوزاً تحت الأنقاض بعد عشرة أيام, وهى ما زالت على قيد الحياة, بدون ماء ولا غذاء.

وفى عالم البحار تكون الرياح أحياناً هادئة, والأمواج غير عالية, وفجأة ينقلب كل شىء رأساً على عَقِب {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22]

ومن طلاقة قدرة الله جل وعلا أن يقصم الجبابرة, كما فعل بفرعون وأمثاله, وأن ينصر المستضعفين, كما فعل ببنى إسرائيل وأمثالهم, وما زالت طلاقة قدرة الله عز وجل ماثلة أمامنا حيناً بعد حين إلى أن يرث الله الأرضَ ومن عليها.
و الله أعلى و أعلم ،،،،

الشبهة العاشرة (10):
- إن الشرك عندكم أشد من القتل, والسرقة, والزنى, والسحر, والإبادة الجماعية, وكل الكبائر, وأن المشرك لا يغفر الله له أبداً, فلماذا كل هذا الغُلُوّ فى تحريم الشرك؟

الرد:
- إن كل ما ذُكِرَ فى السؤال من المعاصى أو لم يُذكَر فهو ظلم, والظلم أسوأ ما فى الوجود, وهو نوعان: إمّا أن يكون ظلماً للنفس, بتضييع حقها, وتفويت حظها, وتعريضها للعقاب, وإمّا ظلماً متعديّاً للغير, إما بالاعتداء عليه بغير حق, أو تضييع حقه, أو أخذ حقه وإعطائه لغيره. فالذى يشرب الخمر - مثلاُ - أو البانجو, أو الدخان, فقد ظلم نفسه, لأنه عرَّضها فى الدنيا للفساد, وفى الآخرة للعذاب, وكان بوسعه أن يطيع الله سبحانه وتعالى, فتأخذ نفسه حقها من نعيم الآخرة, زيادة إلى سلامتها فى العاجلة, حتى لو أن معصيته ليس فيها هلاك لنفسه فى الدنيا - بل قد يكون فيها متعة - فهذه المتعة ستزول عنه قريباً, ويبقى وبالها عليه فى الآخرة, كما تقول الحكمة: رُبَّ لذةِ ساعة أوْرَثَت ذلاً طول العمر, وكما يُقال: ذهبت لذتها وبقيت حسرتها. أمّا الظلم المتعدى للغير فهو كالقتل, والسرقة, والسحر, وغير ذلك. والظالم لغيره قد جمع بين ظلمين, لأنه قد ظلم نفسه أيضاً بمعصيته لله جل وعلا. وأعظم الظلم هو الشرك بالله سبحانه وتعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان:13] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون} [الأنعام:82] أى لم يلبسوا إيمانهم بشرك, فكلما زاد الظلم زادت عقوبته, ولذلك كانت عقوبة الشرك أشد عقوبة. ولكن لماذا كان الشرك ظلماً؟ لأنك صرفت حق الله عليك فى العبادة إلى غيره, ولأنك أشركت مع الله ما لا ينفعك ولا يضرك, وجعلت له نِدّاً من خلقه, إمّا صنماً, أو حجراً, أو شجراً, أو شمساً, أو قمراً... إلخ. وليس معنى هذا أن المشرك ظلم الله - حاشا وكلا - فجميع الخلق والكون كله فقير إليه, وهو سبحانه الغنى عمّا سواه {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:57] قال رسول الله r: ((قال الله تعالى: أنا أَغْنَى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشركَ فيه معى غيرى تركتُه وشِرْكَه)) [صحيح الجامع:4313] إن الشرك لا يطيقه أحد من البشر, فكيف بالله جل وعلا؟ حتى إن الإنسان يقول إذا تدخل فى شأنه أحد: (هو انت شريكى) ولا يلجأ أحد إلى الشركة إلا لضعفه أو فقره, والذين يشتركون فى عمل المشاريع, كالشركات والمبانى والمصانع وغيرها, فهذا إمّا لفقرهم, وإمّا لنقص خبرتهم, فيحتاجون لمساهمة غيرهم بالمال أو بالخبرة. ولو أن الذى يقوم بعمل مشروع, ومعه المال الكافى والوقت والجهد والخبرة, لَمَا أشرك معه أحداً. فكل الإشراك علامة ضعف, لأنه يحدد تصرفاتك وقدراتك. والشرك لا يحبه أى إنسان, فلو قلت مثلاً لأحد: ستسكن فى منزل كبير على النيل وإيجاره قليل, ولكن سيشترك معك أحد فى غرفة واحدة أو فى دورة المياه, لقال لك (لا- ده يغور الشرك ولو فى اللبن) أو لو أن أحداً عرض عليك مبلغاً كبيراً من المال, وأنت فى حاجة إليه, لفقر ألمَّ بك, ولكنه اشترط عليك أن يشاركك فى تربية أولادك.. أكنت ترضى؟ فالإنسان يرفض الشرك بجميع أنواعه إلا مضطراً, ويحب أن يستقل بماله وقراره وشأنه كله, أفينسبه لله جل وعلا؟ فى حين أنه لا يستغنى أحد بالملكية والقوة والقدرة عن الشريك استغناءً مُطلقاً إلا الله عز وجل. وبالشرك تكون قد وضعت الشىء فى غير محله, وبذلك تكون قد فسدت وأفسدت, فهل يصلح مثلاً أن يذهب المريض للنجار؟ أو يذهب من يريد بناء منزل للجزار؟ فحين تعطى الأمر لغير مستحقه, فإن ذلك يعود بالوبال على الأمة والدنيا كلها, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) [صحيح الجامع:826] وذلك كَتَوْلِيَة المرأة قاضية, أو حاكمة لدولة, أو رئاسة وزراء, أو تأمين الخائن على الخزائن, أو تَوْلِيَة الجاهل على العالم, والسفيه على العاقل... إلخ. ثم هناك شىء آخر فيمن يشرك بالله أحداً سواه.. مِن الذين يعبدون الشمس, أو القمر, أو النجوم, أو النار, أو البقر, أو غير ذلك من الآلهة المزعومة, هل هذه الآلهه تعى وتفهم؟ هل عندها منهج؟ هل تأمرهم وتنهاهم؟ هل ترضى عن مَن عبدها فتثيبه, وتغضب على من كفر بها فتعاقبه؟ ربما يقول مجادل: إن بعضهم يعى ويعقل, وينهى ويأمر, ويثيب ويعاقب, مثل فرعون والنمرود, فنقول له كما قال سيدنا إبراهيم, على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِب} [البقرة:258] إنك عندما تستمد منهجك من غير الله - كمن يستمدون منهجهم من الشرق والغرب المنحرف, ومن عقولهم القاصرة - فإنك تفسد فى الأرض, وتهلك الحرث والنسل, كما وأن الإبادة الجماعية التى تتحدثون عنها لا يقوم بها إلا الكافرون والمشركون {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّة} [التوبة:10] ومن يقرأ كتاب الزحف الأحمر للشيخ الغزالى - رحمه الله - يعلم ما فعله الملاحدة الروس فى المسلمين, فقد قتلوا فى يوم واحد تسعين ألف نسمة. ولمقارنة منهجهم الظالم بمنهج الإسلام العادل, نجد الله عز وجل يقول: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6] وكذلك فإن اختلاف المعبودين يحدث اختلافاً بين العابدين, فلابد أن يكون هناك سلطان واحد, وقضاء واحد, وأوامر واحدة, ونواهٍ واحدة, حتى يستقيم أمر العباد. وقد ذكرنا عقوبة الشرك فى الكتاب المقدس فى الرد على الشبهة رقم (80) ونضيف هاهنا:

