1. وايضا فلا ريب ان توبتهم فيما بينهم وبين الله مقبولة اذا كانت توبة صحيحة ويغفر لهم في ضمنها ما نالوه من عرض رسول الله بما ابدلوه من الايمان به وما في ضمن الايمان به من محبته وتعظيمه وتعزيزه وتوقيره واعتقاد براءته من كل ما رموه به وهذه التوبة صحت فيما بينهم وبين الله وان تضمنت التوبة من حقوق الادميين لاوجه # احدها انه قد قيل كفارة الغيبة الاستغفار لمن استغتبته وقد ذهب كثير من العلماء او اكثرهم إلى مثل ذلك فجاز ان يكون ما اتى به من الايمان برسول الله الموجب لانواع الثناء عليه والتعظيم له ما حيا لما ناله من عرض


  1. الثاني ان حق الانبياء تابع لحق الله وانما عظمت الوقيعة في اعراضهم لما يتضمن ذلك من الكفر والوقيعة في دين الله وكتابه ورسالته فاذا تبعت حق الله في الوجوب تبعته في السقوط لئلا تكون أعظم منه ومعلوم ان الكافر تصح توبته من حقوق الله فكذلك من حقوق الانبياء المتعلقة بنبوتهم بخلاف التوبة من الحقوق التي تجب للناس بعضهم على بعض # الثالث ان الرسول قد علم منه انه يدعوالناس إلى الايمان به واتباعه ويخبرهم ان من فعل ذلك فقد غفر الله له كل ما اسلفه في كفره فيكون قد عفي لمن قد اسلم عما ناله من عرضه # وبهذه الوجوه يظهر الفرق بين سب الرسول وبين سب واحد من الناس فانه اذا سب واحدا من الناس لم يأت بعد سبه ما يناقض موجب السب وسبه حق ادمي محض لم يعف عنه والمقتضي للسب هو موجود بعد التوبة والإسلام كما كان موجودا قبلها ان يزجر عنه بالحد وهناك كان الداعي اليه الكفر وقد زال بالايمان واذا ثبت ان توبته وايمانه مقبول منه فيما بينه وبين الله فاذا اظهرها وجب ان يقبلها منه لما روى أبو سعيد في حديث ذي الخويصرة التميمي الذي اعترض على النبي في القسمة فقال خالد بن الوليد يارسول الله الا

اضرب عنقه فقال لا لعله ان يكون يصلي قال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله لم اومر ان انقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم رواه مسلم # وقال لاسامة في الرجل الذي قتله بعد ان قال لا اله الا الله كيف قتلته بعد ان قال لا اله الا الله قال انما قالها تعوذا قال فهلا شققت عن قلبه # وكذلك في حديث المقداد نحو هذا وفي ذلك نزل قوله تعالى
^ ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ^ ولا خلاف بين المسلمين ان الحربي اذا اسلم عند رؤية السيف وهو مطلق او مقيد يصح إسلامه وتقبل توبته من الكفر وان كانت دلالة الحال تقضي ان باطنه بخلاف ظاهره # وايضا فان النبي كان يقبل من المنافقين علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع اخبار الله له انهم اتخذوا ايمانهم جنة وانهم ^ يحلفون بالله ماقالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ^ فعلم ان من اظهر الإسلام والتوبة من الكفر قبل ذلك منه فهذا قول هؤلاء وسيأتي ان شاء الله تعالى الاستدلال على تعين قتله من غير استتابة والجواب عن هذه الحجج
الفصل الثاني

في الذمي اذا سبه ثم تاب # وقد ذكرنا فيه ثلاثة اقوال # احدها يقتل بكل حال وهو المشهور من مذهب الإمام احمد ومذهب مالك اذا تاب بعد اخذه وهو وجه لاصحاب الإمام الشافعي # الثاني يقتل الا ان يتوب بالإسلام وهو ظاهر الرواية الاخرى عن مالك واحمد # والثالث يقتل الا ان يتوب بالإسلام او بالعودة إلى الذمة كما كان وعليه يدل ظاهر عموم كلام الشافعي الا ان يتاول وعلى هذا فانه

