الشبهة الخامسة و الثلاثون (35):
- إن القرآن قد مُلئ بالإضافات التى لم تكن فى مصحف عثمان, وقد تم ذلك بعد موته.
الرد:
- إن الإضافات التى يزعم أعداء الإسلام أنها أضيفت لمصحف عثمان - رضي الله عنه - هى النَّقْط, والضبط, وعلامات الوقف, ثم إنها:
أولاً: لا تمس رسم الكلمة من قريب أو بعيد, ولا تغير من هيكل الرسم العثمانى للكلمات, بل هى إيضاحات خارجة عن أصل الكلمة.
ثانياً: إن هذه الإضافات المزعومة عبارة عن علامات لخدمة النص القرآنى, وهى وسائل إيضاح اصطلاحية متفق عليها, تعين قارئ القرآن على تلاوة متقنة, وليست منزلة من عند الله, ولو جُرِّدَ المصحف منها ما نقص كلام الله شيئاً, وقد كان كتاب الله قبل إدخال هذه العلامات هو كتاب الله, فهى إذن ليست إضافة أو تبديلاً أو تحريفاً أُدخِلَ على كتاب الله فأضاع معالمه.
فالنقْط مثلاً: هو وضع النقط فوق الحروف أو تحتها, مثل النون والباء والتاء والياء.
أما الضبط فهو وضع الحركات الأربع: الضمة والفتحة والكسرة والسكون, حسب النطق الصوتى للكلمة, حسبما تقتضيه قواعد النحو.
أما علامات الوقف: فهى كالنقط والضبط, توضع فوق نهاية الكلمة التى يجوز الوقف عليها, أو وصلها بما بعدها.
وقبل إضافة النقط إلى الحروف, أو الضبط, أو الوقف, كان السماع يقوم مقامها, لأن الحفظة لم يكونوا فى حاجة إلى هذه الوسائل, أما غير الحفاظ - وهم الأكثرية من المسلمين - ففى حاجة ماسَّة إلى هذه الإيضاحات, وإن هذا الضبط والتنقيط والتوقيف تم فى عهد جماعة من كبار التابعين, وأول من نقَّط المصحف أبو الأسود الدؤَلى, وناصر بن عاصم الليثى, ويحيى بن يعمر, والخليل بن أحمد. وكان هذا العمل العظيم من السنن الحسنة التى أجازها كبار التابعين, لأن فيه تيسيراً على قُرّاء كتاب الله, والله أعلم.
شبهات مُغرضة حول القرآن:
الشبهة السادسة و الثلاثون (36):
- كيف تقطعون بصحة نقل القرآن, مع أن الذين كانوا يحفظونه كله حوالى سبعة من الصحابة؟
الرد:
- كان القرآن فى صدر النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان مدوَّناً - كما قلنا - فى الرقاع والأكتاف والعسب, وكانت حظوظ أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - من القرآن متفاوتة, فمنهم من يحفظ أوله, ومنهم من يحفظ وسطه, ومنهم من يحفظ آخره, وبذلك يكون القرآن كله مع الصحابة - رضي الله عنهم - وقد كان هناك حفظة آخرون غير السبعة الذين تتحدثون عنهم, أما هؤلاء السبعة فقد عرضوه على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأقرَّهم عليه قبل موته, ثم جاءت الجَمْعة البكرية, ثم الجَمْعة العثمانية التى أقرها وأجمع عليها كل أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم -.
ونقول للسائل: هل تضمن صحة نقل ما جاء فى كتابك المقدس؟ فإن قلت: (نعم) سألناك وماذا يعنى قول (لوقا) فى أول إنجيله: إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة فى الأمور الْمُتَيقَّنة عندنا كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البَدْء مُعاينين وخُدّاماً للكلمة رأيتُ أنا أيضاً إذ قد تتبعتُ كل شىء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالى إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذى علمت به (لوقا1: 1-4) إن معنى كلام (لوقا) أنه كان هناك كثيرون قبله ألَّفوا قصصاً من عندهم, ونسبوها (للكلمة) أى الوحى الأصلى, وهو الإنجيل, فأين صحة النقل إذن؟
كما أن بولس الرسول يقول: إنى أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذى دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوِّلوا إنجيل المسيح. (الرسالة إلى غلاطية1: 6-7) إن بولس يُقرُّ بأن هناك ما يُسمَّى بإنجيل المسيح, فأين هذا الإنجيل؟, والله أعلم.
الشبهة السابعة و الثلاثون (37):
- تقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف, ومرة تقولون إن عندكم سبع قراءات, ومرة تقولون إن هناك قراءات شاذة غير السبعة.
الرد:
- إن القراءات السبع ليس المقصود بها الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن, كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمِرتُ أن أقرأ القرآن على سبعة أحرُف كُلُّها شافٍ كافٍ)) [صحيح الجامع:1374] وهذا من تيسير الله عز وجل على أمة الإسلام, لأن قبائل الحجاز العربية لها لهجات مختلفة, مثل القُرَشية, والتميمية, والْهُزَلية, والثقيفية, والغِفارية, والأَسَدية, وغيرها, فمثلاً قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [البقرة:259] فقد صحت قراءة أخرى متواترة {ننشرها} وقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} قرأها أنس {وأصوب قيلا} فقال له البعض: يا أبا حمزة إنما هى {وَأَقْوَمُ} فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد. أما القراءات السبع, قال أبو شامة: ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هى التى أريدت فى الحديث, وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة, وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل. وقال مكى بن أبى طالب: هذه القراءات التى يُقرأ بها اليوم, وصحَّت روايتها عن الأئمة, هى جزء من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن.
ومن حكمة تعدد القراءات, التعرف من خلالها على حكم الصحيح, وحسم مادة الخلاف عند التعارض فى أقوال الفقهاء, أو ترجيح بعضها على بعض, فإن الفقيه يلجأ فى تصويب رأيه إلى وجوه القراءات, لعلمه أن القرآن يفسر بعضه بعضاً, ولقد وضع العلماء الأقدمون ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التى هى وحى من عند الله, وتلك الضوابط هى:
1) صحة السنَد الذى يؤكد سماع القراءة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
2) موافقة القراءة لرسم المصحف العثمانى الذى أجمعت عليه الأمة.
3) أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية.
4) أن يكون معنى القراءة غير خارج عن قِيَم الإسلام ومقاصده الأصول والفروع.
وعملاً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات غير الصحيحة, أو ما يسمى بالقراءات الشاذة. فإن سأل سائل فقال: فما الذى يُقبَل من القرآن فيُقرَأ به؟ وما الذى يُقبَل ولا يُقرَأ به؟ فالجواب: أن جميع ما رُوِىَ فى القرآن على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قسم يقرأ به اليوم, وهو ما اجتمعت فيه الشروط الأربعة المتقدمة.
القسم الثانى: ما صحَّ نقله عن الآحاد, وصح وجهه فى العربية, وخالف لفظه خط المصحف, هذا يقبل ولا يقرأ به.
القسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة, أو نقله ثقة ولا وجه له فى العربية, فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف, والله أعلم.
يتبع
المفضلات