القول في فتنة سليمان (عليه السلام)
الذي عليه المحققون من أهل التفسير أن سبب الابتلاء ونوع العقاب الذي عوقب به سليمان عليه السلام المذكور في قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) [صّ:34].
مبين في ما أخرجه البخاري في صحيحه :6639 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً ، كُلُّهُنَّ تَأْتِى بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ . فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا ، فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ ، وَايْمُ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . لَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ » .

7469 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً فَقَالَ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِى ، فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلْتَلِدْنَ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ ، فَمَا وَلَدَتْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ شِقَّ غُلاَمٍ . قَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ ، فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » .

قال الإمام بدر الدين العيني في كتاب عمدة القاريء شرح صحيح البخاري:(قوله شق غلام) أي نصف غلام قيل هو ما (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب)
وقوله : { فَتَنَّا } من الفتن بمعنى الابتلاء والاختبار والامتحان
قال الآلوسى : وأظهر ما قيل فى فتنة سليمان - عليه السلام - أنه قال : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة . تأتى كل واحدة بفارس يجاهد فى سبيل الله - تعالى - ولم يقل إن شاء الله . فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة وجاءت بشق رجل .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان بعد أن ساق هذا الحديث: فإذا علمت هذا، فاعلم أن هذا الحديث الصحيح بيَّن معنى قوله تعالى وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ، وأن فتنة سليمان كانت بسبب تركه قوله "إن شاء الله"، وأنه لم يلد من النساء إلا واحدة نصف إنسان، وأن ذلك الجسد الذي هو نصف إنسان هو الذي ألقي على كرسيه بعد موته في قوله تعالى: (وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ). انتهى.
وأما ما عدا هذا مما يذكره أكثر المفسرين، من أن سبب الابتلاء كان بزواج سليمان عليه السلام من امرأة من بنات الملوك، وأنها كانت تعبد الصنم في داره ولم يعلم بها سليمان عليه السلام، وأنه عوقب على ذلك بسلب الملك منه وإلقاء شبهه على شيطان متمرد حكم بني إسرائيل أربعين يوماً، ونحو هذا، فهو من الإسرائيليات التي لا أصل لها، كما نص على هذا ابن كثير والشنقيطي، وذلك لمنافاتها لمقام النبوة والعصمة التي خص الله بها الرسل.