الشبهة المائة أربعة و ثمانون (184):
- إن محمداً عرض على اليهود الإسلام بعد دخوله المدينة, فلما رفضوا, أقام لهم المجازر الوحشية, فقُتِلَ من قُتِلَ, وَفَرَّ مَن فَرَّ إلى الشام, ليتحقق له مُلك الحجاز, بدليل قوله: ((لا يَبْقَيَّن دينان بأرض العرب)) [موطأ مالك, صحيح الجامع:4617]

الرد:

- إن من يقرأ تاريخ اليهود على مر العصور, لا يشك لحظة أنهم أهل غدر وخيانة, ونقض للعهود والمواثيق, وهم الذين سَبُّوا ربهم, وقتلوا أنبياءهم, فحدِّث عن جرائمهم ولا حرج. وكان يهود المدينة وما حولها على شاكلتهم, وهم: بنو قينقاع, وبنو النضير, وبنو قريظة, ويهود خيبر. وحين دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة سالَمَهم, وصالَحَهم, وعقد معهم عدَّة اتفاقيات, تسمى بالمصطلح الحديث (حُسْن الجوار) أو (الدفاع المشترك) ولكن هيهات هيهات, فسرعان ما نقضت يهود بنو قينقاع عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرقوا أسواق المسلمين, فصبر عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يعاقبهم, ثم لجأوا إلى حيلة دنيئة, فقام أحدهم بكشف عورة امرأة مسلمة فى سوق اليهود, وتضاحكوا عليها, فاستغاثت بالمسلمين, فانتصر لها أحدهم, وقتل اليهودى الخسيس, فاجتمع اليهود وقتلوا ذلك المسلم, فانْبَرَى لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأجلاهم من المدينة, ولم يقتل منهم أحداً كما يقول المدَّعى.
أما يهود بنو النضير, فقد تآمروا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو ضيف عليهم, ضاربين حُسْن الضيافة, والنُّبْل, والمروءة - التى تعارف عليها العرب - عُرْض الحائط, وقام أحدهم بمحاولة إلقاء الرَّحَى عليه من فوق جدار كان يجلس تحته, فأعْلَمَهُ ربُّه سبحانه وتعالى بمكرهم, فقام من فَوْرِهِ, وسيَّر إليهم جيشاً, فتحصنوا منه فى الحصون, فحاصرهم وأجلاهم عن آخرهم, ولم يقتل منهم أحداً كما يقول الناقد.
أما يهود بنى قريظة, فكانت خيانتهم أشد على الإسلام والمسلمين, وكانت بحق هى الخيانة العظمى, حيث إن موقعهم كان شمال المدينة المنورة, ولَمّا كان المشركون قد تحزَّبوا ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضوان الله عليهم - عام غزوة الخندق, وحشدوا لقتالهم أكبر جيش عرفته الحجاز, قوامه عشرة آلاف مقاتل, حاصروا المدينة, وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد حفر خندقاً بينه وبينهم, بالمشورة المباركة من سيدنا سلمان الفارسى - رضي الله عنه - فلم يبقَ لهذا الجيش العرمرم مدخل إلى المدينة إلا من ناحية اليهود, الذين كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد استأمنهم ألا يعينوا عليه أحداً, حسب الاتفاقات الْمُبْرَمَة بينهم, وألا يُؤْتَى من قِبَلِهِم, وإلا ستكون الكارثة المروِّعة على الإسلام وأهله. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد جعل النساء والأطفال فى حصن ناحيَة هؤلاء اليهود, فخانوه, وحاولوا التعرض لهم, وأرسلوا جاسوساً يستطلع حصنهم, فقتلته السيدة صفية - رضى الله عنها - عَمَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتراجعوا عن مهاجمتهم, ظناً منهم أن معهم رجالاً مسلمين يحرسونهم. وكانت الخيانة الأعظم من ذلك, أنهم سمحوا لجيوش المشركين أن يجتاحوا ديار المسلمين فى المدينة من ناحيتهم, وكانت هذه الخيانة أسوأ خيانة تعرض لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكادت تعصف بالإسلام والمسلمين, لولا أن الله سَلَّم, فأوقع بينهم, وهزم المشركين, وفرق شملهم, وأرسل عليهم الريح التى اقتلعت خيامهم, وقلبت قدورهم ومتاعهم, فرجعوا خائبين, ونجَّى الله المؤمنين بغير قتال. وكان من الطبيعى أن يتفرغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء اليهود الذين خانوا عهده, وتحالفوا مع المشركين ضده, فقتل مُقاتِلَتَهم, وسَبَىَ نساءهم وأطفالهم, وكان هذا أقل ما يجب فِعلُه إزاءهم.
