مع هاجر الأم ..
فى صحراء مكة القاحلة .. حيث لا زرع ولا ماء .. ولا أنيس ولا رفيق .. تركها زوجها هى ووليدها.. ثم مضى فى طريق عودته ، وترك لهم تمرًا وماءً .. هنا كانت بداية ظهور بطولة الأمومة ، وأمومة البطولة .. بطولة أخرجت لنا أبو العرب .. أخرجت لنا الابن البار بأبيه صاحب الكلمة المشهورة :- ( افعل ما تؤمر ) .. أخرجت لنا إسماعيل الغلام الحليم .. إسماعيل الذى تدفقت تحت قديمه ماء زمزم ثمرة من ثمرات التوكل وبركة له ولمن جاء بعده ممن سار على نهجه .. إسماعيل الابن البار بوالده فى لحظة تعجز الجبال عن البر ( افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين ) ..
أمومتها تتحرك ..
ونفد الماء والزاد ، والأم لا تجد ما تروى به ظمأ طفلها ، وقد جفّ لبنها فلا تجد ما ترضعه .. فيتلوى الطفل جوعًا وعطشًا .. ماذا تفعل إن صغيرها كاد أن يموت من شدة الجوع .. إن صرخات صغيرها كطعنات خنجر فى جسدها .. فتسرع صاعدة نازلة الصفا والمروة .. لتنظر أحدًا ينقذها هى وطفلها من الهلاك ، أو تجد بعض الطعام أو الشراب .. أى مشاعر تتحرك بداخلك الآن يا هاجر ؟! .. وبعد سبع مرات صعوداً ونزولاً حتى تمكن التعب منها .. وأوشك اليأس أن يسيطر عليها .. هنا يبعث الله عز وجل جبريل عليه السلام فيضرب الأرض بجناحه ؛ لِتَخْرُجَ عينُ ماءٍ بجانب الصغير ، فتهرول الأم نحوها وقلبها ينطلق بحمد الله على نعمته ، وجعلت تغرف من مائها ، وتحاول جاهدة إنقاذ فلذة كبدها، وتقول لعين الماء : زُمّى زُمّي، فسميت هذه العين زمز .. ويقول الحيبب صلى الله عليه وسلم :- ( يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت زمزم عينًا معينًا ) رواه البخاري ..
الأب الغائب والأم العظيمة ..
وكانت :- ( إذن لن يضيعنا الله ) إشارة إلى أن المسؤلية صارت بيد هاجر .. وأن هاجر الأم هى التى ستتحمل المسئولية .. وأن عليها لعب دور الأب والأم على السواء .. كل هذا فى بيئة ليست صالحة للحياة أصلاً .. وما ظهر لنا مشهد أو مشهدين ، مشهد يوم أن نفذ الماء وكان خروج ماء زمزم ، ومشهد يوم أن جاءت القبيلة تطلب الجوار ..
ولكن ماذا خلف الكواليس ؟! كم ليلة قضتها تعانى مع رضيعها ؟! كم احتاجت لمال ولم تجد ؟! .. كم احتاجت لونيس وأنيس ؟! .. تُرى كيف مرت عليها الأيام والليالى ؟!
ألم يقولوا أن رب الأسرة إذا غائب لا يستقيم حال الأسرة ؟! :- .. أليس الأب هو الحامى للأسرة ؟! .. أليست مهمته أن يسد الحاجات المادية والمعنوية ؟! .. لقد قالوا كلام كثيراً عن خطورة الأب عن الأسرة .. ولكنها كانت أقوى من كل هذا لقد ، أخرجت نموذجاً فريداً عجيباً لأم لعبت دور الأب والأم .. لقد قامت بدور ربان السفينة .. ومع هذا أخرجت لنا نموذجاً لإنسان سوى طاعاً لخالقه .. طاعاً لأبيه .. يلعب دوره .. منتجاً .. ليس معوجاً نفسياً ساخطاً على مجتمعه ..
لكم تعبتى يا هاجر فى مهمتك ؟! :- لكم كانت مهمتك شاقة ؟! .. حُق للتاريخ أن يحفظك .. حق لذكراك أن تحفظ لنا فى القرآن والسنة والتاريخ .. حق لك أن تقدمى لنا أعظم الدروس فى الأمومة .. الأمومة وأداء الدور حتى لو كانت الظروف قاسية بل حالكة الظلام .. حُق لك يا هاجر أن تكونى قدوة للأمهات .. قدوة فى التربية .. فى أداء المهمة .. نجحتى وكان عونك هو ربك ..
حافظة للأمانة ..
وحين استأذنت قبائل جرهم هاجر في السكنى في الرحاب التي حول زمزم وكان ذلك قبل بناء سيدنا إبراهيم للكعبة أذنت لهم هاجر .. ونرى فى أذنها أنها تدرك أن الطفل لا بد أن ينشىء فى مجتمع يعايش ويتعايش .. يتعلم حكمة الكبير المجرب ، وعلم العليم ، وحلم الحليم ، وشجاعة الجسور .. كل هذا تعلمه ولكن مع كل هذا تدرك أن لزاماً أن تحافظ على الأمانة التى وضعت بين يديها .. لقد بذلت جهدها فى أن تحافظ على صغيرها من انحراف المنحرفين .. لا شك أن الصغير رأى وسمع ما عليه بعض الشباب من سقطات ولكنها وقفت صلبة قوية أمام كل هذا .. وقفت لتورث ولدها ما ربيت عليه وما هو عليه أبوه .. ورثت الولد البر والطاعة والإخلاص .. ورثته كل هذا فكان نعم المعين له أن يمر بمراحل عمره دونما سقوط وما شابه .. فكانت هاجر حافظة لأمانتها حق الحفظ ..
المفضلات