من لا يرحم الناس لا يرحمه الله
د. محمد هشام راغب

علاقات كثيرة في المجتمع تفتقد إلى الرحمة بين أطرافها مما يوجد مناخا ملؤه التوتر والشحناء والريبة بين فئات المجتمع ويكون سببا مباشرا لرفع رحمة الله.
وهذا لا يخص فئة أو طبقة معينة من الشعب ، ولكنه سلوك يصيب بعض الناس من كل الفئات والطبقات.

إن الفلاح أو صاحب المزرعة الذي يعلم أن محصوله فيه السم الناقع من الهرمونات أو الكيماويات الضارة ، والذي يتأفف هو نفسه أن يأكل منها ، ثم لا يبالي أن يأكلها غيره من الناس منخدعين بشكل الفاكهة المتضخم اللامع (كأنها بلاستيك). هذا ظالم للناس ، وقد نُزعت الرحمة من قلبه وعليه أن ينتظر من الله تعالى في هذه الدنيا عقابا عاجلا قبل عقاب الآخرة. ومثله أصحاب مزارع الدواجن وتربية العجول ، على كل منهم أن يتصور أن من سيأكل من هذه الدواجن واللحوم هم أبناؤهم أو إخوتهم ليسألوا أنفسهم: هل يرضون لهم هذه الأغذية؟.

ومثلهم أيضا الحرفيون الذين يباشرون صيانة وإصلاح الأجهزة والمعدات المختلفة، في أعناقهم أمانة أن يرحموا زبائنهم وأن يتقنوا أعمالهم وألا يستغلوا غفلة الناس وجهلهم بصنعتهم ، إن كثيرا من الحرفيين ينظرون إلى زبائنهم نظر الصياد إلى فريسته بلا رحمة أو شفقة. وأسوأ منهم بعض الأطباء الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، يتعاملون مع مرضاهم بشطارة التجار ومهارة مندوبي التسويق والمبيعات وربما تعمدوا أن يطلبوا منهم تحاليل وأشعة بلا أدنى ضرورة ، بل ربما أجروا لهم عمليات جراحية (تجارية) بلا ضرورة مستغلين غفلة مرضاهم وقلة حيلتهم. وهؤلاء أيضا عليهم أن يتوقعوا قارعة من الله تصيبهم في حبيب لهم وربما على يد طبيب مثلهم ، فالجزاء من جنس العمل.

وصور غياب الرحمة تتنوع بتنوع الناس ، وتشمل المدرس الخصوصي الذي لا يرحم وتشمل المسئول الحكومي الذي لا يبالي والإعلامي الذي لا يستشعر مسئولية الكلمة فيسعى في الأرض ليفسد فيها، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم وقال إن الزمن قد تغير وأخذ يتفلسف ويجادل بالباطل … وغيرهم كثير.

إن المجتمع إذا غابت الرحمة بين أبنائه ، فإنه يخشى عليه من عقاب الله العاجل. في صحيح مسلم من رواية جرير بن عبد الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من لا يَرحم الناسَ لا يرحمه الله عز وجل”. فحذاري أن تقع تحت طائلة هذا الوعيد المخيف. وفي الحقيقة، قد نكون واقعين تحته ونحن لا نشعر. قد نكون ظالمين لغيرنا من الناس ونحن لا نشعر. علينا أن ننتبه لمعاملاتنا مع القريب والبعيد ، ونعرضها على ديننا لننظر هل ترضي الله أم تُسخِطه علينا.

وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار ابنته زينب رضي الله عنها وابنها يُحتضر ، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع (أي تتحرك وتضطرب) ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله ما هذا فقال “هذه رحمة جعلها الله تعلى في قلوب عباده”، وفي رواية “في قلوب من شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء”. فهذه قاعدة عامة أن رحمة الله تعالى محصورة فقط على من يرحم غيره من الناس. فيا من تريد رحمة الله أن تشملك ، سارع أولا إلى رحمة الناس من حولك ، راقب تصرفاتك معهم وبخاصة في مجال عملك أيا كان هذا العمل ، فستجد من خلاله أبوابا للرحمة تتعامل بها مع خلق الله. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.