الداعي
عضو ناشط

godfather, تحية طيبة, وبعد:

لقد علَّمنا نبيُّنا محمد_ صلى الله عليه وسلم _أن نقرَّ لأهل الفضل بفضلهم, وأن نبين لمن قالوا بحقٍّ حقَّهم. فلمَّا قال لبيد: (أَلَا كُلُّ شىءٍ ما خَلاَ اللهُ باطِلُ), قال فيه:" أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ", متفق عليه. وبناء على ذلك, نرى القاضي تقي الدين النبهاني يقول بحقِّ أئمة الشيوعية:" إن الذين عرفوا العقل ما هو، أي حاولوا معرفة واقع العقل، كثيرون، سواء أكان ذلك في القديم من فلاسفة اليونان، أو من علماء المسلمين، أو علماء الغرب، أو كان ذلك في العصر الحديث. ولكن هذه التعاريف، أو بعبارة أخرى هذه المحاولاًت، لا يوجد فيها ما يستحق الذكر، ولا ما يرتفع إلى مستوى النظر، سوى محاولة علماء الشيوعية، فإن تعريفهم وحده هو الذي يمكن أن يستحق الذكر، ويمكن أن يرتفع إلى مستوى النظر، لأنها محاولة جدية، لم يفسدها عليهم إلا إصرارهم الخاطىء على إنكار أن لهذا الوجود خالقاً، ولولا هذا الإصرار على إنكار أن للوجود خالقاً، لتوصلوا إلى إدراك واقع العقل إدراكاً حقيقياً، أي لتوصلوا إلى معرفة واقع العقل معرفة يقينية جازمة. فهم بدأوا البحث في الواقع والفكر فقالوا: هل الفكر وجد قبل الواقع؟ أم أن الواقع وجد قبل الفكر، وكان الفكر نتيجة للواقع؟ وقد اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: إن الفكر وجد قبل الواقع، ومنهم من قال: إن الواقع وجد قبل الفكر. واستقر رأيهم النهائي على أن الواقع وجد قبل الفكر. وبناء على هذا، أو من جراء هذا وصلوا إلى تعريف الفكر (الوعي)، فقالوا: إن الفكر هو انعكاس الواقع على الدماغ. فتكون معرفتهم لواقع الفكر (الوعي) هو أنه واقع، ودماغ، وعملية انعكاس لهذا الواقع على الدماغ. فالفكر (الوعي) هو نتيجة لانعكاس الواقع على الدماغ. هذا هو رأيهم، وهو رأي يدل على بحث صحيح، ويدل على محاولة جادة وعلى قرب من الحقيقة ".
وكما قلتُ آنفا: هل تعريف الوعي بأنه: (انعكاس للفضاء المادّي المحيط بنا) تعريف ينطيبق على واقع الوعي؟!

المأخذ الأول: هل ثمَّة انعكاس؟
يرى الشيوعيون أنَّ ثمَّة انعكاسًا ينتج عنه الوعي, وهذا الانعكاس يحصل في الدماغ, وهم يرون الدماغ تنعكس المادة فيه, وبالتالي ينتج الوعي. والحقُّ الذي نجزم به أنَّه ليس ثمَّة انعكاس بين المادة والدماغ ينتج عنه وعي, بل الذي يحصل هو إحساس, وشتَّان بين الحس والانعكاس.
مسألة الانعكاس لا تحصل؛ فلا الدماغ ينعكس على المادة، ولا المادة تنعكس على الدماغ؛ لأن الانعكاس يحتاج إلى وجود قابلية الانعكاس في الشيء الذي يعكس الأشياء كالمرآة، فإنها تحتاج إلى قابلية الانعكاس عليها، وهذا غير موجود، لا في الدماغ، ولا في الواقع المادي. ولذلك لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقاً، لأن المادة لا تنعكس على الدماغ، ولا تنتقل إليه كما يزعم ماركس: (بعد أن انتقلت إلى دماغ الإنسان). بل الذي ينتقل هو الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس, أي إن الحواس هي التي تحس المادة، بأية حاسة من الحواس، فينقل هذا الحس إلى الدماغ فينتج الوعي.
والحواس الخمس هي: اللمس, والذوق, والشم, والسمع, والرؤية. ونقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاساً للمادة على الدماغ، ولا انعكاساً للدماغ على المادة، وإنما هو حس بالمادة، ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس، فيحصل من اللمس، والشم، والذوق، والسمع، إحساس كما يحصل من الإبصار. إذن, فما تقوم به الحواس من نقل الحس للدماغ ليس انعكاسا, فالإنسان يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس، ولا تعكس على دماغه الأشياء.
هذا هو المأخذ الأول على تعريف الوعي.

المأخذ الثاني: إهمال المعلومات السابقة التي تفسر الواقع (المادة).
يرى الشيوعيون أنَّ (الوعي ما هو إلا انعكاس للفضاء المادّي المحيط بالإنسان), وتعريفهم للوعي صريح في أن إنتاج الوعي ليس بحاجة إلى أكثر من انعكاس للمادة, وهذا مخالف للواقع والحقيقة, وبيان هذا في أسطر تلي هذا.

