الشبهة المائة ثلاثة و تسعون (193):
- يتضارب القرآن فى علم المواريث, فمرة يقول إن للذى يرث الكلالة السُّدُس, ومرة يقول الثلث, ومرة يقول النصف, ومرة الثلثان, ومرة للذكر مثل حظ الأنثيين.

الرد:

- قال الشيخ الشعراوى رحمه الله: لابد أن نفرق بين كلالة وكلالة, حين يجعل الله للمنفردة النصف, والاثنتين الثلثين, وبين الكلالة التى يجعل الله فيها للمنفرد السدس, ويجعل للأكثر من فرد الاشتراك فى الثلث, دون التمييز للذكر على الأنثى, فهما.. أى الآية: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} [النساء:12] والآية: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176] متَّحِدتان فى أنه لا أصل ولا فرع للمتوفى, والمسألة هنا تتعلق بالأخوَّة, ونقول: إن الأخوَّة لها مصادر متعددة, هذه الأخوَّة إمّا من أبٍ وأمّ, وإما أخوَّة لأب فقط, وإما أخوَّة لأمّ فقط, فإذا كان أخٌ شقيق, أو لأب, فهو من العَصَبَة الأصيلة, وهما المعْنِيّان فى الآية 176 من السورة نفسها, وبذلك تكون آية السدس والثلث التى فى الآية رقم 12 متعلقة بالأخوة لأمّ, إذن فالكلالة إما أن يكون الوارث أخاً لأمّ فقط, وإما أن يكون أخاً لأب فقط, أو أخاً لأب وأمّ, فالحكمان لذلك مختلفان, لأن موضع كل منهما مختلف عن الآخر, والله أعلم.





الشبهة المائة أربعة و تسعون (194):
- يقول القرآن: {حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام:61] ويقول: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة:11] ويقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] فمن الذى يميت؟ الله أم الملائكة أم ملك الموت؟

الرد:
- كما قلنا فى الرد على الشبهة رقم (6) إن الله سبحانه وتعالى يتكلم عن نفسه مرة بصيغة المفرد, ومرة بصيغة الجمع للتعظيم, أو لوجود وسائط يُكلِّفهم من خَلْقِه سبحانه وتعالى, فكذلك هنا, ففى سورة (الأنعام) {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} وهم الملائكة المساعدون لملك الموت فى قبض الروح, فإن هؤلاء الملائكة يسحبون الروح من جميع الجسد, من أسفله إلى أعلاه, حتى إذا بلغت الحلقوم, جذبها ملك الموت, وفى سورة (السجدة) {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} لأنه هو الذى يقوم بجذبها النهائى, وفى سورة (الزمر) {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} فهو سبحانه الذى يتم بأمره كل شىء, وهو الذى يأمر الملائكة وملك الموت عليهم السلام, والله أعلم.





الشبهة المائة خمسة و تسعون (195):
- يقول القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ثم يقول: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:13] أليس هذا تناقضاً؟

