نظرة إلى الإلحاد، قديمًا:
نظر الملاحدة قديمًا فيما يقع عليه حسُّهم، فرأوا أن العالم متغير بالمشاهدة والحس، وهذا أمر لا يستطيع أحد إنكاره، وهذا يعني أن العالم حادث لأن كل متغير حادث، وما دام حادثا فهو مخلوق، أي وجد بعد أن لم يكن، ولكنهم رأوا أن تغيره إنما هو في أجزائه التي يتكون منها، أما هو ككل فرأوه كما هو، فالكواكب لا تزال كما هي كواكب لم تتغير، والحياة لا تزال في الأحياء هي الحياة لم تتغير، والإنسان لا يزال هو الإنسان لم يتغير، فتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس حادثا، وإنما هو قديم أزلي، لا أول له، فهو إذن ليس مخلوقا لخالق.
والحق أن تغير العالم أمر آكد، والتغير ليس في أجزائه فحسب، بل فيه_ أيضا _بوصفه كلا، غير أن التغير لا يعني أن حقيقته قد تغيرت، وإنما وضعه في تغير دائم، فالبرتقالة ونبتة الزرع والحجر والحديد والإنسان والحيوان وغير ذلك تتغير من حال إلى حال بالمشاهدة، ولكن تغيرها لا يعني أن البرتقالة تصبح حجرا، والحجر يصبح حديدا، والحديد يصبح نبتة زرع، وهكذا.
فالتغير يكون بالصفات ويكون بالأحوال، وأما تغيره إلى شيء آخر فهو تبدل، والتبدل ليس هو البرهان، وإنما البرهان هو وجود التغير. وبناء على هذا، ليس صحيحا أن العالم ككل لم يتغير، وليس صحيحا أن الكواكب لا تزال كما هي لم تتغير، وليس صحيحا أن الإنسان كما هو لم يتغير، وليس صحيحا أن الحياة كما هي لم تتغير. فالعالم في مجموعه بكل ما فيه من كون وإنسان وحياة يتغير، فالكواكب متغيرة بالمشاهدة، ومجرد حركتها هو تغير. والإنسان متغير بالمشاهدة، وانتقاله من طفل إلى شاب إلى هرم هو تغير. والحياة متغيرة بالمشاهدة، وكونها تظهر في الإنسان والحيوان والنبتة والشجرة دليل على وجود التغير فيها، فهي متغيرة حتما. وبذلك، ينقض ما ذهبوا إليه من أن العالم ليس حادثا؛ لأنه متغير ككل وكأجزاء، بل هو دائم التغير. وكل متغير حادث، فالعالم حادث، وإذن هو ليس أزليا، وما دام ليس أزليا فهو مخلوق لخالق؛ لأن غير الأزلي مخلوق.
المفضلات