أما عن حبه للأدب والعلوم :

كان المنصور بن أبى عامر يعشق الأدب والشعر بل وينظم شعراً , فمن شعره يفتخر :-

ألم ترنى بعتُ الإقـامـةَ بالسُّرى *** ولين الحشايـا بالخــيول الضـوامرِ؟
تبدَّلْتُ بعد الزعفــرانِ وطِـيبِه *** صدا الدّرع من مستحكمات المسـامرِ
أرونى فتىً يحمى حماىَ ومـوقفى *** إذا اشتـجر الأقـرانُ بين العساكرِ
أنا الحـاجب المنصور من آل عامرٍ *** بسيفى أقُدُّ الهـام تحت المغـافرِ
تــلادُ أمـير المـؤمنين وعَبـــدُهُ *** وناصــحه المشـهودُ يــومَ المفـــاخرِ
فــلا تحسـبوا أنــى شُـغلت بغــيركم *** ولكـــن أطـعتُ الله فى كــل كـافرِ


ومن شعره أيضاً , يفتخر :

رميت بنفسى هول كل عظيمةٍ *** وخاطرتُ والحر الكريمُ يخاطرُ
ومـا صاحبى إلا جنـان مشيعٌ *** وأسمر خطى وأبيـض بـاترُ
ومن شيمى أنى على كل طـالبٍ *** أجـودُ بمالٍ لا تقيه المعـاذرُ
وإنى لزجاء الجيـوش الى الوغى *** أسـود تلاقيها أسـود خوادرُ
فسُدتُ بنفسى أهل كل سيادة *** وفاخرت حتى لم أجد من أفاخرُ
ومـا شِدتُ بنياناً ولكن زيادة *** على ما بنى عبد المليك وعـامرُ
ورفعنا المعـالى بالعوالى حـديثَهُ *** وأورثناها فى القـديم معـافرُ


وله أيضا يتوعد صاحب الدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة ويمنى نفسه فى القضاء عليه وحكم مصر والحجاز :

منع العين أن تذوق المناما *** حُبها أن ترى الصفا والمقاما
لى ديون بالشرق عند أناسٍ *** قد أحلوا بالمشعرين الحراما
إن قضوها نالوا الأمـانى وإلا *** جعلـوا دونهـا رقـاباً وهـاما
عـن قـريبٍ تـرى خـيول هشـام *** يبلغ النيلَ خطوُها والشآما


وكانت دولة المنصور وحكومته تضم عددا من الوزراء والكتاب والشعراء الأفذاذ أمثال : أبو العلاء صاعد اللغوى وكذلك أبو مروان عبد الملك بن شهيد وأحمد بن سعيد ابن حزم والد الفيلسوف والعالم الشهير ابن حزم وآخرون ممن هم مشهود لهم بالفضل والعلم وواسع المعرفة .

وكان يوسع النفقة على الأدباء والشعراء وكان المنصور له مجلس أسبوعى يعقده للبحث والمناظرة ويشهده كثير من العلماء والأدباء , كما اهتم جدا بإنشاء دور العلم فى الأندلس وفى قرطبة وبالغ فى الإنفاق عليها وكان يزور المساجد والمدارس بنفسه وكان يجالس الطلاب أحيانا !!

وإهتمام المنصور بن أبى عامر بالأدب شيىء معروف ومشهور وأكتفى بما ذكرته آنفا ..


مسجد قرطبة

مناقب المنصور بن أبى عامر :

اهتم المنصور بن أبى عامر بالأوجه الحضارية كذلك فابتنى مدينة "الزاهرة" على غرار "الزهراء" ونقل اليها كل دوواين الحكم وجعلها عاصمة لملكه وفرغ من بناءها عام 370هـ وكانت آية فى البناء الجمال وجلب اليها المنصور بن أبى عامر غلمانه وحاشيته ووزراءه , ففرغت "الزهراء" منهم وملئت الزاهرة وكثر فيها الأسواق والقصور وامتازت بحسن حدائقها وجمال عمرانها واعتدال هواءها وفيها يقول صاعد اللغوىّ :

يا أيهـا الملكُ المنصـورُ من يمنٍ *** والمُبتنى نسبـاً غـير الذى انتسبا
بغزوة فى قلـوب الشـرك رائعة *** بين المنـايا تُناغى السُّمر والقُضُبَا
أما ترى العين تجرى فوق مرْمَرِها *** هوىً فتجرى على أخفاقها الطربا
أجريتها فطـما الـزاهى بَجرْيتها *** كمـا طمــوتَ فَسـُدْتَ العُـجْمَ والـعَرَبَا
تخــالُ فـيه جـنـودَ المــاءِ رافلــةً *** مستلئمـات تُـريـك الــدرع والـيَلَبـَا
تَـحِفـُّهـا مـن فنــونِ الأيْكِ زاهـرةً *** قــد أوْرَقـَتْ فضـة إذْ أَوْرَقَـت ذَهَـبا
بديعـــة المـلك مـا ينفكُّ نـاظـرها *** يتلـو على السمـعِ منها آيــة عَـجَبَا
ولا يُحْســن الــدَّهْرُ أن يُـنشي لـها مَثَلا *** ولـو تعنّت فـيها نفســه طَلَبـَـا