إن كان الوعي يحصل بمعزل عن المعلومات السابقة, فكيف يمكننا فهم هذا:
1_لا يستطيع الإنسان فهم لغة ما قبل أن تحصل لديه معلومات عنها. إن كان الوعي هو حصول الانعكاس_ حسب تعبيركم _للمادة, فلماذا لا نفهم اللغات من فرنسية وصينية وفارسية...إلخ, وقد حصل الانعكاس حسب رأيكم؟!
2_لا يستطيع الإنسان السير في سيارة, بل لا يستطيع تشغيلها قبل أن تحصل لديه معلومات عن كيفية التشغيل والسير. إن كان الوعي هو حصول الانعكاس_ حسب تعبيركم _للمادة, فلماذا لا نستطيع تشغيل السيارة والسير بها, وقد حصل الانعكاس حسب رأيكم؟!
3_لا يستطيع امرؤ في مختبر أن يصنع قنبلة نووية قبل أن تحصل لديه معلومات عن صناعتها. إن كان الوعي هو حصول الانعكاس_ حسب تعبيركم _للمادة, فلماذا لا نستطيع صناعة قنبلة نووية أو انشطارية وقد حصل الانعكاس حسب رأيكم؟!
4_لا يستطيع الإنسان صناعة الأدوية وإجراء العمليات الجراحية قبل أن تحصل لديه معلومات تعينه في ذلك.
5_لو جئنا بفتى أدغال, وقلنا له: ما هذه العناصر, ومما تتكون؟ فإنه لا إجابة لديه قبل أن يشرح له ذلك الكيميائيون.

وعليه, فقد ظهر جليًّا لكلِّ ذي لبٍّ فساد هذا التعريف للوعي عندما ترك وراءه المعلومات التي تفسر الواقع المحسوس, فما هو تعريف الوعي الذي ينطبق على الواقع؟
الوعي: هو حكم على واقع. والحكم على واقعٍ ما (ما هو) لا يحصل قبل تحقق أربعة أركان: اثنان من الإنسان نفسه, واثنان من غيره. فأمَّا اللذان من الإنسان, فهما: دماغ صالح للربط فيه خاصية العقل, والحواس الخمس. وأمَّا اللذان من غيره, فهما: الواقع (المادة), ومعلومات تفسر هذا الواقع.
أمَّا الدماغ, فلا بدَّ من أن يكون صالحًا للربط, أي فيه خاصية العقل؛ لأنَّه أداة التفكير, فإن كان غير ذلك, فلا فرق بينه وبين دماغ الأنعام. وأمَّا الحواس, فهي التي تنقل الحس بالمادة للدماغ, ومن دون الحواس لا يحصل الوعي؛ فمثلا: لا يستطيع الأعمى أن يعقل ما حوله من حيث الألوان والأشكال, أي عندما فقد حاسة الإبصار, لم يعد قادرًا على إنتاج الوعي, أي لا يستطيع الحكم على سيارة ما ما لونها وما شكلها؟ والأطرش لا يستطيع أن يعقل الأصوات ودلالاتها؛ لأنَّ الصورة الصوتية لم تنتقل للدماغ بفقد حاسة السمع, وهكذا هلمَّ جرا. وأمَّا الواقع (المادة), فإنَّه لا يمكن أن يحصل من دونها وعي؛ فالوعي مرتبط به ارتباطًا وثيقًا, وهذه نتفق عليها. والواقع هو كلُّ شيء تدركه حاسة أو أكثر. وأمَّا المعلومات التي تفسر الواقع, فلا بدَّ منها لإصدار الحكم, أي حتى ينتج الوعي. ومن الإستحالة حصول الوعي من دون معلومات سابقة, وأرجو الفصل بين الوعي وبين الاهتداء الغريزي؛ فالأمور الغريزية مفطورة في الإنسان والحيوان على حدٍّ سواء؛ فلا الطفل بحاجة لمعلومات حتى يرضع, ولا الأنعام بحاجة إلى معلومات حتى تعلم ضرورة الأكل أو تدرك العلاقة الجنسية, فهذه كلها أمور تصدر عن الغريزة, ولا تمتُّ إلى الوعي بصلة.
وعليه, فالوعي هو الحكم على واقع, وهو ينتج عن عملية عقلية تقوم من خلالها الحواس بنقل الحس بالواقع إلى الدماغ الصالح للربط مع وجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع, أي تصدر عليه حكما.
أنتظر نقدك الموضوعي لطرحي, وتعليقك على ردِّ رقم (4) لا يؤثر على سير المناظرة, وكما قلت لك: (وعلى كلِّ حال, فليس هذا ذا أثر على سير المناظرة).

ملحظ: ما هي الكتب التي تثق أنت بترجمتها, ومن قبل ترجمتها بطرحها الماركسي؛ لتكون اقتباساتي حسب ما تسلم به؟