الشبهة المائة خمسة و خمسون (155):
- تروى كتب الأحاديث أن الناس كانوا يبعثون إلى نبيكم بالهدايا فى يوم عائشة, لعلمهم بحبه لها, فغارت بعض نسائه من ذلك, فأرسلن له أم سلمة نائبة عنهن, لتكلمه فى ذلك, فقال لها: ((لا تؤذينى فى عائشة, فإن الوحى لم يأتنى وأنا فى ثوب امرأة إلا عائشة)) وهذا يثبت أنه كان يرتدى ثوبها, ويأتيه الوحى وهو على ذلك, رغم أنكم تقولون إنه نهى عن تشبُّه الرجال بالنساء.

الرد:
- إن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فى ثوب عائشة)) لا يعنى أنه كان يأتيه الوحى وهو لابس ثوبها, كما ظن السائل بفهمه السطحى, ولكن هذا يُعتبر من التعبير المجازى, فحينما ذكر الله سبحانه وتعالى قول فرعون: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] هل يعنى ذلك أن فرعون صلبهم داخل النخل, أم أنه صلبهم عليه؟ وحين قال سبحانه وتعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة:187] فهل معنى ذلك أن المرأة لباس لزوجها, وهو لباس لها, بهذا المعنى السطحى, أم أن معنى (اللباس) فى الآية الستر والعفة, وغير ذلك مما يكون من ستر المرأة لزوجها, وستره لها؟ وهناك حديث آخر يوضح معنى هذا الحديث, وهو قول السيدة عائشة رضى الله عنها: كان الناس يتحرُّون بهداياهم يوم عائشة, قالت: فاجتمع صواحباتى إلى أم سلمة, فقلن: يا أم سلمة.. إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة, وإنا نريد الخير كما تريد عائشة, فقولى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر الناس يُهدون إليه أينما كان, فذكرت ذلك أم سلمة, فأعرض عنها, ثم عاد إليها, فأعادت الكلام, فقالت: يا رسول الله إن صواحباتى قد ذكرن أن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة, فَأْمُر الناس يُهدون أينما كنتَ, فلما كانت الثالثة قالت ذلك, قال: ((يا أم سلمة لا تؤذينى فى عائشة, فإنه ما أنزل علىَّ الوحى وأنا فى لحاف امرأة منكن غيرها)) [صحيح البخارى] واللحاف هو الغطاء, ولا يخفى على أحد معرفته. وبهذا يتضح أن الحديث الذى ذُكِرَ فى السؤال, معناه أن الوحى لم ينزل عليه إلا فى بيتها, أو وهو بجانبها, وذلك لفضلها, وفضل أبيها, رضى الله عنهما. وقد ذكرنا أن الكتاب المقدس قال عن المسيح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - إنه خلع المنشفة التى كان متَّزراً بها, ومسح بها أرجل تلاميذه, وذلك فى الرد على الشبهة رقم (142), والله أعلم.





الشبهة المائة ستة و خمسون (156):
- يقول القرآن: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:73-74] إن هذا اعتراف بأن نبيكم كاد يُفتَن.

الرد:
- إن هذا إن كان يعنى شيئاً, فإنما يعنى فى المقام الأول أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صادق فيما بلغ عن ربه جل وعلا, لأنه لو تكلف القرآن, أو أخفى شيئاً منه, لَمَا ذكر هذه الآية. ومما قيل فى سبب نزولها, إن وَفْدَ ثقيف قالوا للرسول - صلى الله عليه وسلم -: أجِّلنا سنة حتى نقبض ما يُهدَى لآلهتنا من الأصنام, فإذا قبضنا ذلك كسرناها وأسلمنا, فهَمَّ - صلى الله عليه وسلم - بقبول ذلك, فنزلت الآية. فقوله تعالى: {لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} أى هممت أو قاربت أن تميل لقبول ما عرضوه عليك, لولا تثبيت الله لك, ولو فعلت ذلك {إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} [الإسراء:75] ومعلوم من اللغة العربية أن (الهمَّ) معناه مقاربة فعل الشىء, أى أنه لم يقع, ولكن صاحبه نوى على فعله, وهذا فى حد ذاته لا يعتبر معصية ولا يؤاخَذ المرء عليه إلا إذا فعله, وذلك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تجاوز لأمتى عمّا حدَّثت به أنفسها, ما لم تتكلم به, أو تعمل به)) [صحيح الجامع:1730] بل إن المرء إذا هَمَّ بسيئة ولم يعملها - خوفاً من الله جل وعلا - كُتِبَت له حسنة كاملة, كما جاء فى الحديث الصحيح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -, والله أعلم.






الشبهة المائة سبعة و خمسون (157):
- لقد حاول نبيكم الانتحار بعدما رأى جبريل فى غار حراء.

الرد:
- إن ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - من أنه حاول الانتحار بعدما رأى جبريل - عليه السلام - فى غار حراء, فهى روايات غير صحيحة, وإلا- فما الذى منعه من الانتحار؟ ولو صحَّت هذه الروايات - جدلاً - فهى لا تعدو كونها خاطرة من شدة خوفه على نفسه أن يكون قد أصابه مس من الشيطان أو الجنون, وكان أبغض شىء إليه أن يُصاب فى عقله, فقد كان جالساً وحده فى الغار, فظهر له جبريل - عليه السلام - على هيئته التى خلقه الله عليها, وله ستمائة جناح تملأ الأفق, فكان منظراً مُرَوِّعاً, وخصوصاً أنه أتاه فى ظلام الليالى الأخيرة من رمضان. ثم إنه لا يُؤاخَذ على ذلك لسببين: الأول: أنه لم يكن حينها مُكَلَّفاًً. الثانى: أن الإنسان لا يؤاخَذ بما حدثته به نفسه, كما ورد فى الحديث الذى ذكرناه فى الرد على الشبهة السابقة.
وقد ورد فى الكتاب المقدس أن شاول - وهو أحد أنبيائكم - مات منتحراً: فقال شاول لحامل سلاحِهِ اسْتَلَّ سيفَكَ واطْعَنِّى به لئلا يأتى هؤلاء الغُلْف ويطعنونى ويقبِّحونى. فلم يشأ حامل سلاحه لأنه خاف جداً. فأخذ شاول السيف وسقط عليه. ولَمّا رأى حامل سلاحِهِ أنه قد مات شاول سقط هو أيضاً على سيفِهِ ومات معه. (صموئيل الأول31: 4-5) مع أن طريقة الانتحار هذه تتناقض مع الطريقة التى جاءت فى الرد على الشبهة رقم (313) والدليل على نبوَّة شاول ما يلى:
وكان عندما جاء الروح من قِبَل الله على شاول (صموئيل الأول16: 23) فخلع هو أيضاً ثيابه وتنبّأ هو أيضاً أمام صموئيل وانطرح عرياناً ذلك النهار كله وكل الليل. لذلك يقولون أشاول أيضاً بين الأنبياء (صموئيل الأول19: 24) ونحن نتساءل.. هل بداية النبوة عندكم بالتعرِّى؟ إن هذا هو التجنِّى!, والله أعلم.




ان شاء الله