يعاقب اذا عاد إلى الذمة ولا يقتل # فمن قال ان القتل يسقط عنه بالإسلام فانه يستدل بمثل ما ذكرناه في المسلم فانه كله يدل على ان الكافر ايضا اذا اسلم سقط عنه موجب السب ويدل على ذلك ايضا ان الصحابة ذكروا انه اذا فعل ذلك فهو غادر محارب وانه ناقض للعهد ومعلوم ان من حارب ونقض العهد اذا اسلم عصم دمه وماله وقد كان كثير من المشركين مثل ابن الزبعرى وكعب بن زهير وابي سفيان بن الحارث وغيرهم يهجون النبي بانواع الهجاء ثم اسلموا فعصم الإسلام دماءهم واموالهم وهؤلاءوان كانوا محاربين لم يكونوا من اهل العهد فهو دليل على ان حقوق الادميين التي يستحلها الكافر اذا فعلها ثم اسلم سقطت عنه كما تسقط عنه حقوق الله ولهذا اجمع المسلمون اجماعا مستنده كتاب الله وسنة نبيه الظاهرة ان الكافر الحربي اذا اسلم لم يؤخذ بما كان اصابه من المسلمين من دم او مال او عرض والذمي اذا سب رسول الله فانه يعتقد حل ذلك وعقد الذمة لم يوجب عليه تحريم ذلك فاذا اسلم لم يؤخذ به بخلاف ما يصيبه من دماء المسلمين واموالهم واعراضهم فان عقد الذمة يوجب تحريم ذلك عليه منا كما يوجب تحريم ذلك علينا منه وان كان
لايوجب علينا الكف عن سب دينهم والطعن فيه فهذا اقرب ما يتوجه به الاستدلال بقصص هؤلاء وان كان الاستدلال به خطا # وايضا فان الذمي اما ان يقتل اذا سب لكفره اوحرابه كما يقتل الحربي الساب او يقتل حدا من الحدود كما يقتل لزناه بذمية وقطع الطريق على ذمي والثاني باطل فتعين الاول وذلك لان السب من حيث هو سب ليس فيه أكثر من انتهاك العرض وهذا القدر لايوجب الا الجلد بل لايوجب على الذمي شيئا لاعتقاده حل ذلك نعم انما صولح على الكف عنه والامساك فمتى اظهر السب زال العهد وصار حربيا ولان كون السب موجبا للقتل حدا حكم شرعي فيفتقر إلى دليل ولا دليل على ذلك اذا أكثر ما يذكر من الادلة انما تفيد انه يقتل وذلك متردد بين كون القتل لكفره وحرابه او لخصوص السب ولا يجوز اثبات الاحكام بمجرد الاستحسان
والاستصلاح فان ذلك شرع للدين بالراي وذلك حرام لقوله تعالى
^ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله ^ والقياس في المسالة متعذر لوجهين # احدهما ان كثيرا من النظار يمنع جريان القياس في الاسباب والشروط والموانع لان ذلك يفتقر إلى معرفة نوع الحكمة وقدرها وذلك متعذرا ولان ذلك يخرج السبب عن ان يكون سببا وشرط القياس بقاء حكم الاصل ولانه ليس في الجنايات الموجبة للقتل حدا ما يمكن الحاق السب بها لاختلافهما نوعا وقدرا واشتراكهما في عموم المفسدة لا يوجب الالحاق بالاتفاق وكون هذه المفسدة مثل هذه المفسدة يفتقر إلى دليل والا كان شرعا بالراي ووضعا للدين بالمعقول وذلك انحلال عن معاقد
الدين وانسلال عن روابط الشريعة وانخلاع من ربق الإسلام وسياسة للخلق بالاراء الملكية والانحاء العقليه وذلك حرام بلا ريب فثبت انه انما يقتل لاجل كفره وحرابه ومعلوم ان الإسلام يسقط القتل الثابت للكفر والحراب بالاتفاق # وايضا فالذمي لو كان يسب النبي فيما بينه وبين الله تعالى ويقول فيه ما عسى ان يقول من القبائح ثم اسلم واعتقد نبوته ورسالته لمحا ذلك عنه جميع تلك السيئات ولا يجوز ان يقال ان النبي يطالبه بموجب سبه في الدنيا ولا في الاخرة ومن قال ذلك علم انه مبطل في مقالته للعلم بان الكافرين يقولون في الرسول شر المقالات واشنعها وقد اخبر الله تعالى عنهم في القران ببعضها مثل قولهم ساحر وكاهن ومجنون ومفتر وقول اليهود في مريم بهتانا عظيما ونسبتها إلى الفاحشة وان المسيح لغير رشدة وهذا هو القذف الصريح ثم لو اسلم اليهودي واقر بنبوة المسيح وانه عبد الله ورسوله وانه بريء مما رمته به اليهود لم يبقى للسميح عليه تبعه # ونحن نعلم ان من الكفار من يعتقد نبوة نبينا إلى الاميين ومنهم من يعتقد نبوته مطلقا لكن الف الدين وعادته واغراض اخر تمنع من
الدخول في الإسلام ومنهم المعرض عن ذلك الذي لاينظر فيه ولا يتفكر فهؤلاء قد لا يسبونه ومنهم من يعتقد فيه العقيدة الرديه ويكف عن سبه وشتمه او يسبه ويشتمه بما يعتقده فيه مما يكفر به ولا يظهر ذلك ومنهم من يظهر ذلك عند المسلمين ومنهم من يسبه بما لم يكفر به مما يكون سبا للنبي وغير النبي كالقذف ونحوه ولكن اذا اسلم الكفار غفر لهم جميع ذلك ولم يجئ في كتاب ولا سنة ان الكافر اذا اسلم يبقى عليه تبعة من التبعات بل الكتاب والسنة دليلان على ان الإسلام يجب ما قبله مطلقا واذا كان اثم السب مغفورا له لم يجز ان يعاقب عليه بعد الإسلام # وايضا فلو سب الله سبحانه ثم اسلم لم يؤخذ بموجب ذلك وقد قال النبي فيما يروي عنه ربه تبارك وتعالى شتمني ابن ادم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن ادم وما ينبغي له ذلك اما شتمه اياي فقوله اني اتخذت ولدا وانا الاحد الصمد

