بل كانوا رضى الله عنهم يتسابقون الى حفظ الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتمون به
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة ، وكنّا نتناوب النزول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك)
بل كانوا يسافرون الامصار طلبا للحديث وعناية به وسنده
وعن عطاء : أن أبا أيوب رحل إلى عقبة بن عامر فلما قدم مصر ، أخبروا عقبة فخرج إليه ، قال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من ستر مؤمناً على خزية ستر الله عليه يوم القيامة) ، قال : فأتى أيوب راحلته فركبها ، وانصرف إلى المدينة ، وما حلّ رحله
بل هاهو ابو هريرة رضى الله عنه كان يسمع من رسول الله فاحيانا ينسى فاحزنه الامر فشكا الى رسول الله ما كانت شكواه الا حرصا على حفظ سنة النبى صلى الله عليه وسلم
فيقول عن نفسه  : يا رسول الله إني أسمع منك حديثا كثيراً أنساه قال: (ابسط رداءك) فبسطته، قال: فَغَرَف بيده ثم قال: (ضُمَّه) فضممته، فما نسيت شيئا بعده.[رواه البخاري في العلم برقم(119)].
وعلى نفس السبيل ونفس الطريق سار علماؤنا رحمهم الله وعنايتهم بالسنة وعنايتهم بحفظها والاهتمام بالا يروا الا عن ثقة والاهتمام بتبيين حال الرواة والاهتمام بتتبع الوضاعين وبيان مروياتهم
بل كانت همتهم تسموا بها فلربما سافر احدهم الايام والشهور طلبا لعلو اسناد او حديث سمع به واراد التحقق من ثبوته
وعن عامر الشعبي قال: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبله من عمره رأيت أن سفره لا يضيع الرحلة في طلب الحديث، للخطيب البغداديص80
وعن أبي العالية قال: كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة بالبصرة، فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم الرحلة في طلب الحديث، للخطيب البغدادي 21/93.
وعن جعفر الطيالسي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أربعة لا تؤنس منهم رشداً: حارس الدرب، ومنادي القاضي، وابن المحدث، ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث الرحلة في طلب الحديث، رقم: 14/89.
واقام ابو قلابه فى المدينة ثلاثة ايام ماله حاجة الا رجل كان يروى حديثا كانوا يتوقعون قدومه فاقام حتى قدم وسأله عن الحديث
وقال بسر بن عبد الله الحضرمى كما جاء فى الرحلة فى طلب الحديث
ان كنت لاركب الى مصر من الامصار فى الحديث الواحد لاسمعه
وحدث الشعبى رحمه الله رجلا بحديث ثم قال له
اعطيناكها بغير شىء قد يركب فيما دونها المدينة
كما فى الكفاية للخطيب البغدادى
وعن ابى العالية الرياحى قال كنا نسمع الرواية بالبصرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نرض حتى ركبنا الى المدينة فسمعناها من افواههم
كما جاء فى الكفاية للخطيب البغدادى

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه المتوفى سنة أربع ومائتين: ((مثل الذي يطلب العلم بلا إسناد مثل حاطب ليل ، لعل فيها أفعى تلدغه ، وهو لا يدري)
قال أيوب السختياني : ((كانوا يحجون للقي))
هذه كانت همتهم وغاية حياتهم جمع اقوال الرسول صلى الله عليه وسلم من افواه الثقات فافنوا فيها حياتهم للحفاظ على سنة النبى صلى الله عليه وسلم ليأتى هذا الاحمق الجاهل ليقول لما لم يحفظ الله سنة نبيه والذى لم يحظى كتابه بعشر مالقيته السنة من عناية والذى لا يعرف من كتبه ثم يدعى بعصمته ويأتى ليقول ان الله لم يحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
قال ابراهيم بن ادهم ان الله يدفع البلاء عن هذه الامة برحلة اهل الحديث
بل كانوا لا يحدثون الا من عرفوا فيه الفطانة والحفظ والامثلة على هذا كثيرة
قال عثمان بن سعيد الدارمي السمار : كنا عند سعيد بن أبي مريم بمصر ، فأتاه رجل فسأله كتاباً ينظر فيه ، أو سأله أن يحدثه بأحاديث فامتنع عليه ، وسأله رجل آخر في ذلك فأجابه ، فقال: فقال له الأول: سألتك فلم تجبني ، وسألك هذا فأجبته ، وليس هذا حق العلم! أو نحوه من الكلام .
قال: فقال ابن أبي مريم: إن كنت تعرف الشيباني من السيباني ، وأبا جمرة من أبي حمزة ، وكلاهما عن ابن عباس ، حدثناك وخصصناك كما خصصنا هذا
( المحدث الفاصل: ص 274، وسير أعلام النبلاء:10 / 329 .)
كما أنهم كانوا لا يحدثون إلا من كان راغباً في سماع الحديث وتحمله ، إلى جانب ما تقدم من بعض الأمور التي ينبغي لطالب الحديث أن يتصف بها ، قال الإمام مسروق بن الأجدع المتوفى سنة اثنتين وستين: ((لا تنشر بزك إلا عندما يبغيه
قال الإمام أحمد : يعني الحديث
قال أبو قلابة المتوفى سنة أربع ومائة: (( لا تحدث بالحديث من لا يعرفه ، يضره ، ولا ينفعه)
قال الإمام ابن شهاب الزهري الفقيه الحافظ المتوفى سنة خمس وعشرين ومائة: إن للحديث آفة ونكدا وهجنة ، فآفته نسيانه ، ونكده الكذب ، وهجنته نشره عند غير أهله) المحدث الفاصل. وانظر لسان العرب: 13 / 434 مادة: هجن
بل كان احدهم ان لم يحفظ الحديث طلب شيخه ان يعيده عليه
قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة: (( لقيت ابن شهاب يوما في موضع الجنائز ، وهو على بغلة له ، فسألته عن حديث فيه طول ، فحدثني به . قال: فأخذت بلجام بغلته ، فلم أحفظه ، قلت: يا أبا بكر ، أعده علي ، فأبى . فقلت: أما كنت تحب أن يعاد عليك الحديث ، فأعاده علي )). العلل ومعرفة الرجال 1 / 261
من الأساليب التي كانوا يتبعونها للحفاظ على السنة النبوية أنهم كانوا إذا حدثوا أحداً حدثوا بالعدد القليل من أجل أن يكون التلميذ أقدر على حفظ الحديث بحروفه؛ لأن العدد القليل ، كما هو معروف ، يسهل على الإنسان حفظه ، كما أن المحدث عندما يحدث بالقليل يكون التلميذ في شوق إلى المزيد .
قال شعبة : ((كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين ، فيحدثني ، ثم يقول: أزيدك؟ فأقول: لا! حتى أحفظهما وأتقنهما(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1 / 232)
وقال أبو بكر بن عياش : ((كان الأعمش إذا حدث بثلاثة أحاديث قال: قد جاءكم السيل . قال أبو بكر : وأنا اليوم مثل الأعمش(المحدث الفاصل: ص 583)
ولذا قال الزهرى رحمه الله
قال الإمام الزهري :
((من طلب العلم جملة ، فاته جملة ، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان
لجامع- لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1 / 232
بل من عنايتهم رحمهم الله انه كان اذا شك احدهم فى الحديث طرحه ولم يحدث به
عبد الرحمن بن مهدي أبو سعيد البصري المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة .
قال رحمه الله: ((وجدت في كتبي بخط يدي عن شعبة ما لم أعرفه وطرحته))
وقال الإمام يحيى بن معين المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين:
((من لم يكن سمحا في الحديث كان كذاباً . قيل له: وكيف يكون سمحا؟ قال: إذا شك في حديث ما تركه))
الكفاية ص 233
قال الحسين بن حريث المروزي : سألت علي بن الحسن الشقيقي هل سمعت كتاب الصلاة عن أبي حمزة ؟
قال: الكتاب كله إلا أنه نهق الحمار يوما فخفي علي حديث أو بعض حديث ، ثم نسيت أي حديث كان من الكتاب ، فتركت الكتاب كله
الكفاية ص 234.