أما يهود خيبر, فقد قتلوا عبد الله بن سهل, أخا بنى حارثة, فكسروا عنقه, ودفنوه فى بئر, وهو فى رحلته إلى خيبر ليشترى تمراً, فطلب منهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - دِيَتَه, فأنكروا قتله, فدفع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدِّيَة لأهله, وصبر عليهم. وقد كانت خيبر وَكْراً للدَّس والتآمر, ومركز الاستفزازات العسكرية, ومعدِن التحرشات وإثارة الحروب, وهى مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع, على بُعْد ستين ميلاً شمال المدينة, وكانت على أهُبَّة الاستعداد لقتال المسلمين, وكانت هى الجديرة بالتفات المسلمين إليها, لأن أهل خيبر هم الذين حزَّبوا الأحزاب لقتال المسلمين, وحرضوا بنى فريظة على الغدر والخيانة, وكانوا يحرِّضون المنافقين داخل المدينة, وغطفان وأعراب البادية خارج المدينة, ووضعوا خطة لاغتيال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما اضطر المسلمين إلى الفتك برأس هؤلاء المتآمرين, مثل سلام بن أبى الْحُقَيْق, وأسير بن زارِم. لكن الذى أخَّر المسلمين عن قتال يهود خيبر, أن هناك قوة كبرى متمثلة فى قريش, كانت هى الألدّ والأخطر من اليهود, فلما انتهت هذه المجابهة بصلح الحديبية, صَفا الجو لمحاسبة أولئك اليهود المجرمين. وقد كان ليهود خيبر أصفياء فى المدينة من المنافقين, وعلى رأسهم رأس المنافقين عبد الله بن أُبَىّ بن سلول, الذى أرسل إليهم أن محمداً قصدكم, وتوجَّه إليكم, فخذوا حذركم ولا تخافوا, فإنكم أكثر عدداً وعُدَّة منه, وقوم محمد شِرْذمة قليلون, وعُزَّل لا سلاح معهم إلا القليل. واستعدى كِنانة ابن أبى الحقَيق وهوذا بن قيس غطفان, ورعل, وزكوان, وعصية, ليعينوهم على المسلمين, مقابل أن يعطوهم نصف خيبر, فنصر الله المسلمين عليهم, وفاوضهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حقن دماء مقاتلتهم فى الحصون, وأن يترك لهم الذرية, شريطة أن يخرجوا من خيبر, ويتركوا كل شىء إلا ملابسهم, وقال لهم: ((بَرِئَت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتمونى شيئاً)) [دلائل النبوة للبيهقى] فكتموا وخانوا, فأجلاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة, بعدما قتل ابْنَىّ أبى الحقيق, وكِنانة بن الربيع, لأنهم نقضوا العهد, وأخفوا مالاً كثيراً لِحُيَىّ ابن أخطب وكَنْز يهود بنى النضير.
يتضح جلياً مما سبق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يُقِم المذابح المروعة كما قال هذا الحاقد. ونقول له وأمثاله: إن المتتبع للتاريخ, والذى عنده منهج علمى استقرائى مستقيم, يشهد أن الوحشية, وشريعة الغاب, وحمامات الدم, لم تكن يوماً من الأيام من سجايا الإسلام والمسلمين, سواء كانت جيوشاً فاتحة, أو وُفُوداً مُعَلِّمَة, وهذا بشهادة أهل العلم المنصفين, ولكنها كانت فى اليهود, والمغول, والتتار, والحروب الصليبية, ومحاكم التفتيش. ولا زالت نراها فى أفغانستان, وكشمير, والشيشان, والبوسنة, وكوسوفا, وفلسطين, والعراق.. وأخيراً الصومال. كل هذا يشهد على إجرام غير المسلمين, الذين قال الله فيهم: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة:217] ونُحِيل القارئ إلى الرجوع للإجابة على بعض الشبهات المماثلة, ليقرأ ما جاء فى الكتاب المقدس من العنف والوحشية, والله المستعان, والله أعلم.




