الشبهة المائتان خمسة و سبعون (275):
- لقد أثبت القرآن أن نبيكم حاول الانتحار, فقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] وقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] والغريب أنه يحرم الانتحار, كما جاء فى حديثه عن الله: ((عبدى بادرنى بنفسه, حرمت عليه الجنة)) [صحيح الجامع:2082]

الرد:

- إن السائل قد فهم الآيتين فهماً خاطئاً, فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحاول الانتحار, ولكنه كان مغموماً أشد الغم, وحزيناً أشد الحزن على عدم إيمانهم, لحرصه عليهم, حتى كاد غمه وحزنه أن يقتله, فخفف الله عنه بهاتين الآيتين, وكأنه يقول له: هون عليك يا محمد, فإن حزنك عليهم سيقتلك, والأمر ليس بيدك {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8] ولِمَ لا يحزن عليهم, وهو الذى أرسله ربه {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وقال عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128]؟ فليس غريباً عليه أن يكون بمثل هذه الرحمة والشفقة, وخصوصاً أنه رأى النار على حقيقتها فى ليلة المعراج, فازداد وجْده عليهم, فقد رأى بعينيه مصيرهم لو ماتوا على ذلك, كما ثبت عنه أنه دعا أبا جهل للإسلام أكثر من مائة مرة, وأنه تخشَّع لعمه أبى طالب يقول له: ((يا عمِّ قل لا إله إلا الله, كلمة أشهد لك بها عند الله)) [متفق عليه] والحديث عن رحمته - صلى الله عليه وسلم - لا ينتهى, فليس غريباً على صاحب هذه الرحمة العظيمة أن يكون حزنه عليهم عظيماً, حتى كاد حزنه أن يقتله. وليس أَدَلّ على شدة حرصه على هداية قومه مما نعرفه من سيرته المطهرة, من احتمال الأذى والضرب والسب, كما حدث عندما ذهب إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام, فأغروا به سفهاءهم وغلمانهم, فضربوه بالحجارة حتى أدْمَوا قدميه الشريفتين, قأرسل الله إليه جبريل - عليه السلام - كما جاء ذلك فى حديثه - صلى الله عليه وسلم - مع السيدة عائشة, رضى الله عنها: ((لقد لقيتُ من قومك, وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة, إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال, فلم يجبنى إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهى, فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب, فرفعت رأسى, فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى, فنظرت فإذا فيها جبريل, فنادانى فقال: إن الله قد سمع كلام قومك لك وما ردُّوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم, فنادانى ملك الجبال فسلَّم علىَّ, ثم قال يا محمد! فقال ذلك فما شئتَ, إن شئتَ أطبق عليهم الأخشبَيْن, قلت: بل أرجو أن يُخرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)) [صحيح الجامع:5141]‌, والله أعلم.




الشبهة المائتان ستة و سبعون (276):
- إن القرآن ينص على أن محمداً لم يكن أباً لأحد من الرجال, فيقول: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب:40] ولكن السيرة تقطع بأنه أنجب ثلاثة ذكور.

الرد:
- إن هذه الآية نزلت لتنفى أبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لسيدنا زيد بن حارثة - رضي الله عنه - أو غيره, ثم إنها صحيحة من وجه آخر, وهو أن هؤلاء الذكور الذين أنجبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ أحد منهم الحُلُم, فقد ماتوا جميعاً وهم أطفال, أى أنه لم يصل أحد منهم إلى سن الرجولة, ولو أن الله سبحانه وتعالى قال (ما كان محمد أبا أحد من أطفالكم) أو (أولادكم) لكان حجة لكم, والله أعلم.



الشبهة المائتان سبعة و سبعون (277):
- يزعم القرآن أن كل ما ينطق به نبيكم إنما هو من الوحى, فيقول: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] فى حين أنه مر على قوم يلقِّحون النخل, فقال لهم: ((لو لم تفعلوا لصَلُحَ)) فخرج شيصاً, أى جافاً لا يصلح للطعام.

الرد:
- إن هذه الآية الكريمة تنطبق على الأمور الشرعية, وليست على الأمور الدنيوية, فهل يُعقل أن كل كلمة ينطقها الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكون وحياً, ويحرم عليه نطق غيرها؟ إن هذا لفهم قاصر, وهل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وارأساه)) حين شعر بالصداع كان وحياً؟ وهل ملاطفته لزوجاته - رضى الله عنهن - كما كان يقول للسيدة عائشة: ((يا عائِش)) كانت وحياً؟ وهل لو قال على سبيل المثال: أنا جائع, أو أنا عطشان, تكون وحياً؟ إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين مرّ على هؤلاء القوم, ووجدهم يلقحون النخل, فقال لهم مقالته تلك, كان ذلك مجرد رأى شخصى, وليس وحياً, بدليل أنه قال لهم بعدها: ((إذا كان شىء من أمر دنياكم فأنتم أعلم به, وإذا كان شىء من أمر دينكم فإلىَّ)) [صحيح الجامع:767]
أمّا عندكم فالأمر أشد, لأنكم تزعمون أن المسيح هو الله أو ابن الله, فى حين أنه لا يعلم متى تُخرِجُ شجرة التين ثمرها: وفى الغد لما خرجوا من بيت عِنيا جاع. فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق وجاء لعلَّه يجد فيها شيئاً فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً. لأنه لم يكن وقت التين. (مرقس11: 12-13) ونلاحظ أنه لم يعلم بحالها إلا بعد أن اقترب منها, فهل هذا علم الإله عندكم؟, والله أعلم.