بعد إيجاد هذه المفاهيم الصادقة عن الكون والإنسان والحياة، يمكننا القول: الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية، وإنما هو حقيقة قطعية؛ لأن الكلام ليس متناولا لهذا القول باعتباره فرضا، ثم جرى ترتيب البرهان على هذا الفرض، وإنما تناول الكلام الأشياء المدركة المحسوسة، وأقام البرهان الحسي على أنها مخلوقة لخالق، فأدرك إدراكا حسيا وجود مخلوقات لخالق، فتوصل بالبرهان الحسي إلى هذا القول، فكان القول نتيجة البرهان وليس فرضا.
أي: إننا لم نقل: بما أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق، وبما أنه ثبت أن المدرك المحسوس مخلوق فيكون غير المدرك المحسوس هو الخالق. أي: لم نقم الفرضية أولا، ورتبنا عليها البرهان حتى يحتاج إلى إثبات الفرضية ليصح البرهان، وإنما وضعنا الأشياء المدركة المحسوسة موضع البحث، فلفتنا النظر إلى أنها موجودة قطعا، وهو أمر مشاهد ملموس، وأقمنا البرهان على أنها محتاجة قطعا، وهذا يعني أنها محتاجة إلى من يوجدها فهي مخلوقة. فالبرهان قام على أن الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة، أي ترتب على حقيقة قطعية لا على فرضية.
وبذلك، ثبت بشكل قطعي وجود المخلوق، وهذا يثبت وجود الخالق؛ لأن هذا المخلوق: إما أن يكون مخلوقا لنفسه، أو مخلوقاً لغيره، ولا ثالث لهما قطعا؛ وهذا ليس فرضا، وإنما الواقع المحسوس للمخلوق يدل عليه. أما كونه مخلوقا لنفسه فباطل؛ لأنه يكون مخلوقا لنفسه وخالقاً لنفسه في آن واحد، وهذا باطل، فلا بد أن يكون مخلوقا لغيره، وهذا هو الخالق. وبهذا ثبت وجود خالق، أي أن إثبات كون الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة لخالق، وأن هذا الخالق هو غيرها يثبت وجود الخالق. وبناء على هذا الإثبات بالبرهان الحسي لوجود المخلوق ولوجود الخالق وأنه غير المخلوق، أدركت الحقيقة القطعية، وهي: إن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق، ولذلك لم يكن هذا القول فرضا، وإنما هو حقيقة قطعية ثبتت بالبرهان الحسي القاطع.
المفضلات