4- أما في سنة 13هـ فحدث في منتهى الأهمية, إذ استطاع المسلمون في موقعة البويب بقيادة البطل الإسلامي الفذ المثنى بن الحارثة, وكان عدد المسلمين في هذه الموقعة 8 آلاف فقط, والفرس مائة ألف بقيادة (مهران) وهو من أعظم قُوَّاد الفرس, وتم اللقاء في الأسبوع الأخير من شهر رمضان سنة 13هـ, ودارت موقعة من أشدِّ مواقع المسلمين, أمر فيها المثنى جنوده أن يُفطروا؛ ليتقوَّوا على قتال عدوهم, اقتدى بفعل الرسول في فتح مكة, وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا, وأبلى المثنى وبقية الجيش بلاءًً حسنًا, وتنزَّلت رحمات الله وبركاته على الجيش الصابر, فانتصر المسلمون انتصارًا رمضانيًّا هائلاً.
تُرى كم من الفرس قُتل في هذه الموقعة؟!
فني الجيش الفارسي بكامله في هذه الموقعة, تجاوز القتلى 90 ألف فارسي من أصل مائة ألف, هزيمة مروعة للجيش الفارسي بعد شهر واحد من هزيمة المسلمين في موقعة الجسر. ولنفكر ونتدبَّر كيف لثمانية آلاف أن يهزموا أكثر من 90 ألفًا, وفي عُدة أضعف من عدتهم, وفي عقر دارهم, كيف يحدث هذا؟ لن تعرف تفسيرها أبدًا إلاَّ أن تقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17]. هذا هو التفسير الوحيد لهذه الموقعة, التي لا تُنْسَى في التاريخ الإسلامي.
5- وتمرُّ الأيام ويأتي رمضان جديد على المسلمين سنة 53هـ, تفتح فيه جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط, فقد أرسل إليها أمير المؤمنين الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان أحد التابعين الأبرار لفتحها, وهو جنادة بن أبي أمية الأَزْدِي من قبيلة الأزد اليمنية, ولم يؤخِّر المسلمون القتال إلى ما بعد رمضان مع الصعوبة الشديدة لقتال البحر, وفي الحديث عن أبي الدرداء أن رسول الله قال: "غَزْوَةٌ فِي الْبَحْرِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرِ غَزَوَاتٍ فِي الْبَرِّ, وَمَنْ أَجَازَ الْبَحْرَ فَكَأَنَّمَا أَجَازَ الأَوْدِيَةَ كُلَّهَا..."[2]. فلم يُؤَخِّروا الجهاد؛ لأن الجهاد لا يُؤَخَّر, والمسلمون في جهاد دائم؛ لذلك لم ينتظروا انتهاء رمضان, بل مَنَّ الله عليهم بفتح الجزيرة في رمضان سنة 53هـ.




رد مع اقتباس
المفضلات