الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المسلمون:
في مثل هذا الشهر، طورد داعية أول، أخٌ له عليه الصلاة والسلام، نهجهُ نهجه، ومسيرته مسيرته، ودعوته دعوته، إنه موسى عليه السلام:
وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً
[الفرقان:31].
لا يبعث نبي، إلا وقد هيأ الله طاغية هناك يتربص به، ولا يحمل رائد من رواد الدعوة مبدأ، إلا ويتهيأ له ظالم يرصده، سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض
، في هذا الشهر خرج موسى مطروداً من مصر، يطارده فرعون المجرم؛ بستمائة ألف مقاتل:
فاستخف قومه فأطاعوه
[الزخرف:54].
قطيع الضأن، الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز، ولا تفهم إلا الأكل، ولا تفهم إلا ثقافة القِدْر والجيب والبطن، تصفق للطاغية، وتحثوا على رأس الداعية، الشعوب المهلهلة، المهترية، المتهالكة من داخل، طاردت موسى، يريدون قتله؛ لأنه يريد أن يحررهم، ويقولون: لا، يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويقولون: لا، يريد أن يرفع رؤوسهم، ويقولون: لا، اصطدم بالبحر، الجيش وراءه والموت والبحر أمامه، إلى أين يا رب؟ إلى الله. التفت موسى ودعا، والله قريبوإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا
[البقرة:186]. بنو إسرائيل ولولوا، الخونة خافوا، الجبناء ارتعدوا، انهارت حوله الكتائب، يا موسى:
إنا لمدركون
[الشعراء:61]. يتبسم موسى؛ كما تبسم محمد
في الغار
كلا إن معي ربي سيهدين
[الشعراء:62].
قالوا له كما ذكر بعض أهل السير: أين يهديك وفرعون خلفك، والبحر أمامك؟! هذه ورطة لا حل لها، هذا مضيق لا مخرج منه في عرف البشر، قال:كلا إن معي ربي سيهدين
ويتلقى الأمر في الحال، لا تتأخر
اضرب بعصاك البحر
، بسم الله، ضرب البحر، انفجر البحر، انفلق، ظهر لهم طريق، مشى موسى، ومشى بنو إسرائيل، وأتى المجرم يريد أن يجرب آخر جولة له في عالم الضياع، وفي مصارع الطغاة، والطغاة لهم مصارع؛ إما أن تلعنهم القلوب، وهم يسيرون على الأرض، وهذا مصرع، وإما أن يّشدخون كما شدخ هذا، وهذا مصرع، إما أن يدّخر الله لهم ناراً، وهذا مصرع.
ووصل فرعون وجنوده، ونجي موسى، وقال الله للبحر اجتمع فاجتمع، وكانت نهاية المجرم، دخل الطين في فمه، فلما أصبح في وقت ضائع قال:
آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين
[يونس:90]. فيقول الله:
آلآن
[يونس:91].
في هذه اللحظة أيها المجرم الخسيس!! بعد أن فعلت من الأفاعيل ما تشيب له الرؤوس، لا، ونجى الله موسى.
والحدث أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشارك أخاه في فرحة الفلاح والانتصار، ويشارك زميله في هذا اليوم الأغر، يوم عاشوراء، ولذلك تضامن معه، وتكاتف هو وإياه.
وجد بني إسرائيل، اليهود الخونة الجبناء، في خيبر والمدينة، يصومون عاشوراء، قال: ((ما هذا اليوم قالوا يوم نجى الله فيه موسى قال: نحن أولى بموسى منكم))[1]. موسى قريبنا، موسى حبيبنا، نحن حملة منهج موسى، لا أنتم يا خونة العالم، ويا حثالة التاريخ، ويا أبناء القردة والخنازير، فصامه وقال عليه الصلاة والسلام عن هذا اليوم، كما في صحيح مسلم: ((إني أرجو من الله أن يكفر السنة الماضية))[2].
ومن السنة أن تصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده؛ اليوم التاسع والعاشر من هذا الشهر، أو اليوم العاشر والحادي عشر من هذا الشهر، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر))[3]، فشكر الله لموسى دعوته ومنهجه وبذله وتضحيته، وشكر الله لمحمد عليه الصلاة والسلام، بذله وشجاعته وتضحيته من أجل هذه الأمة، وشكر الله لكل من سار على منهجه عليه الصلاة والسلام
وضحى من أجل مبادئه، وبذل من أجل دعوته، وساهم في رفع رسالته.
أسأل الله أن يجمعنا بمحمد عليه الصلاة والسلام، وبإبراهيم وبموسى وعيسى، وبالأخيار الطيبين، وبالشهداء الصالحين
وبالأبرار الصديقين، وبالشجعان الباذلين، في مقعد صدق عند رب العالمين.
أيها الناس:
صلوا على الداعية المطارد، والمهاجر الأول، والرسول الأعظم، والهمام الإمام، عليه أفضل الصلاة والسلام،؛ ما ترقرق الغمام، وما جنح الظلام، وما أفشي السلام، وما كان في قلوبنا وفي أذهاننا إمام،
، ما فاحت الأزهار، وما تمايلت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما كور النهار في الليل والليل في النهار،
، ما تألقت عين لنظر، وما تحرقت أذن لخبر، وما هتف ورقٌ على شجر، وعلى آله وصحبه.
اللهم انصر دينك، ومنهجك، اللهم اجعله عاماً مباركاً، عاماً ينتصر فيه الدين، وترتفع فيه إياك نعبد وإياك نستعين.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال:إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً
[الأحزاب:56].
ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشراً))[1].
اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
[1] أخرجه مسلم (1/288) رقم (384).
[1] أخرجه البخاري (2/251).
[2] أخرجه مسلم (2/819) رقم (1162).
[3] أخرجه مسلم (2/798) رقم (1134).
المصدر . المملكة العربية السعودية
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
المفضلات