كون ان غاندي قد سرق الحركة الوطنية من المسلمين في الهند أعتقد أن هذا الكلام فيه شيء من الغموض فلو كان المقصود أن المسلمين هم أول من نادوا بالتحرر من الانكليز قبل أن يأتي غاندي فهذا صحيح ....لكن هذا لا ينفي حقيقة ان المسلمين في الهند عددهم لا يضاهي عدد الهندوس ومن الطبيعي أن يبرز زعيمهم الهندوسي غاندي وتزداد شعبيته لكن هذا لم يكن عائقاً أبداً أمام القيادات المسلمة بل أنهم قد قدموا الكثير للهند لانهم قد أقتنعوا بأنهم كمسلمين دينهم يرفض الاستعمار ويدعو الى الانتفاض ضد وجود المحتل ومن أبرز القيادات المسلمة التي برزت في ذلك الوقت هو آزاد أبو الكلام.
فقد كانت الهند في مطلع القرن العشرين تموج بالغليان على الاحتلال الإنجليزي، وفي هذه الفترة حاول أبو الكلام الاتصال بكبار الثوار الهندوس، وفتح قنوات اتصال معهم لإزالة شكوكهم تجاه المسلمين وإقناعهم بقبوله في صفوفهم، وكان يقول للهندوس: "إن المسلمين بطبيعتهم ضد الاستعمار، فهم طلاب حرية وعزة واستقلال".
قام آزاد برحلة إلى البلاد الإسلامية للتعرف على أفكارها وأحوالها ( 1908م)، وخرج من رحلته هذه بضرورة إحياء الروح الدينية واتخاذها أساسا للنهوض والتحرر من الاستعمار دون تعصب ديني، ومن ثم اتخذ وسائل علنية لإحياء الروح الدينية للمسلمين بدلا من العمل في الجمعيات السرية،
فأصدر مجلة "الهلال" التي اتخذها منبرا لدعوة المسلمين إلى التحرر العقلي والسياسي، وترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية حتى يفهمه المسلمون في الهند، ولا يعيشوا في عزلة عن معانيه. وقد حققت قبولا واسعا في أوساط المسلمين، وبلغ توزيعها (25) ألف نسخة أسبوعيا، وهو عدد ضخم جدا في تلك الفترة،
وظنه الناس كهلا كبيرا ولم يعلموا أنه شاب في بداية العشرينيات.
كانت الهلال نقطة تحول في تاريخ الصحافة في الهند، وفي واقع المسلمين؛ فكانت مدرسة في التدين القويم والوطنية والحرية، يقول عنها أحد كبار علماء الهند وهو "محمود الحسن": "كدنا ننسى مهمتنا فذكرتنا بها الهلال".
لم يستطع الإنجليز أن يسكتوا طويلا على النهضة الفكرية التي أحدثتها الهلال فأغلقوها فأصدر مجلة "البلاغ" لكنها سرعان ما أغلقت بقانون الطوارئ بعد عدة أشهر من صدورها، ثم أبعد عن كلكتا ولم يمض وقت طويل حتى اعتقل وقضى به 3 سنوات ونصف حتى أخرج في (1920م).
انضم آزاد إلى "حزب المؤتمر" - وكان قد أنضم قبلها الى جمعية الخلافة - الذي يتزعمه "غاندي" وتربطه علاقات قوية بزعماء المسلمين، ونشطت حركة مقاطعة المستعمر من قبل المسلمين والهندوس وتلاقت فكرة غاندي التي سماها بالهندية "ساتيا جراها" وتعني: الحق المنطوي على المحبة والصلابة، أو "المقاومة السلبية" مع سياسة المسلمين في عدم طاعة المستعمرين أو التعاون معهم؛ لذا نشأت حركة عصيان مدني واسعة في الهند.وقد كان نصيبه السجن أيضاً بسبب ذلك
وعندما خرج من سجنه وجد البناء الذي أقامته الزعامات الهندية من أجل التحرر قد اهتز،و الشعب دخل في معارك طائفية، ونسي مهمته الأساسية في التحرير، وامتدت الخلافات إلى حزب المؤتمر الذي انقسم إلى تيارين رئيسيين، فلم ينحز إلى أي من الفريقين ، فتم اختياره رئيسا للحزب بإجماع الفريقين.
