إن الشراح البروتستانت -وإليهم تنتمي المدرسة الأصولية - يفسرون بابل بأنها الكنيسة الكاثوليكية في آخر الزمان - أي منذ بضعة قرون إلى نـزول المسيح-، ويؤولون صفات بابل الجديدة الواردة آنفاً بأنها مدينة روما ، ويتنبأون بهلاكها.

والحقيقة أن هذا الوصف لا ينطبق على مدينة ضالة في تدينها؛ بل هو على إمبراطورية ضالة في غطرستها وتحديها لخالقها ومحاربتها للمؤمنين اعتداداً بقوتها وهيمنتها، ولذلك فمن السهل علينا إثبات خطأ "بيتـز " في شرح سفر الرؤيا ، وذلك بذكر الصفات التي ذكرها هو نقلاً عن السفر:

أ- 'الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض وسكر كل سكان الأرض من خمر زناها'.

ب- 'لمياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي: شعوب وجموع وأمم وألسنة'.

ج- بعد تدميرها 'يبكي تجار الأرض وينوحون عليها؛ لأن بضائعهم لا يشتريها أحد فيما بعد، بضائع من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز والأرجوان والحرير والقرمز..والعاج والخشب والنحاس والحديد والقرفة والبخور والطيب والخرد والزيت والحنطة والبهائم غنماً وخيلاً ومركبات... كل هذه البضائع تجارها سيقفون من بعيد من أجل خوف عذابها، يبكون وينوحون، ويقولون: ويل! ويل! خربت في ساعة واحدة'.

إنها دولة الرفاهية والتجارة العالمية والشركات العملاقة.. إنها الدولة التي إذا نزلت بها كارثة كسد الاقتصاد العالمي، فأين روما من هذا؟

ثم يقول السفر: 'رفع ملاك واحد قوي حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً: هكذا بدفْعٍ سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد'.

ويقول: 'لأن تجارك كانوا عظماء الأرض إذ بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم أتباع أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض'.

وحينئذٍ كما يقول السفر: تهلل الشعوب ويهلل من في السماء قائلين: 'المجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها'.

إذًا ليست روما، ولكنها أمريكا ، وإلا فليشطب الأصوليون هذه النبوءات ويستريحوا ويريحوا، وعقوبتها في الأسفار:

وهي إما ربانية :

"رياح " - كما سبق - أو إعصار.

'كيف صارت بابل دهشاً بين الشعوب؟

طلع البحر على بابل فغمرها بهدير أمواجه، وصارت مدنها دماراً. أرضاً قاحلة مقفرة...'.

وفي دانيال ومتّى "زلازل وأوبئة" على الأرض، ولـبابل -بلا ريب- النصيب الأوفر منها!!

وإما بشرية يرسلها الله

: 'أيتها القائمة على المياه الغزيرة الكثيرة الكنوز، قد حان أجلكِ، بنفسه أقسم رب القوات: أملأك رجالاً كالجنادب فيصيحون عليك بهتاف الانتصار! هو الذي صنع الأرض بقوته وثبّت الدنيا بحكمته'.

هكذا تقول النبوءات الكتابية.

فما هتاف الانتصار الذي ينشده جند الله بعد تدمير رجسة الخراب يقيناً أو بعد تدمير أمريكا غالباً.
إنه هتاف عجيب يورده أشعياء:

'استيقظي استيقظي
البسي عزك يا فلسطين -في الأصل صهيون-
البسي ثياب فخرك يا أورشليم
يا مدينة القدس
فإنه لا يعود يدخلك أقلف ولا نجس
انفضي الغبار عنك
قومي اجلسي يا أورشليم
حُلَّت قيود عنقك
أيتها الأسيرة'.

فهل أمة ليسوا قلفاً ولا أنجاساً سوى أمة الإسلام؟

ثم تذكر النبوءة كيف يمتن الله على عباده المؤمنين الذين يفرحون بنصره قائلاً: 'لأني حينئذٍ أجعل للأميين (في الأصل الشعوب) شفة نقية (لا شفة نجسة كشفة إسرائيل) ليدعوا جميعاً باسم الرب وليعبدوه كتفاً على كتف'.

يعلم الناس عامة وأهل الكتاب خاصة أنه ما من أمة تعبد الله كتفاً على كتف كالبنيان المرصوص إلا أمة الإسلام. وهم أطهر الناس شفة، وحسب شفاههم طهارة أنها لا تسب الله، فتقول: إن لـه ابناً، أو إنه يجهل وينسى ويندم -تعالى الله عما يقول المشركون علواً كبيراً- .


أ هـ بتصرف من كتاب (يوم الغضب) للعلامة سفر الحوالي.



وفي النهاية:

اللهم اجعلنا من جندك المخلصين واجعلنا من الفاتحين وأرنا يوماً في يهود وارزقنا صلاة بالمسجد الأقصى قبل الممات يا رب العالمين