وفي الحديث المذكور يتضح أن أهل ذلك الموقف قد رأوا الله من قبل لما دل عليه الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري " فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة, فيقول: أنا ربكم, فيقولون: أنت ربنا, فلا يكلمه إلا الأنبياء "
ورواه ابن أبي عاصم في (( السُّـنّة )) لابن أبي عاصم (1/285)." فيبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر, ثم يتبدى الله لنا في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة, فيقول: أيها الناس, لحقت كل أمة ما كانت تعبد, وبقيتم, فلا يكلمه يومئذ إلا الأنبياء: فارقنا الناس ونحن إلى صحبتهم أحوج, لحقت كل أمة ما كانت تعبد, ننتظر ربنا الذي كنا نعبد.
فيقول: أنا ربكم, فيقولون: نعوذ بالله منك, فيقول: هل بينكم وبين الله آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم, فيكشف عن ساق, فيخرون سجداً أجمعين، ولا يبقى أحد كان يسجد في الدنيا سمعة ولا رياء, ولا نفاقاً, إلا على ظهره طبق, كلما أراد أن يسجد خر على قفاه.
ثم يرفع برنا ومسيئنا, وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة, فيقول: أنا ربكم, فنقول: نعم "
ويهذا يفسر الوقل في الحديث " وتبقى هذه الأمة, فيها منافقوها, فيأتيهم الله – تبارك وتعالى – في صورة غير صورته التي يعرفون"
أي غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة وهي المرة التي تعارفوا فيها على ربهم قبل أن ينادي المنادي وقد دلت الأحاديث الصحيحة أن الناس ترى الله تعالى قبل هذا الموقف فضلاً عن اثبات الحديث الي بين أيدينا لرؤيتهم الله تبارك وتعالى مرة واحدة على الأقل من قبل .
ومن هذه الأدلة الحديث الذي أخرجه الألباني في الجامع الصحيح "يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ، ثم يطلع عليهم رب العالمين ، فيقول : ألا يتبع كل إنسان ما كان يعبد ؟ فيمثل لصاحب الصليب صليبه ، ولصاحب التصاوير تصاويره ، ولصاحب النار ناره ، فيتبعون ما كانوا يعبدون ، ويبقى المسلمون ، فيطلع عليهم رب العالمين ، فيقول : ألا تتبعون الناس ؟ فيقولون : نعوذ بالله منك ، نعوذ بالله منك ، الله ربنا ، وهذا مكاننا ، حتى نرى ربنا ، وهو يأمرهم ويثبتهم ، قالوا : وهل نراه يا رسول الله ؟ قال : وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا : لا ، قال : فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ، ثم يتوارى ، ثم يطلع ، فيعرفهم نفسه ، ثم يقول : أنا ربكم فاتبعوني ، فيقوم المسلمون ، ويوضع الصراط ، فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب ، وقولهم عليه : سلم سلم ، ويبقى أهل النار ، فيطرح فيها منهم فوج ، ثم يقال : هل امتلأت ؟ فتقول : هل من مزيد ؟ ثم يطرح فيها فوج ، ثم يقال : هل امتلأت ؟ فتقول : هل من مزيد ؟ ثم يطرح فيها فوج ، فيقال : هل امتلأت ؟ فتقول : هل من مزيد ؟ حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها ، وأزوى بعضها إلى بعض ، ثم قال : قط ؟ قالت : قط قط ، فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أتي بالموت ملببا ، فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار ! ثم يقال : يا أهل الجنة ! فيطلعون خائفين ، ثم يقال : يا أهل النار ! فيطلعون مستبشرين ، يرجون الشفاعة ، فيقال لأهل الجنة وأهل النار : هل تعرفون هذا ؟ فيقول هؤلاء وهؤلاء : قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا ، فيضجع فيذبح ذبحا على السور ، ثم يقال : يا أهل الجنة ! خلود لا موت ، ويا أهل النار ! خلود لا موت "
قال شيخ الإسلام في رسالته لأهل البحرين في رؤية الكفار ربهم "
وأبين من هذا كله في أن " الرؤية الأولى " عامة لأهل الموقف : حديث أبي رزين العقيلي - الحديث الطويل - قد رواه جماعة من العلماء وتلقاه أكثر المحدثين بالقبول وقد رواه ابن خزيمة في " كتاب التوحيد " وذكر أنه لم يحتج فيه إلا بالأحاديث الثابتة قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم { فتخرجون من الأصوى ومن مصارعكم فتنظرون إليه وينظر إليكم قال : قلت : يا رسول الله كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض ننظر إليه وينظر إلينا قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ؟ : الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما في ساعة واحدة ويريانكم ولا تضامون في رؤيتهما ولعمر إلهك لهو على أن يراكم وترونه أقدر منهما على أن يرياكم وتروهما . قلت : يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟ قال : تعرضون عليه بادية له صفحاتكم ولا يخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم فلعمر إلهك ما يخطئ وجه واحد منكم قطرة فأما المؤمن فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء ؛ وأما الكافر فتخطمه مثل الحمم الأسود ؛ إلا ثم ينصرف نبيكم صلى الله عليه وسلم فيمر على أثره الصالحون - أو قال - ينصرف على إثره الصالحون ؛ قال : فيسلكون جسرا من النار } وذكر حديث " الصراط " . وقد روى أهل السنن : قطعة من حديث أبي رزين بإسناد جيد { عن أبي رزين قال : قلت : يا رسول الله أكلنا يرى ربه يوم القيامة وما آية ذلك في خلقه ؟ قال : يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر مخليا به ؟ قلت : بلى . قال : فالله أعظم } . فهذا الحديث فيه أن قوله : { تنظرون إليه وينظر إليكم } عموم لجميع الخلق كما دل عليه سياقه . وروى ابن خزيمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : { والله ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر - أو قال - ليلة يقول : ابن آدم ما غرك بي ؟ ابن آدم ما عملت فيما علمت ؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ } ." إنتهى .
يتبع ..
المفضلات