الثأر وحرمة الدماء وأهميتها في نظر الشريعة الإسلامية
صحيفة 26سبتمبر
عبدالكريم عبدالحميد الخلف
الدوافع والأسباب المؤدية الى قتل العمد
بعد الوقوف على هذا الموضوع، واستقراء آراء الناس حوله تبين ان هنالك دوافع واسباباً تحرك القاتل لأن يرتكب هذه الجريمة الخطيرة وان يسفك الدم المحرم ظلماً وعدواناً، واليكم الدوافع والأسباب بالتفصيل:-
1- دوافع الأخذ بالثأر:
وهذه الدوافع (خطأ) شائع ومتأصل بين القبائل والطوائف، ومن أهم دوافع الأخذ بالثأر- الفخر والاعتزاز بأخذ الثأر، وارتكاب اخطر الجرائم الا وهي القتل عمداً، وهذا خلق جاهلي بعيد عن الحق والصواب والعقل، وبعيد عن منطق ومبادئ الشريعة الاسلامية السمحاء، ومناف للإنسانية والأخلاق.
2- دوافع النصرة العمياء:
والحمية العنصرية والانصياع المطلق والأخذ بالعرف الفاسد المخالف للنصوص الشرعية، وعلى سبيل المثال وصلني من شخص موثوق به بأن هنالك رجلاً يعمل طبيباً في احدى القبائل الموجودة في ربوع اليمن الحبيب، أتجنب ذكر مكانه، وبين قبيلة هذا الطبيب وقبيلة أخرى عداوة وقتل ودم، فهذا الطبيب يعمل في عيادته وينقذ المرضى ويداويهم لكي يستمروا في الحياة، وعندما يأتي دوره في الخروج الى نصب الكمائن لسفك الدماء والأخذ بالثأر دجج نفسه بالسلاح وانقلب من طبيب ينقذ أرواح الناس من الهلاك الى قاتل يسفك دمهم بغير حق.
فسئُل عن ذلك التناقض في أفعاله فقال: عُرف القبيلة ونظامها يقتضي ذلك، وإذا لم أفعل نُفيت من القبيلة واتُهمت بالجبن، وأصبحت في نظرهم خواراً بعد ان كنت كراراً، وربما قُتلت غدراً من قبل قبيلتي.
3- فهم الأمور على عكس معناها:
فمثلاً مفهوم النصرة مغلوط لدى الكثير من الناس، ويعتبرون النصرة واجبة للطائفة والقبيلة بغض النظر عن كونها ظالمة أو مظلومة، ويستشهدون على هذا المفهوم الخاطئ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«انصر أخاك ظالماً اومظلوماً» (15)
فنقول لهؤلاء أن معنى الحديث ليس كما يفسرونه، وأن معناه الصحيح اي كن الى جانب اخيك وانصره اذا كان مظلوماً وأما إذا كان ظالماً فعليك أن تعينه على ترك الظلم والإقلاع عنه ورد الحقوق الى أصحابها هذا هو معنى نصرك لأخيك ان كان ظالماً، أما أن تعينه وتنصره على ظلمه فهذا مخل في شرع الله سبحانه وتعالى.
4- العادات والتقاليد المخالفة لأحكام الشريعة الاسلامية والتي تحكم بها القبيلة والجماعة.
5- ومن الدوافع انتقاء افضل رجل من رجال الطرف الآخر وقتله وترك صاحب الجرم وهذا منافٍ للأصل الشرعي القائل لايؤخذ أحد بجريرة غيره مهما كانت صلة القرابة، وهذا الأصل قرره القرآن الكريم في كثير من آياته كقوله تعالى (ولاتكسب كل نفس الا عليها) (16) وقوله تعالى (ولاتزر وازرة وزر أخرى) (17) وقوله ( وان ليس للإنسان إلا ماسعى) (18)
فمخالفة هذا الأصل الشرعي والقيام بقتل من ليس له ذنب، إلا أنه أعقل وأفضل رجل في القبيلة فهذا ظلم ليس بعده ظلم وجور وسفك دم إنسان بغير ذنب ارتكبه، هذا الفعل وهذا التصرف الجاهلي يؤجج في النفوس الضغينة والعداوة والإقدام على ارتكاب جريمة القتل، والأخذ بالثأر مهما كانت النتائج، ومن يقتل غيره فيكون قد أتى بجريمة من أعظم وأعتى الجرائم وهذا ماجاء في الحديث الشريف المروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« ان أعتى الناس على الله ثلاثة، من قتل في حرم الله أو قتل غير قاتله أو قتل لذحل الجاهلية» (19) والحديث صحيح.