الشبهة المائة خمسة و ثمانون (185):
- يقول نبيكم: ((فى الحبَّة السوداء شفاء من كل داء إلا السّام)) [متفق عليه] إذن نغلق المستشفيات والصيدليات, ونجعلها مراكز لبيع الحبة السوداء, حتى نسمع كلام نبيكم.

الرد:
- لقد بشركم معبودكم بأن من آمن منكم يستطيع أن ينقل شجرة الجمّيزة من مكانها ويطرحها فى البحر, وأن يشفى المرضى, وإذا شرب السُّمّ لا يضره, وغير ذلك من المعجزات, ولم نرَ أى واحد منكم فعل مثل ما قال, ألا يوجد فى بقاع الأرض كلها مؤمن واحد؟ فأين إذن القساوسة, والمطارنة, والرهبان... إلخ؟ والآن نجيب على شبهتكم, ثم نتبعها إن شاء الله بذكر ما ورد فى الكتاب المقدس بهذا الشأن:
لقد أثبت العلم أن للحَبَّة السوداء (حَبَّة البركة) فوائد جَمَّة, وأعظمها تقوية جهاز المناعة, الذى يساعد فى مقاومة جميع الأمراض. وما خطورة مرض الإيدز إلا أنه يصيب ذلك الجهاز المناعى, فيصبح الإنسان عُرْضة للإصابة بأضعف الميكروبات, ولا يستجيب لأقوى المضادات.
وقد جاء فى كتاب (دفع الشُّبَه عن السنة والرسول) لفضيلة الأستاذ الدكتور (عبد المهدى عبد القادر) أن البحوث العلمية أثبتت أن الحبة السوداء بها من العناصر ما يلى:
الفوسفات والحديد والفوسفور, والكربوهيدرات, والزيوت الطيّارة. كما أنها تحتوى على مضادات حيوية, تقضى على الميكروبات والفيروسات والجراثيم. وبها الكاروتين, وهو مادة مضادة لمسببات السرطان. وبها هرمونات تقوى التناسل فى الرجال والنساء. وبها عناصر تفتح السدد, فتدر البول والحيض, وتدر لبن الأم والصفراء. وبها إنزيمات هضمية, ومضادة للحموضة. وبها مواد منبِّهة ومهدِّئة فى الوقت نفسه. وقد أثبتت البحوث أنها تحتوى على مادة (النيجيللون) وأمكن فصلها, واستُخدِمَت كعلاج سريع للربو الشُّعَبى, ونزلات البرد المزمنة, وعلاج السُّعال الديكى عند الصغار خاصة, والكبار عامة. كما أنها تحتوى على مادة (الثيموهيدروكنيون) وأمكن فصلها, واستعمالها ضد بكتيريا التعفن المعوى.
وقد تداوت الأمة بهذا الدواء المبارك مئات السنين, قبل اكتشاف هذه العناصر المهمة فيها, واستخلاص الأدوية الفعّالة منها. والحبة السوداء ليس لها أضرار جانبية كبقية الأدوية, التى لا يكاد دواء يخلو منها, كما أن الجسم حين يأخذ كفايته منها, يُخرِج الزيادة, بغير أدنى ضرر عليه, بعكس الأدوية المصنَّعة من مواد كيماوية مركبة, والتى لا يستطيع الجسم أن يتخلص مما زاد على كفايته منها, بل وربما أضرَّته أكثر مما نفعته.
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - إن ((فى الحبة السوداء شفاء من كل داء)) لا ينافى الاستعانة ببعض الأدوية معها, فلم يَقُل - صلى الله عليه وسلم - إن فيها (الشفاء) ولكنه قال: (( شفاء )) أى أن بها نوعاً من الشفاء, وليس كل الشفاء, وهذا النوع من الشفاء يتمثل فى كونها تقوى جهاز المناعة كما أسلفنا. ولو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقصد أن بها تمام الشفاء لجميع الأمراض, لَمَا وصف أى دواء غيرها, وهذا ما لم يحدث, ولم يدَّعيه أحد, فقد كان الناس يأتونه ويشتكون إليه من أمراض عديدة, فيصف لهم أدوية كثيرة غير الحبة السوداء, ولكن الحديث عنها خرج مَخْرَج الغالب, أى أنها شفاء لمعظم الداء. وأحياناً تُسْتَعْمَل كلمة (كُلّ) ويراد بها (معظم) كما تقول - مثلاً - عن الذى يدير أعمالك أو مصنعك: فلان هو الكل فى الكل, أو تقول: إنه عليه العِبْء كله, فى حين أنه لا يمكن أن يقوم بجميع الأعمال وحده. أو من يقول عن نفسه بعدما أكَلَ: (لقد أكلتُ الطعام كله) فهل يقصد أنه أكل كل كسرة خبز, وكل حبة أرز... إلخ, أم أنه يقصد معظم الطعام؟ أو كما نقول عمَّن انتقل من مسكنه لمسكن آخر: (لقد رحل وأخذ كل ما فى شقته) ومن البديهى أنه لم يأخذ غير متاعه, فلم يأخذ - مثلاً - الشبابيك والأبواب, وصنابير المياه والأحواض, ومفاتيح الكهرباء والأسلاك... إلخ. وفى القرآن الكريم شاهد على ذلك, فى قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25] ومعلوم أن الريح التى أرسلت على عاد لم تدمر كل ما فى السموات والأرض, ولكنها دمرت كل شىء خاص بِعاد.
والآن حان وقت عرض نصوص الكتاب المقدس التى وعدناكم بها:
الحقّ الحقّ أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامى فلن يرى الموت إلى الأبد. (يوحنا8: 51)
ثم دعا تلاميذه الإثنى عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض... اشفوا مرضى. طهروا بُرصاً. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين. (متى10: 1-8)
يخرجون الشياطين باسمى ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حَيّات وإن شربوا شيئاً مُميتاً لا يضرهم (مرقس16: 17-18)
فقال الرب لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعى وانغرسى فى البحر فتطيعكم (لوقا17: 6)
ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شىء. (لوقا10: 19), والله أعلم.