وأصحبت الزاهرة هى حاضرة الأندلس ونافست قرطبة فى جمالها وروعة بنيانها واتسعت وزادت مساحتها حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة , وبنى المنصور بمنطقة فيها مجموعة من قصوره وسماها (مُنية العامرية) وكانت بها أروع قصور المنصور وأحظى بيوته , دخل عليه يوما ابن أبى الحُباب فى بعض قصوره بمنية العامرية والورد قد تفتحت أوراقه وزاد جمال القصر وبهجته والشمس ساطعة تعكس أنوارها المياه الجارية بالقصر فكان المنظر بحق بديع , فقال فى ذلك :

لا يـوم كاليـوم فـى أيامــك الأُولِ *** بـالعامــرية ذات المـاء والظُـللِ
هـواؤها فى جميع الدهر معتدلٌ *** طيـبا وإن حــل فصلٌ غيـرُ معـتدلِ
ما إن يُبالى الذى يحتل ساحتها *** بالسعد أن لا تحلّ الشمسُ بالحملِ


كما أن المنصور بن أبى عامر جدد بناء قنطرة قرطبة التى تعد من عجائب الدنيا فى ذلك الزمن وأعاد بنائها سنة 378هـ واستغرق بناؤها سنة ونصف وأنفق لذلك مائة وأربعين ألف دينار !!!
وبنى كذلك قنطرة آستجة على نهر شنيل وكلفت كثير من الجهد والوقت لكنها سهلت الكثير على المسلمين , ولهجت العامة بالدعاء للمنصور بن أبى عامر – رحمه الله

قنطرة قرطبة فى أسبانيا التى جددها المنصور بن أبى عامر

ومن أعظم مناقبه كذلك وهى الزيادة والتوسعة التى وسعها فى جامع قرطبة العظيم الذى لم يبنى مثله فى الإسلام !! , فأضاف اليه مثل مساحته تقريبا , وكان يرسل أسرى النصارى للعمل فى البناء , وكان المنصور يشترك بنفسه أحيانا فى أعمال البناء , وكانت تلك هى أضخم وآخر التوسعات التى تمت لجامع قرطبة , فشرع فى البناء عام 387هـ واشترى المنصور البيوت والأملاك الواقعة ضمن منطقة التوسعة وحرص على إنصاف أصحابها , وتضاعف حجم الجامع جدا , وبلغ عدد سوارى المسجد ما بين كبيرة وصغيرة الى ألف وأربعمائة وسبعة عشرة 1417 سارية – عمود - , وبلغت كذلك عدد الثريات مابين كبيرة وصغيرة الى مائتان وثمانون 280 , وعدد الكؤوس سبعة آلاف وأربعمائة وخمس وعشرون كأسا 7425 , وكان يخدم الجامع من أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسَدَنة ومُوقدين – يوقدوا الشموع والمصابيح للإنارة – وغيرهم أكثر من مائة وتسعة وخمسون 159 شخصاً , وفى رمضان يُوقد العود والطيب فى جميع أنحاء الجامع ......


مسجد قرطبة

ومن أهم مناقب المنصور هو عمله على إذلال الممالك النصرانية فى الشمال والعمل على تأديبهم المستمر حتى لا يفكروا إلا فى طلب ود وجوار المسلمين , ومن أجل ذلك أرسل ملك قشتالة "شانجة" ابنته جارية عند المنصور فى قرطبة لينال رضاه !!

وعندما جاء الى قرطبة بعد هزيمته مع المسلمين , وأثناء مروره بين صفوف العسكر والجند وأهل الخدمة انخلع قلبه من الرهبة والهيبة حتى ارتعدت فرائصه , ودخل مجلس المنصور فما إن وقعت عينه على المنصور بن أبى عامر حتى هوى على الأرض من فرط هيبيته وقبّل قدم المنصور ويده !!!

أى عزة هذه بالله عليكم !!!

اللهم أعد لنا عزتنا واكتب لنا النصر والتمكين !!

وللمنصور مناقب أخرى كثيرة ولو أخذت بحصرها ما انتهيت منها وأكتفى بما ذكرته ....