حدِّثنا عن الجنة؛ ما بناؤها؟ حدثنا عن الجنة؛ ما بناؤها؟


بهذه الكلمات يسأل الصحابة - رضى الله عنهم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأتيهم الجواب: ((هي لَبِنَةٌ ذهب، ولَبِنَةٌ فضة، ومِلاطُها المسك الأَذْفَر))؛ والملاط: هو الطين الذي يُطلى به الحائط.


ومن مساكن أهل الجنة: قصورٌ فارهة، مرتفعه شامخة، لا مثيل لها ولا نظير؛ رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة قصرًا من ذهب؛ فقال: ((لمَنْ هذا القصر؟))، قالوا: لشابٍّ من قريش؛ فظنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه هو الشاب، فسأل عن صاحبه؛ فقالوا: لعمر بن الخطاب.فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بذلك، وقال له: ((لولا غيرتك يا عمر؛ لدخلتُ القصرَ))؛ فبكى عمر - رضى الله عنه وأرضاه.


ومن مساكن الجنة أيضًا: غرفٌ شفافة، يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، وغرفٌ أخرى فوقها غرفٌ، لا ضجيج حولها ولا صَخَب، وإنما هو صوت المياه العذبة تتدفق في الأنهار، : {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر: 20].
غرفٌ فيها الأمن والطمأنينة: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37]، ومع الأمن والأمان تتوافد إليهم التهاني: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} [الفرقان: 75].


ومن عجيب مساكن أهل الجنة: الخيام الحسان، لا تَسَل عن جمالها واتساعها وتلألئها، يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بهاءها وعظمتها فيقول: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا)).
هذه الخيام فيهن الحور الحسان: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]، {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 23]، لا يخرجن من الخيام، ولا يمدّن أعينهن لغير أزواجهن.


هذه المساكن فيها الفُرُش الوثيرة، بلغت الغاية في الرقة والنعومه: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54]، هذه المساكن فيها البساط الناعم الأملس - وهو العبقري - وصف الله جماله وحسنه فقال: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76].


وفي هذه المساكن أيضًا: الوسائد المتألق حسنها، : {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} [الغاشية: 15]، هذه المساكن فيها الأواني المرصعة بالذهب: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف: 71]، وأواني أخرى لها بياض الفصة، وصفاء الزجاج: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ} [الإنسان: 15]، هذه المساكن فيها الخدم والغلمان، في غاية النضارة والبهاء: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة: 17]، {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} [الإنسان: 19].


هذه المساكن لا يتغوَّط أهلها ولا يتبوَّلون، ولا يمتخَّطون ولا يبزقون، أمشاطهم الذهب، ورَشْحُهم المِسْك، ومجامرهم الألوة، خَلْقهم على خَلْق رجلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعًا في السماء، أعمارهم في الثلاثين، عليهم التيجان، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، يُلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمون النَّفَس.


تلك - عباد الله - مساكن أهل السعادة الأبدية، وشيء من أخبارها ووصفها مما جاء في القرآن، وصحَّ عن سيِّد وَلَد عدنان.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُون} [سبأ: 37].


بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بهدى سيد المرسلين، وأستغفر الله العظيم.

اللهم إرزقنا الجنه وما قرب إليها من قول أو عمل , ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ...