2) وسائل الثبات على دين الله:



أولاً: الإقبال على دين الله:


القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى، وهو حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.


نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت.


: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا" (32-33/ الفرقان).


ولذا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيباً كبيراً من طلبهم.





ثانياً: التزام شرع الله والعمل الصالح:


قال الله تعالى: "يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء" (27/إبراهيم).


قال قتادة: أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر.


وكان أحب العمل إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم أدومه وإن قل.


وكان رسول الله يقول: (من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة) سنن الترمذي وقال: الحديث حسن أو صحيح.


وفي الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) رواه البخاري.






ثالثاً: تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل:


والدليل على ذلك قوله تعالى: "وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ" (120/هود).


فمثلاً ثبات سيدنا إبراهيم عند إلقاءه في النار. قال ابن عباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل"


وهكذا قصة السحرة مع فرعون، والمؤمن في سورة يس، ومؤمن آل فرعون وأصحاب الأخدود وغيرها.






رابعاً: الدعاء:


من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم:


(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) (8/آل عمران)، (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا) (250/ البقرة).


ولما كانت (قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) رواه الإمام أحمد ومسلم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) رواه الترمذي.






خامساً: ذكر الله:


وهو من أعظم أسباب التثبيت


- تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ" (45/الأنفال). فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد.


بماذا استعان يوسف عليه السلام في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها ؟ ألم يدخل في حصن " معاذ الله " فتكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه ؟ وكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين.






سادساً: الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً:


والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل..


فأهل البدع يتنقلون في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والاعتزال إلى التحريف والتأويل إلى التفويض والإرجاء، ومن طريقة في التصوف إلى أخرى..


ومصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال هرقل لأبي سفيان: " فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ " قال أبو سفيان: لا. ثم قال هرقل: " وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب " رواه البخاري.






سابعاً: التربية:


التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات.


- التربية الإيمانية: التي تحيي القلب والضمير بالخوف والرجاء والمحبة، المنافية للجفاف الناتج من البعد عن نصوص القرآن والسنة، والعكوف على أقاويل الرجال.


- التربية العلمية: القائمة على الدليل الصحيح المنافية للتقليد والأمعية الذميمة.


- التربية الواعية: التي لا تعرف سبيل المجرمين وتدرس خطط أعداء الإسلام وتحيط بالواقع علماً وبالأحداث فهماً وتقويماً، المنافية للانغلاق والتقوقع على البيئات الصغيرة المحدودة.


- التربية المتدرجة: التي تسير بالمسلم شيئاً فشيئاً، ترتقي به في مدارج كماله بتخطيط موزون، والمنافية للارتجال والتسرع والقفزات المحطمة.


وهذا هو مصدر ثبات صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، إبان فترة الاضطهاد.







يتبع إن شاء الله...