مواقفه الحربية


في سنة ست وثمانين من الهجرة غزا مسلمة أرض الروم، وفي سبع وثمانين غزا الروم فأثخن فيهم بناحية "المصيصة"؛ حيث إنها مدينة على شاطئ نهر جيجان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم، وفتح حصونًا كثيرة؛ منها حصن "بولق والأخرم وبولس وقمقيم".
وفي سنة ثمان وثمانين من الهجرة غزا وأخوه بلاد الروم، فهزم الله الروم حتى دخلوا "طوانة"، وفتح مسلمة أيضًا حرثومة، وفي تسع وثمانين غزا مسلمة والعباس بن الوليد بن عبد الملك الروم، فافتتح حصن "عمورية"، ولقي من الروم جمعًا فهزمهم وافتتح "هرقلة وقمونية".

وغزا مسلمة الترك حتى بلغ مدينة باب الأبواب، وهي ميناء كبير على بحر الخزر ومدينة كبيرة محصنة، من ناحية أذربيجان.

وفي سنة اثنتين وتسعين من الهجرة غزا مسلمة أرض الروم ففتح حصونًا ثلاثة وأجلى أهل "سوسنة" إلى بلاد الروم، وفي سنة أربع وتسعين من الهجرة غزا مسلمة أرض الروم فافتتح سندرة، وهي حصن من حصون الروم التي أقامها البيزنطيون للدفاع عن عاصمتهم "القسطنطينية"، والقسطنطينية مدينة معروفة، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، بناها قسطنطين سنة 330م، وهي مسوَّرة بسور حصين، ارتفاعه ما بين أربعة عشر قدمًا وعشرين، ومحيطها أكثر من اثني عشر ميلاً من الجنوب، ومن هذا الغزو عاد مسلمة إلى الديار المقدسة فحج بالناس في هذه السنة.

وفي سنة سبع وتسعين من الهجرة غزا مسلمة أرض "الوضاحية"، وفيها غزا "برجمة" وحصن "ابن عوف" وافتتح حصني "الحديد وسرورا".

في سنة ثمان وتسعين هجرية ولَّى سليمان أخاه مسلمة قائدًا عامًا للقوات الغازية القسطنطينية، فسار على رأس جيشه المؤلف في البحر، وكانت مدينة "دابق" هي القاعدة المتقدمة لحشد جيش مسلمة، وسلك طريق "مرعش" فافتتح مدينة "الصقالية"، وسار مسلمة إلى القسطنطينية حتى نزل "عمورية"، وأحسن مسلمة في قيادته فبقي محاصرًا للقسطنطينية ثلاثين شهرًا، وقد قيل إنه ضاقت بهم الحال وقلت المؤن حتى أكل عسكره الميتة والعظم، فما وهن ولا توانى ولا ضعف عن النهوض بواجبه.

ويُذكر في إحدى معاركه أن مسلمة كان يحاصر ذات يوم حصنًا واستعصى فتح الحصن على الجنود فوقف مسلمة يخطب بينهم ويقول: "أما فيكم من أحد يقدم فيحدث لنا نقبًا في هذا الحصن؟!" وبعد قليل تقدَّم جندي ملثَّم وألقى بنفسه على الحصن واحتمل ما احتمل من أخطار وآلام حتى أحدث في الحصن نقبًا كان سببًا في فتح المسلمين له، وعقب ذلك نادى مسلمة جنوده قائلاً: "أين صاحب النقب؟" فلم يجبه أحد، فقال مسلمة: "عزمت على صاحب النقب أن يأتيَ للقائي وقد أمرت الآذان بإدخاله عليَّ ساعة مجيئه"، وبعد حين أقبل نحو الآذان شخص ملثم وقال له: "استأذن لي على الأمير"، فقال: "أأنت صاحب النقب؟" فقال: "أنا أدلكم عليه"، فدخل فقال للقائد: إن صاحب النقب يشترط عليك أمورًا ثلاثة: ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تأمروا له بشيء جزاء ما صنع، وألا تسألوه من هو، فقال مسلمة: له ذلك، أين هو؟ فأجاب الجندي في تواضع واستحياء: "أنا صاحب النقب أيها الأمير" ثم سارع بالخروج، فكان مسلمة بعد ذلك لا يصلي صلاةً إلا قال في دعائها: "اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة".

وفاته


مات مسلمة عن عمرٍ تناهز الرابعة والخمسين، توفِّي في يوم الأربعاء لسبعٍ مضَين من المحرم سنة إحدى وعشرين ومائة هجرية، 738م، وكانت وفاته بالشام، ودفن بموضع يقال له "الحانوت".


عبده مصطفى دسوقي