فسبحان الله الى اى حد وصلت عنايتهم رحمهم الله بالسنة وخوفهم ان يحدثوا بما لم يسمعوا
بل توصل الأمر لدى بعضهم أنه إذا شك في كلمة من الحديث ترك الحديث كله ، والبعض الآخر كان يقول: كذا أو كذا ، إشارة إلى تردده .
فهذه الدقة وهذه الأمانة لا نجدها عند أحد إلا عند علماء هذه الأمة وخاصة محدثيها .
قال يحيى بن سعيد القطان : ((الأمانة في الذهب والفضة أيسر من الأمانة في الحديث إنما هي تأدية ، إنما هي أمانة))
قال الحافظ الخطيب : ((إذا شك في حديث واحد بعينه أنه سمعه وجب عليه اطراحه ، وجاز له رواية ما في الكتاب سواه ، وإن كان الحديث الذي شك فيه لا يعرفه بعينه لم يجز له التحديث بشيء مما في ذلك الكتاب
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2 \ 202
وكان من عنايتهم رحمهم الله انهم كانوا يضبطون الحديث ضبط صدر وكتبه عناية بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ الرامهزي : ((والحديث لا يضبط إلا بالكتاب ، ثم بالمقابلة ، والمدارسة ، والتعهد ، والتحفظ ، والمذاكرة ، والسؤال ، والفحص عن الناقلين ، والتفقه بما نقلوه)) المحدث الفاصل: ص 385.
قال طاوس : ((كنت أنا وسعيد بن جبير عند ابن عباس يحدثنا ، ويكتب سعيد بن جبير )
قال هشيم : ما كتبت حديثا قط في مجلس كنت أسمعه ، ثم أجيئ إلى البيت فأكتبه
ومنها أنهم كانوا يخشون أن تقع كتبهم بعد موتهم في أيد غير أمينة ، فيزاد فيها أو ينقص .
قال سعد بن شعبة بن الحجاج : ((أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه ، فغسلتها))
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: ((هذا فعله غير واحد ، بالغسل ، وبالحرق ، وبالدفن ، خوفا من أن تقع في يد إنسان واه ، يزيد فيها أو يغيرها

سير أعلام النبلاء: 7 \ 213 و 11 \ 376، 396.
كما أن كثيراً من المحدثين كان يحدث من كتابه لكي لا يقع في غلط أو خطأ .
قال الإمام الذهبي : ((الورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب ، كما كان يفعل ويوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل رضي الله عنه))
وكان أيضا على مذهب الإمام أحمد علي بن المديني قال رحمه الله: (( ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب ، ولنا فيه أسوة)).
قال الحافظ الخطيب : ((الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه ، ليسلم من الوهم والغلط ، ويكون جديرا بالبعد من الزلل))
ومن كان عنده كتاب ثم تصيبه آفة ، كالحرق ، أو الضياع ، أو يزاد فيه من قبل آخرين ، ثم يحدث منه صاحبه ، فإن أهل الحديث يجرحونه ، ويردون حديثه ، كما صنعوا في ابن لهيعة وغيره وهذا ان لم يعرف عنه ضبط الصدر
كما أنهم كانوا يهتمون بضبط الكلمة وتنقيطها ، حتى لا يقع فيها تصحيف ، وذكروا أن الراوي الذي يعتني بالتشكيل والتنقيط لدليل على دقته وصحة كتابه .
وقد حث غير واحد من أهل الحديث على التنقيط والضبط
قال حماد بن سلمة لأصحاب الحديث: ((ويحكم! غيروا ، يعني قيدوا واضبطوا)) الكفاية ص 242.
قال الرامهرمزي : ((قال أصحابنا أما النقط فلا بد منه؛ لأنك لا تضبط الأسامي المشكلة إلا به ، . . . وقالوا: إنما يشكل ما يشكل ، ولا حاجة إلى الشكل مع عدم الإشكال)) .
وقال آخرون: ((الأولى أن يشكل الجميع ، وكان عفان وحيان من أهل الشكل والتقييد) لمحدث الفاصل: ص 608.
يتبع