  1. ثم لو تاب النصراني ونحوه من شتم الله سبحانه لم يعاقب على ذلك في الدنيا ولا في الاخرة بالاتفاق ^ لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم افلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ^ فسب النبي لا يكون أعظم من سب الله فانه انما عظم وصار موجبا للقتل لكون حقه تابعا لحق الله فاذا سقط المتبوع بالإسلام فالتابع اولى وبهذا يظهر الفرق بين سب الانبياء وسب غيرهم من المؤمنين فان سب الواحد من الناس لا يختلف بين ما قبل الإسلام وما بعده والاذى والغضاضه التي تلحق المسبوب قبل الإسلام الساب وبعده سواء بخلاف سب النبي فانه قد زال موجبه بالإسلام وتبدل بالتعزير له والتوقير والثناء عليه والمدح له كما تبدل السب لله بالايمان وتوحيده وتقديسه وتحميده وعبادته # يوضح ذلك ان الرسول له نعت البشرية ونعت الرسالة كما قال ^ سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا ^ فمن حيث هو بشر له احكام البشر ومن حيث هو رسول قد ميزه الله سبحانه وفضله بما خصه به فسبه موجب للعقوبة من حيث هو بشر كغيره من المؤمنين وموجب

للعقوبة من حيث هو رسول بما خصه الله به لكن انما اوجب القتل من حيث هو رسول فقط لان السب المتعلق بالبشرية لايوجب قتلا وسبه من حيث هو رسول حق لله فقط فاذا اسلم الساب انقطع حكم السب المتعلق برسالته كما انقطع حكم السب المتعلق بالمرسل فسقط القتل الذي هو موجب ذلك السب ويبقى حق بشريته من هذا السب وحق البشرية انما يوجب جلد ثمانين # فمن قال انه يجلد لقذفه بعد إسلامه ويعزر لسبه بغير القذف قال ان الإسلام يسقط حق الله وحق الرسالة ويبقى حق خصوص الادمية كغيره من الادميين فيؤدب سابه كما يؤدب ساب جميع المؤمنين بعد إسلامه # ومن قال انه لايعاقب بشيء قال هذا الحق اندرج في حق النبوة وحق البشرية انغمر في حق الرسالة فان الجريمة الواحدة اذا اوجبت القتل لم توجب معه عقوبة اخرى عند أكثر الفقهاء ولهذا اندرج حق الله المتعلق بالقتل والقذف في حق الادمي فاذا عفي للجاني عن القصاص وحد القذف لم يعاقب على ما انتهكه من الحرمه كذلك هنا اندرج حق البشرية في حق الرسالة وفي هذين الاصلين المقيس عليهما خلاف بين الفقهاء فان مذهب مالك ان القاتل يعزره الإمام اذا عفا عنه ولي الدم

  1. وعند أبي حنيفة ان حد القذف لا يسقط بالعفو وكذلك تردد من قال ان القتل يسقط بالإسلام هل يؤدب حدا او تعزيرا على خصوص القذف والسب ومن قال هذا القول قال لا يستدل علينا بان الصحابة قتلوا سابه او امروا بقتل سابه او ارادوا قتل سابه من غير استتابة فان الذمي اذا سبه لا يستتاب بلا تردد فانه يقتل لكفره الاصلي كما يقتل الاسير الحربي ومثل ذلك لا يستتاب كاستتابة المرتد اجماعا لكن لو اسلم عصم دمه # كذلك نقول من شتمه من اهل الذمة فانه يقتل ولا يستتاب كانه حربي اذى المسلمين وقد اسرناه فانا نقتله فان اسلم سقط عنه القتل # وكذلك أكثر نصوص مالك واحمد وغيرهما انما هي انه يقتل ولا يستتاب وهذا لاتردد فيه اذا سبه الذمي # ومن قال ان الذمي يستتاب فقد يقول انه قد لا يعلم انه

اذا اسلم سقط عنه القتل فيستتاب كما يستتاب المرتد واولى فان قتل الكفار قبل الاعذار اليهم وتبليغهم رسالات الله غير جائز # ومن لم يستتبه قال هذا هو القياس المثلي في قتل كل كافر اصلي اسير وقد ثبت ثبوتا لا يمكن دفعه ان النبي وخلفاءه الراشدين كانوا يقتلون كثيرا من الاسرى من غير عرض للإسلام عليهم وان كانوا ناقضين للعهد وذلك في قصة قريضه وخيبر ظاهر لا يختلف فيه اثنان من اهل العلم بالسيرة فان رسول الله اخذهم اسرى بعد ان نقضوا العهد وضرب رقابهم من غير ان يعرض عليهم الإسلام وقد امر بقتل ابن الاشرف من غير عرض للإسلام عليه وانما قتله لانه كان يؤذي الله ورسوله وقد نقض العهد # ومن قال انه اذا تاب بالعود إلى الذمة قبلت توبته او خير الإمام فيه قال انه في هذه الحال بمنزلة حربي قد بذل الجزية عن يد وهو صاغر فيجب الكف عنه # واعلم ان هنا معنى لابد من التنبيه عليه وهو ان الاسير الحربي الاصل لو اسلم فان إسلامه لا يزيل عنه حكم الاسر بل ان يصير رقيقا للمسلمين بمنزلة النساء والصبيان كاحد القولين في مذهب الشافعي
واحمد او يخير الإمام فيه بين الثلاثة غير القتل على القول الاخر في المذهبين