القول في قصة داود (عليه السلام)
إيضاح القصة
كان داود (عليه السلام) جالساً في محرابه إذ دخل عليه شخصان بغير إذنه، وكانا أخوين يملك أحدهما تسعاً وتسعين نعجة ويملك الآخر نعجة واحدة، وطلب الاَوّل من أخيه أن يعطيه النعجة التي تحت يده، مدعياً كونه محقاً فيما يقترحه على أخيه، وقد ألقى صاحب النعجة الواحدة كلامه على وجه هيّج رحمة النبي داود وعطفه.
فقضى (عليه السلام) طبقاً لكلام المدعي من دون الاستماع إلى كلام المدعى عليه، وقال: (لقد ظلمك بسوَال نعجتك إلى نعاجه)
ولما تنبّه أنّ ما صدر منه كان غير لائق بساحته، وانّ رفع الشكوى إليه كان فتنة وامتحاناً منه سبحانه بالنسبة إليه (فاستغفر ربّه وخر راكعاً وأناب).

تفسير بن كثير
قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس -ويزيد وإن كان من الصالحين-لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا.أ.هــ


قال الشيخ الشعراوي في تفسير قوله تعالى (وظن داود أنما فتناه):
1-أن داود (عليه السلام) فزع من دخول قوم عليه وخاف أن يقتلوه وهو في حضرة الله.
2-سمع من أحد الطرفين دون الآخر.
3-أدخل في الحكم حيثية ليس لها مدخل فيه. أ.هـ



كون الاستغفار لاَجل ترك الاَولى
استدلت المخطّئة باستغفاره وإنابته إلى الله ، على صدور ذنب منه ولكنّه لا يدل على ذلك:
أمّا أوّلاً: انّ قضاءه لم يكن قضاء باتاً خاتماً للشكوى، بل كان قضاء على فرض السؤال، وإنّ من يملك تسعاً وتسعين نعجة ولا يقتنع بها ويريد ضم نعجة أخيه إليها، ظالم لاَخيه، وكان المجال بعد ذلك بالنسبة إلى المعترض مفتوحاً وإن كان الاَولى والاَليق بساحته هو أنّه إذا سمع الدعوى من أحد الخصمين، أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ولا يتسرع في القضاء ولو بالنحو التقديري.
وإنّما بادر إليه لاَنّه (عليه السلام) فوجىء بالقضية ودخل عليه المتخاصمان بصورة غير عادية فلم يظهر منه التثبت اللائق به.
ولمّا تنبّه إلى ذلك وعرف أنّ ما وقع، كان فتنة وامتحاناً من الله بالنسبة إليه (استغفر ربّه وخر راكعاً وأناب)تداركاً لما صدر منه ممّا كان الاَولى تركه، أوّلاً، وشكراً وتعظيماً لنعمة التنبّه الذي نال به فوراً بعد الزلّة، ثانياً.

وثانياً: انّ من الممكن أن يكون قضاوَه قبل سماع كلام المدّعى عليه، لاَجل انكشاف الواقع له بطريق من الطرق وانّ الحق مع المدّعي، فقضى بلا
استماع لكلام المدّعى عليه، نعم الاَولى له حتى في هذه الصورة ترك التسرع في إصدار الحكم، والقضاء بعد الاستماع، ولمّا ترك ما هو الاَولى بحاله استغفر لذلك، وقد تكرر منا أنّ ترك الاَولى من الاَنبياء ذنب نسبي وإن لم يكن ذنباً على وجه الاِطلاق.
نعم قد وردت في التفاسير أحاديث في تفسير الآية لا يشك ذو مسكة من العقل أنّها إسرائيليات تسربت إلى الاَُمّة الاِسلامية عن طريق أحبار اليهود ورهبان المسيحية، فالاَولى الضرب عنها صفحاً، وسياق الآيات يكشف عن أنّ زلته لم تكن إلاّ في أمر القضاء فقط لا ما تدّعيه جهلة الاَحبار من ابتلائه بما يخجل القلم عن ذكره.

ولأجله يقول الإمام على () في حق من وضع هذه الترهات أو نسبها إلى النبي داود (عليه السلام) : "لا أُوتى برجل يزعم أنّ داود تزوج امرأة "أُوريا" إلاّ جلدته حدّين: حدّاً للنبوة وحدّاً للاِسلام"