وتعلق إسرائيل ببعل فغور. فحمى غضب الرب على إسرائيل. فقال الرب لموسى خُذ جميع رؤوس الشعب وعلِّقهم للرب مقابل الشمس فيرتد حمو الرب عن إسرائيل. فقال موسى لقضاة إسرائيل اقتلوا كل واحد قومه المتعلقين ببعل فغور (عدد25: 3-5).
والله أعلى و أعلم ،،،
الشبهة العاشرة (10):
- إن الشرك عندكم أشد من القتل, والسرقة, والزنى, والسحر, والإبادة الجماعية, وكل الكبائر, وأن المشرك لا يغفر الله له أبداً, فلماذا كل هذا الغُلُوّ فى تحريم الشرك؟

الرد:
- إن كل ما ذُكِرَ فى السؤال من المعاصى أو لم يُذكَر فهو ظلم, والظلم أسوأ ما فى الوجود, وهو نوعان: إمّا أن يكون ظلماً للنفس, بتضييع حقها, وتفويت حظها, وتعريضها للعقاب, وإمّا ظلماً متعديّاً للغير, إما بالاعتداء عليه بغير حق, أو تضييع حقه, أو أخذ حقه وإعطائه لغيره. فالذى يشرب الخمر - مثلاُ - أو البانجو, أو الدخان, فقد ظلم نفسه, لأنه عرَّضها فى الدنيا للفساد, وفى الآخرة للعذاب, وكان بوسعه أن يطيع الله سبحانه وتعالى, فتأخذ نفسه حقها من نعيم الآخرة, زيادة إلى سلامتها فى العاجلة, حتى لو أن معصيته ليس فيها هلاك لنفسه فى الدنيا - بل قد يكون فيها متعة - فهذه المتعة ستزول عنه قريباً, ويبقى وبالها عليه فى الآخرة, كما تقول الحكمة: رُبَّ لذةِ ساعة أوْرَثَت ذلاً طول العمر, وكما يُقال: ذهبت لذتها وبقيت حسرتها. أمّا الظلم المتعدى للغير فهو كالقتل, والسرقة, والسحر, وغير ذلك. والظالم لغيره قد جمع بين ظلمين, لأنه قد ظلم نفسه أيضاً بمعصيته لله جل وعلا. وأعظم الظلم هو الشرك بالله سبحانه وتعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان:13] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون} [الأنعام:82] أى لم يلبسوا إيمانهم بشرك, فكلما زاد الظلم زادت عقوبته, ولذلك كانت عقوبة الشرك أشد عقوبة. ولكن لماذا كان الشرك ظلماً؟ لأنك صرفت حق الله عليك فى العبادة إلى غيره, ولأنك أشركت مع الله ما لا ينفعك ولا يضرك, وجعلت له نِدّاً من خلقه, إمّا صنماً, أو حجراً, أو شجراً, أو شمساً, أو قمراً... إلخ. وليس معنى هذا أن المشرك ظلم الله - حاشا وكلا - فجميع الخلق والكون كله فقير إليه, وهو سبحانه الغنى عمّا سواه {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:57] قال رسول الله r: ((قال الله تعالى: أنا أَغْنَى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشركَ فيه معى غيرى تركتُه وشِرْكَه)) [صحيح الجامع:4313] إن الشرك لا يطيقه أحد من البشر, فكيف بالله جل وعلا؟ حتى إن الإنسان يقول إذا تدخل فى شأنه أحد: (هو انت شريكى) ولا يلجأ أحد إلى الشركة إلا لضعفه أو فقره, والذين يشتركون فى عمل المشاريع, كالشركات والمبانى والمصانع وغيرها, فهذا إمّا لفقرهم, وإمّا لنقص خبرتهم, فيحتاجون لمساهمة غيرهم بالمال أو بالخبرة. ولو أن الذى يقوم بعمل مشروع, ومعه المال الكافى والوقت والجهد والخبرة, لَمَا أشرك معه أحداً. فكل الإشراك علامة ضعف, لأنه يحدد تصرفاتك وقدراتك. والشرك لا يحبه أى إنسان, فلو قلت مثلاً لأحد: ستسكن فى منزل كبير على النيل وإيجاره قليل, ولكن سيشترك معك أحد فى غرفة واحدة أو فى دورة المياه, لقال لك (لا- ده يغور الشرك ولو فى اللبن) أو لو أن أحداً عرض عليك مبلغاً كبيراً من المال, وأنت فى حاجة إليه, لفقر ألمَّ بك, ولكنه اشترط عليك أن يشاركك فى تربية أولادك.. أكنت ترضى؟ فالإنسان يرفض الشرك بجميع أنواعه إلا مضطراً, ويحب أن يستقل بماله وقراره وشأنه كله, أفينسبه لله جل وعلا؟ فى حين أنه لا يستغنى أحد بالملكية والقوة والقدرة عن الشريك استغناءً مُطلقاً إلا الله عز وجل. وبالشرك تكون قد وضعت الشىء فى غير محله, وبذلك تكون قد فسدت وأفسدت, فهل يصلح مثلاً أن يذهب المريض للنجار؟ أو يذهب من يريد بناء منزل للجزار؟ فحين تعطى الأمر لغير مستحقه, فإن ذلك يعود بالوبال على الأمة والدنيا كلها, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) [صحيح الجامع:826] وذلك كَتَوْلِيَة المرأة قاضية, أو حاكمة لدولة, أو رئاسة وزراء, أو تأمين الخائن على الخزائن, أو تَوْلِيَة الجاهل على العالم, والسفيه على العاقل... إلخ. ثم هناك شىء آخر فيمن يشرك بالله أحداً سواه.. مِن الذين يعبدون الشمس, أو القمر, أو النجوم, أو النار, أو البقر, أو غير ذلك من الآلهة المزعومة, هل هذه الآلهه تعى وتفهم؟ هل عندها منهج؟ هل تأمرهم وتنهاهم؟ هل ترضى عن مَن عبدها فتثيبه, وتغضب على من كفر بها فتعاقبه؟ ربما يقول مجادل: إن بعضهم يعى ويعقل, وينهى ويأمر, ويثيب ويعاقب, مثل فرعون والنمرود, فنقول له كما قال سيدنا إبراهيم, على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِب} [البقرة:258] إنك عندما تستمد منهجك من غير الله - كمن يستمدون منهجهم من الشرق والغرب المنحرف, ومن عقولهم القاصرة - فإنك تفسد فى الأرض, وتهلك الحرث والنسل, كما وأن الإبادة الجماعية التى تتحدثون عنها لا يقوم بها إلا الكافرون والمشركون {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّة} [التوبة:10] ومن يقرأ كتاب الزحف الأحمر للشيخ الغزالى - رحمه الله - يعلم ما فعله الملاحدة الروس فى المسلمين, فقد قتلوا فى يوم واحد تسعين ألف نسمة. ولمقارنة منهجهم الظالم بمنهج الإسلام العادل, نجد الله عز وجل يقول: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6] وكذلك فإن اختلاف المعبودين يحدث اختلافاً بين العابدين, فلابد أن يكون هناك سلطان واحد, وقضاء واحد, وأوامر واحدة, ونواهٍ واحدة, حتى يستقيم أمر العباد. وقد ذكرنا عقوبة الشرك فى الكتاب المقدس فى الرد على الشبهة رقم (80) ونضيف هاهنا:

وتعلق إسرائيل ببعل فغور. فحمى غضب الرب على إسرائيل. فقال الرب لموسى خُذ جميع رؤوس الشعب وعلِّقهم للرب مقابل الشمس فيرتد حمو الرب عن إسرائيل. فقال موسى لقضاة إسرائيل اقتلوا كل واحد قومه المتعلقين ببعل فغور (عدد25: 3-5).
والله أعلى و أعلم ،،،

يتبع