وكلمة أعتى:
الواردة في الحديث اسم تفضيل مشتق من العتو وهو التجبر والتكبر.
وكلمة الذحل: أي الثأر، وطلب المكافأة، بجناية جنيت عليه من قتل وغير ذلك، أما دلالة الحديث فهي على النحو الآتي:-
الحديث دليل على أن هؤلاء الأصناف الثلاثة هم أزيد في العتو على غيرهم من العتاة:
فالأول: القاتل في الحرم الشريف فمعصية قتله تزيد على معصية من قتل في غير الحرم لذلك ذهب بعض الفقهاء الى تغليظ دية من قتل في الحرم خطأ.
والثاني: من قتل غير قاتله أي من كان له دم عند شخص فيقتل رجلاً آخر ليس له عنده دم سواء كان له مشاركة في القتل أو لم يكن له ذلك.
والثالث: أو لذحل الجاهلية والذحل هو كما تقدم الثأر، وهناك حديث آخر يدعم ماجاء في الحديث الأول، وهو مروي عن أبي شُريح الخزاعي انه صلى الله عليه وسلم قال:« أعتى الناس من قتل غير قاتله أو طلب بدم في الجاهلية من أهل الاسلام أو بصر عينه مالم تبصر»(20).
6- ومن دافع القتل العمد تباطؤ القضاء في حل مشاكل القتل التي تُعرض عليه، لأن تأخير البت في قضية القتل تتيح الفرصة للخصم ان يفكر بعملية الانتقام واخذ الثأر بيده لذلك نجد كثيراً من قضايا القتل العالقة في أروقة القضاء، وقد مضى عليها السنة والسنتان بل أكثر من ذلك ولطول المدة تضيع كثير من الحقائق حتى أن الشهود ينسون ماشاهدوه وماسمعوه، وعندها تضيع الحقوق ويشعر صاحب الحق بضياع حقه، فيلجأ الى أخذ حقه بنفسه، وبالتالي يقوم بارتكاب جريمة القتل، ولو ان القضاء لعب دوره بشكل جاد وبدون تأخير لماحدث ماحدث، من قتل وسفك للدم.
7- ومن دافع القتل العمد:
عدم نزاهة القضاء وتحيزه مع الفريق الأقوى ووقوفه مع من يدفع أكثر من المال، وهذا للأسف مانلاحظه في عصرنا، وهذا مجانب للحق ومخالف للشرع والاخلاق، والذي لايستطيع الدفع وبذل الأموال لهؤلاء يقوم بعملية القتل وسفك الدم وأخذ الثأر بيده.
8- ومن الدوافع انعدام التوعية الجادة في هذا المجال.
9- عدم فهم مقاصد الشريعة الاسلامية وبالتالي عدم تطبيق احكامها على الجُناة ولو أن أحكام الشريعة طُبقت، لما وجدت هذه الجرائم بهذا الشكل المزري.
الحل والعلاج لهذه الظاهرة
الحل في نظري محاربة الدوافع المؤدية لارتكاب جرائم القتل والتي تم ذكرها آنفاً، واليكم أهم الجوانب التي تؤدي الى التخفيف من ظاهرة القتل العمد والأخذ بالثأر:
1- الحل الأول: نزاهة القضاء وعدالته، وهذا يتحقق بانتقاء القضاة العدول الذين يحكمون بما أنزل الله حتى يقفوا الى جانب الحق، فاذا ما تم ذلك نكون أمام قضاء نزيه وعادل.
2- الإسراع في فض المنازعات والبت السريع في قضايا القتل المعروضة على المحاكم.
3- تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء بجدية وصرامة وحزم.
4- تجنب العنصرية في حالة القيام بالصلح بين الأطراف المتنازعة، وهنا المقصود دور المشايخ في حل قضايا القتل المعروضة عليهم، وتجنبهم الجشع في ذلك، وان يلتزموا الحق والعدل في احكامهم.
5- التوعية الدينية والإرشاد من قبل المثقفين والمصلحين الاجتماعيين وبث الدعاة بين القبائل والعزل والأرياف، حتى نخلص الى مجتمع فاهم لقيم الانسانية متمثلاً بالأخلاق الفاضلة.
6- تطبيق أحكام الشرع من قصاص وحدود وغير ذلك من العقوبات الشرعية والأخذ بمبادئ الاسلام السامية.
هذا والله ولي الهداية..
استاذ مشارك - جامعة ذمار
المفضلات