وقال الشوكاني ما لفظه { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } هذا من النظر إليه هكذا قال جمهور أهل العلم والمراد به ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون إلى ربهم كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر (1) )) .
قال أبو الفداء ابن كثير : (( وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام وهداة الأنام (2) )) .
وقال ابن بطال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله تعالى في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة ، وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثاً وحالاً في مكان وأولوا قوله ناضرة بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى - إلى أن قال - وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم لايوجب حدوثه فكذلك المرئي (3) )) .
ولابن القيم كلام حسن عند الاستدلال بهذه الآية على إثبات الرؤية وهذا نصه (( وأنت إذا أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا بأن الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان أسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القرآن والسنة كذلك ولايشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص وهذا الذي أفسد الدين والدنيا (4) ))
ومن خلال ما أوردناه يظهر أن المفسرين مطبقون على أن هذه الآية الكريمة صريحة في أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر وهذه النصوص المنقولة عن أئمة التفسير تؤكد لنا أن المخالف في هذه المسألة خارج عن ميدان الحق لم يحالفه التوفيق في فهم الآية على وجهها وبحسب تركيبها البين ، وسوف تعرف ما ترزح فيه أدلة المخالف من وهن عند مناقشتها وقد أشار بعض العلماء إلى مسألتنا هذه في أبيات فقال :
وقد يتجلى الله للخلق جهرة
كما البدر لايخفى وربك أوضح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا
بمصداق ما قلنا حديث مصرح
رواه جرير عن مقال محمد
فقل مثل ما قدقال في ذاك تنجح
قلت إن قوله رواه جرير الخ يعني به ما أخرجه البخاري في صحيحه وغيره من طريق قيس عن جرير بن عبد الله قال : (( كنا جلوسا عند النبي salla إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال : (( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل الغروب فافعلوا (5) )) وفي رواية (( إنكم سترون ربكم عيانا )) .
فنسأل الله النعيم والنظر
لربنا من غير ما شين غبر
فإنه ينظر بالأبصار
كما أتى في النص والأخبار
لأنه سبحانه لم يحجب
إلا عن الكفار والمكذب(6) .
يتبع ....
______________
1_ الشوكاني : فتح القدير 5 / 338 .
2_ تفسير ابن كثير : 4 / 450 .
3_ فتح الباري لابن حجر 13 / 426 .
4_ ابن القيم : حادي الأرواح / 304 .
5_ صحيح البخاري 8 / 179 .
6_ الأبيات للسفاريني كما في الكواشف الجلية / 492
المفضلات