أسمحي لي أختي الفاضلة أن أتحدث عن أطفال عظماء نشأوا بدون رعاية الأب وكان لهم شأن عظيم فهم إما تربوا بعيدا عن أسرتهم أو في كنف والدتهم فقط ولنا فيهم أسوة حسنة
أطفال كان لهم دور في حمل رسالة الى الأمم
وفي تربية أجيال وفي صنع تاريخ


سيدنا إسماعيل عليه السلام:
(غاب عنه أبوه 15 سنة)، وكلنا يعلم أنَّ سيدنا إبراهيم ظل يتوق للولد ويدعو ربه ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ﴾ (الصافات: 100)، ولم يرزق الولد إلا عندما بلغ من العمر 86 عامًا، وعندها أتاه أمر الله تعالى أن يذهب بزوجته (أمنا هاجر) وابنه (سيدنا إسماعيل) ليس إلى السجن، بل إلى مكانٍ أفظع منه؛ فالسجن به وسائل إعاشة، أُمر أن يذهب بهم إلى صحراء جرداء، لا بشر فيها ولا زرع ولا ماء، ولا مصدر من مصادر الحياة.

واجتهد سيدنا إبراهيم أن يأخذ بالأسباب: فأخذ لهم سقاءً به ماء، ووكاءً به تمر، وبعد فترة نفذ ذلك الزاد، وعطشت الأم وجفَّ لبنها، وتشحط الطفل الرضيع حديث الولادة وأشرف على الموت، وذهبت الأم تبحث في الصحراء، وتجري بين جبلي الصفا والمروة سبعة أشواط؛ ترمز إلى رعاية الطفولة، فلم تجد شيئًا، ثم عادت لتجد الخير يتفجر من تحت قدمي الرضيع، ليس خيرًا يكفيها وابنها فقط، بل خيرًا يغمر البشرية كلها إلى يوم القيامة.

وظلت تربيه وحدها حتى بلغ عمره 15 عامًا حينما عاد سيدنا إبراهيم من رحلة الدعوة إلى الله عز وجل ليؤمر بذبحه، فيمتثل سيدنا إسماعيل، وتمتثل الأم العظيمة التي ربت ابنها وحدها وتعبت عليه طوال السنين، ويأتي بعد ذلك الفداء بذبحٍ عظيم؛ ليبين لنا قيمة الأسرة العظيمة التي هي عنوان للرضا والتسليم بأمر الله تعالى.


سيدنا يوسف عليه السلام:
(غاب عنه أبوه 40 سنة) ألقى به إخوته في البئر، ثم خرج ليتربى في قصرٍ من خير قصور الدنيا، ثم دخل السجن ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ (يوسف: 42)، ثم خرج بعده قائدًا لمصر والمنطقة كلها، ثم يلقى أباه بعد 40 سنة من الغياب معززًا مكرمًا بفضل رعاية الله تعالى لأبناء الصالحين، وهو يذكر نعمة الله تعالى ونعمة الإفراج عليه من السجن: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (يوسف: 100).


سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-:
(عاش طوال حياته بدون الأب)، الذي مات وهو جنين في بطن أمه، فكان أعظم العظماء، وأكرم خلق الله، وقائد البشرية كلها نحو الخير والهدى والصلاح حتى تقوم الساعة، وذلك بفضل رعاية الله تعالى عنايته رغم أنه لم ينعم برعاية الأب قط.