وأكد آزاد في خطابه أن الهدف الحقيقي هو تحرير البلاد، مع إعطاء حرية لكل فريق في أن ينفذ البرنامج الذي يراه مناسبا للهدف، وبذلك استطاع الحفاظ على تماسك الحزب من خلال تحديد إستراتيجيته مع إعطاء مساحة واسعة لتحقيق هذه الإستراتيجية، لكنه لم ينجح هو وكبار زعامات الهند في تطويق الانقسام الطائفي بين المسلمين والهندوس، فبدأت كثير من الزعامات المسلمة في حزب المؤتمر تنفصل عنه لعدم إخلاصه لقضايا المسلمين، حسب اعتقادهم، إلا أن آزاد رفض أن يكون حزب المؤتمر مؤسسة هندوسية يتحكم فيها متطرفو الهندوس، ويمثلون من خلاله الشعب على اختلاف طوائفه، ولهذا قرر أن يبقى في الحزب، كأحد زعاماته البارزة، وظل متمسكا بوجهة نظره حتى بعد تحرير الهند سنة ( 1947م)، ثم انفصال المسلمين في البنجاب والبنغال وتشكيلهم دولة باكستان المسلمة.
وفي بداية الحرب العالمية الثانية اختير آزاد رئيسا لحزب المؤتمر، فقبل بعد ضغوط من غاندي، واستمر في رئاسة الحزب 10 سنوات متتالية كانت من أخطر السنوات في تاريخ الهند، أعيد انتخابه للرئاسة كل سنة، وتولى المفاوضات مع الإنجليز باسم الهند حتى ظفرت باستقلالها، وكان يرفض التحدث بالإنجليزية رغم تضلعه فيها، واستمر في رئاسة الحزب حتى عام (1950).
بعث غاندي برسالة إلى "آزاد" يطلب منه الاستقالة من رئاسة الحزب، لكنه تراجع بعدما نصحه أحد خلصائه بأن إقالة "آزاد" ستؤدي إلى تدمير حزب المؤتمر، وقال غاندي لمولانا آزاد أمام اللجنة التنفيذية للحزب: "هاكم المذنب يعود تائبا لمولانا".
وعارض "آزاد" تقسيم الهند إلى دولتين هما "باكستان" بشقيها الغربي التي تضم جزءا كبيرا من المسلمين، و"الهند" الدولة الكبرى، وكان يردد مقولته المشهورة "أنا أريد وحدة الشعب، لا أريد الحرية، فإن التأخير في نيل الهند الحرية خسارة على الهند وحدها، ولكن الحرمان من الاتحاد خسارة على العالم والإنسانية". وبعد الاستقلال شغل منصب وزير المعارف مدة 10 سنوات، ووصف بأنه أحد الأعمدة الأربعة للهند.
فسر "آزاد" القرآن الكريم باللغة الأردية، في كتابه "ترجمان القرآن"، ووصل إلى سورة المؤمنون"، ولم تنقطع علاقته بالقرآن الكريم طوال سنوات حياته، وكان يرى أن من ضرورات الإصلاح الديني العمل على تعليم القرآن وفهمه بأسلوب عصري، وطبقا لمقتضياته، ودعا إلى فهم القرآن بعيدا عما أحاط به على مر القرون من تفسيرات أضافت إلى النبع الإلهي كثيرا من الآراء والأهواء والحشويات.
يقول الشيخ "محمد الغزالي" عن محاكمة آزاد: "وتظهر عظمة آزاد ويتجلى إيمانه الوثيق بالله وفهمه الصحيح للإسلام حين قدمه الإنجليز للمحاكمة بتهمة التحريض على الثورة وقد سجلت حينها أشهر مرافعة في تاريخ الإنسانية في وجه محاكم الاستعمار، صدرت بعد ذلك في كتيب صغير لعمق أفكارها وروعة بيانها، والشجاعة النادرة التي تحلى بها آزاد، ومما جاء في هذه المرافعة
"إنه ليس هناك ما هو أدعى للخزي والمهانة من أن يحني المسلمون رؤوسهم أمام أفكار غيرهم السياسية، إن الإسلام لا يسمح لهم بأن يكونوا ذيلا لغيرهم في أفكارهم، بل عليهم أن يدعوا غيرهم إلى مشاركتهم واتباعهم، ولو أنهم خفضوا رؤوسهم لله تعالى لخفض العالم رأسه أمامهم.
إن الإسلام قد وضّح لهم طريقهم الخاصة، فلماذا يستعيرون من غيرهم الطرق؟! وإذا كان الله قد رفع رؤوسهم فينبغي لهم ألا يخفضوها أمام غيرهم، هذه إرادة الله، وغيرة الله لا تسمح لمن أسلم أن يستسلم لغيره {إن الله لا يغفر أن يشرك به}".
أرجو أن لا أكون قد أطلت لكن كان يجب أن نستعرض مع ما قلت دور المسلمين في حركة المقاومة ضد الانكليز وعلاقتها المباشرة مع غاندي الذي قد يكون قد أختلف في مراحل النضال معهم لكن أظن ان هذا كان وارداً فكل الشركاء أختلفوا حتى الذين كانوا من نفس الدين -ولا مجال هنا لاستعراض أسمائهم- لكن هذا لا يعني أنه تامر عليهم... أو قد يكون فعل الله أعلم
المفضلات