الرد:
- هناك ضال ومُضِل, وفاسد ومُفسِد, فأما الضال (وهو الكافر) فعليه وزره وحده, أما المضِل فعليه وزره ووزر من تسبب فى ضلالهم, مع أنه لن ينقص من أوزارهم شيئاً, وكذلك الفاسد, كشارب الخمر - مثلاً - فعليه وزره وحده, أما إذا جعل غيره يشربها فإنه يتحمل وزره, من غير أن ينقص من وزره شيئاً, وهذا الأمر يتضح فى قول الله عز وجل: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} [النحل:25] ومن رحمة الله جل وعلا أنه لم يقل (وأوزار الذين يضلونهم) ولكن قال: {وَمِنْ أَوْزَارِ} أى بعض أوزارهم وليس كلها, فهو يتحمل ما تسبب فيه فقط, ولا يتحمل بقية الأوزار التى لم يكن له دخل فيها, كمثل من علَّم غيره شرب البانجو, ولكن هذا الإنسان لم يشرب البانجو فقط, ولكنه قتل أو زنى أو سرق, ففى هذه الحالة لا يتحمل الأول إلا وزر شرب البانجو فقط, وليس له دخل ببقية الذنوب, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سَنَّ سُنَّة حسنة, عُمِلَ بها بعده, كان له أجره, ومثل أجورهم, من غير أن ينقص من أجورهم شىء, ومن سن سنة سيئة, فعمل بها بعده, كان عليه وزرها, ومثل أوزارهم, من غير أن ينقص من أوزارهم شىء)) [صحيح الجامع:6306]
ثم إن التناقض عندكم, فقد جاء فى كتابكم المقدس أن الأبناء لا يُقتلون عن الآباء, ولا الآباء عن الأبناء, فقال:
لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء. كل إنسان بخطيِّته يُقتل (تثنية24: 16)
ثم ناقضتم أنفسكم وزعمتم أن خطيئة سيدنا آدم (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) قد توارثها أولاده جيلاً بعد جيل, ولا منقذ لأحد منها إلا أن يؤمن بالمسيح إلهاً أو ابن إله, لأنه قد جاء (بزعمكم) ليكفِّر عن خطيئة آدم, وليخلِّص البشرية منها. ونحن نتساءل: ما ذنب المسيح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - فى خطيئة آدم؟ وما ذنب الأجيال المتعاقبة فى هذه الخطيئة؟ وما حكم من لم يؤمن بالمسيح ممن ماتوا قبله, ومنهم أنبياء الله ورسله, صلوات الله وسلامه عليهم؟ أتلحقهم الخطيئة لأنهم جاءوا قبل أن يُكَفِّر عنها؟ولماذا لم يبعثه الله قبل جميع الأنبياء حتى يطهرهم من هذه الخطيئة؟ ولماذا لم ينزل من السماء مباشرة ليكون أشْبَه بسيدنا آدم الذى لم يكن له أَبَاً ولا أُمّاً, وليكون أوقع فى قلوب الناس وأشد تأثيراً؟ وهل كان الله سبحانه وتعالى يحتاج لهذه التمثيلية حتى يغفر لآدم؟ وهل كان أحد يستطيع منعه من المغفرة؟ وهل المعاصى الشنيعة التى نسبتموها لأنبيائكم - زوراً وبهتاناً - من قتل وزنى وشرب خمر... إلى غير ذلك, لا تساوى خطيئة أكْل آدمُ من الشجرة؟وهل يحتاجون لنزول الإله مرة أخرى ليكفرها عنهم؟ وهل من عدل الإله أن ينزل لتراه فئة قليلة من البشر, ثم يُلْزِم جميع الأمم بعدهم بالتصديق, وهم لم يعاينوا نزوله؟ وهل وهل... إلخ؟ {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:68]
ثم إن المسيح لم يقل إنه جاء لتقديم نفسه فداءً لهذه الخطيئة, ولم يذكر آدم ولا خطيئته قط, بل إنه كان يهرب من اليهود الذين أرادوا قتله (كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة رقم 123) وكان يتضرع إلى الله أن ينجيه منهم, ويأمر تلاميذه أيضاً أن يتضرعوا لله لينقذه, فهل الإله يدعو نفسه لينقذ نفسه مما كتبه على نفسه؟ وهل يُعقَل أن تكون هذه مُهِمَّته التى جاء من أجلها ولا يذكرها, بل ويهرب منها؟ وها هى النصوص التى تدل على ذلك:
أنا مجَّدتُك على الأرض. العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملتُه. (يوحنا17: 4) إن هذا معناه أنه أكمل مهمَّته التى كلَّفه الله بها, فأين هى الفِدية المزعومة؟
إله آبائنا أقام يسوع الذى أنتم قتلتموه مُعلِّقين إيّاه على خشبة. هذا رفعه الله بيمينه رئيساً ومخلِّصاً ليعطى إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. (أعمال الرسل5: 30-31) هذه شهادة من بطرس والرُّسُل أنه جاء لغفران خطايا بنى إسرائيل وحدهم, فأين زعمكم أنه طهَّر الناس كلهم من خطاياهم؟
وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون. وتبعه أيضاً تلاميذه. ولما صار إلى المكان قال لهم صلوا لكى لا تدخلوا فى تجربة. وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلاً يا أبتاه إن شئتَ أن تجيز عنى هذه الكاس. ولكن لتكن لا إرادتى بل إرادتك. وظهر له ملاك من السماء يقوِّيه. وإذ كان فى جهاد كان يصلى بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن. فقال لهم لماذا أنتم نيام. قوموا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة (لوقا22: 39-46)
وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيمانى فقال لتلاميذه اجلسوا هاهنا حتى أصلى. ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يَدهَش ويكتئب. فقال لهم نفسى حزينة جداً حتى الموت. امكثوا هنا واسهروا. ثم تقدم قليلاً وخرَّ على الأرض وكان يصلى لكى تعبُرَ عنه الساعة إن أمكن. وقال يا أبا الآب كل شىء مُستطاع لك. فأجِز عنى هذه الكأس. ولكن ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت. ثم جاء ووجدهم نياماً فقال لبطرس يا سمعان أنت نائم. أما قدرتَ أن تسهر ساعة واحدة. اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف. ومضى أيضاً وصلى قائلاً ذلك الكلام بعينه. ثم رجع ووجدهم أيضاً نياماً إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبونه. ثم جاء ثالثة وقال لهم ناموا الآن واستريحوا. يكفى. قد أتت الساعة. هُوَذا ابن الإنسان يُسَلَّم إلى أيدى الْخُطاة. (مرقس14: 32-41) (ابن الإنسان: يعنى نفسه)
وحين صُلِبَ (بزعمهم) سأل الله لماذا تركه ولم ينجِّه؟ وفى الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً الوى الوى لِمَا شبقتنى. الذى تفسيره إلهى إلهى لماذا تركتنى. (مرقس15: 34) ألا يعنى هذا تناقضاً مع قولكم إنه جاء ليفتدى البشر من خطيئة أبيهم؟ ولو كان إلهاً فهل يحتاج للمَلَك أن يقويه؟ (وظهر له ملاك من السماء يقويه) ولو كان هو الله.. أكان يعاتب نفسه أنه لم ينقذ نفسه؟ ثم ما كل هذا العذاب؟ إن الإنسان لا يستطيع أن يرى ابنه يتعذب بهذه الطريقة, وهو قادر على أن ينقذه, ولو تركه - فرضاً - لاتهمه الناس بالقسوة, والجفوة, وقِلَّة الرحمة, أيُنكَر هذا على العبد الضعيف الفقير؟ ويُنسَب لمن هو على كل شىء قدير؟
عجباً للمسيح بين النصارى ..... وإلى الله ولداً نسبوه
وأسلموه إلى اليهود وقالوا ...... حين قَتْله صلبوه
فإن كان ما يقولون حقاً ...... فَسَلُوهم أين كان أبوه
فإن كان راضياً بأذاهم ...... فاشكروهم لأجل ما صنعوه
وإن كان ساخطاً غير راضٍ ...... فاعبدوهم لأنهم غلبوه

فاعتبروا يا أُولى الألباب, واعبدوا رب الأرباب, ولا تشركوا به مَن أصله من تراب {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:59], والله أعلم.



ان شاء الله