الشبهة المائة ستة و ثمانون (186):
- يقول القرآن: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] مع أن نبيكم اسمه محمد, وليس أحمد.

الرد:
- إن هذه من الشبهات التافهة التى تعودنا عليها, ولكن مع تفاهتها تُلقى الضوء على أمرين هامَّيْن, أوَّلهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يؤلِّف القرآن, لأنه لو ألَّفه لقال (ومبشراً برسول يأتى من بعدى اسمه محمد) إذ أنه من المستحيل أن ينسى اسمه. وثانيهما أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبدِّل ولا حرفاً واحداً من كتاب الله جل وعلا, وإلا- فما الفرق بين أحمد ومحمد؟ إنه حرف واحد, وهو الأَلِف فى أولهما, والميم فى ثانيهما. إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - له عِدَّة أسماء, كما قال عن نفسه: ((إن لى خمسة أسماء, أنا محمد, وأنا أحمد, وأنا الحاشِر الذى يُحشَر الناس على قدمى, وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر, وأنا العاقِب)) ‌[صحيح الجامع:2189]‌ معنى ((العاقِب)) أى لا نبى بعده. ولكن رغم أن له خمسة أسماء, كان لابد أن يقول فى الآية - لو أنه ألَّف أو بدَّل - إن اسمه محمد, لأنه كان لا يدرى هل سيَبْلُغ حديثه هذا كل الناس فيعرفوا جميع أسمائه, أم لن يصل إليهم, والله أعلم.



تمت
و